رغم كل المعاناة التي تعانيها قوي المعارضة المصرية من النظام الحاكم والتي تستوجب وحدتها وتضامنها، فإن تلالا من عدم الثقة ما زالت تخيم علي أجواء المعارضة المصرية. هل نجح النظام الاستبدادي والاختراقات الأمنية في تفريق صفوف المعارضة. هل وصلنا إلي مرحلة القبول بالتزوير الفاضح لإنجاح عناصر معارضة وسكوت أعضاء الأحزاب وقياداتها علي ذلك الفعل الفاضح سياسيا. هل يمكن أن يتكرر ذلك في انتخابات مجلس الشعب القادمة ويتم الرضا به والسكوت عنه، مما يعني في النهاية الإقرار بفشل تجربة التعددية الحزبية المقيدة وانتهاء دور الأحزاب الرسمية التي مارست قدرا من المعارضة طوال 35 سنة؟ المشهد الحالي يعبر عن حالة من التشرذم والتفرق بين القوي المعارضة للنظام الحاكم المصري وللحزب الذي يقود مسيرة الفساد والاستبداد ونهب الثروات. الشباب لم يعد يثق في النخب السياسية المعارضة، ويعمل من خلال آليات ووسائل حديثة علي شبكة «الإنترنت» ويشكل حركات جديدة كل يوم. الائتلاف الرباعي بين الأحزاب التي ارتضت قواعد النظام السياسي المصري، ولها تاريخ ما، وتقودها شخصيات لعبت أدوارا سياسية في مراحل من حياة مصر دب الشقاق بينها بعد فضيحة تزوير انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشوري، بين القبول الصريح بمقاعد هزيلة نتيجة التزوير أو بالتعيين، وبين رفض ذلك بشجاعة، وينسحب ذلك الموقف علي قرار المقاطعة أو المشاركة في انتخابات مجلس الشعب المقبلة. ويتساءل أعضاء تلك الأحزاب عن إمكانية استمرار ذلك الائتلاف بعد تلك المواقف المتناقضة. الدكتور البرادعي الذي بعث حالة من الحراك الشديد في صفوف النخبة السياسية والفكرية وداخل قوي المعارضة غير الرسمية وبين جموع شبابية كبيرة أصرّ علي الاحتفاظ لنفسه بمساحة بينه وبين الجميع لاعتبارات يراها هو، وهذا لا اعتراض عليه، هذه هي صورة المشهد الحالي. إلا أن المواطن المصري الذي نخاطبه جميعا يريد أن يري كل الرافضين لهذا الوضع الحالي البائس في خندق واحد وفي صف واحد حتي يحتشد خلفهم في اشتباك جدي مع النظام الحالي وحزب الفساد والاستبداد والنهب من أجل الإصلاح والتغيير. الأمل الآن الذي يلوح في الأفق هو «الجمعية الوطنية للتغيير» التي انطلقت من اللقاء الذي تم في بيت الدكتور البرادعي عقب عودته مباشرة، والتي أعلن هو عن رعايته لها وأنه بمثابة رمز لمطالبها ومبادئها. هذه الجمعية أمامها أعباء ثقيلة ومهام صعبة، وقد استوعب الفاعلون الرئيسيون فيها التجارب الوطنية السابقة التي كان آخرها الجبهة الوطنية للتغيير التي رأسها ونسق أعمالها الدكتور عزيز صدقي - غفر الله له -. أهم أهداف تلك الجمعية العمل المنظم الهادف للوصول إلي ضغط شعبي كبير من أجل إصلاح وتغيير حقيقي في مصر، يترجم تلك الأهداف الأساسية في بيان المطالب السبعة التي صدرت بعنوان «معا سنغير». هذه المطالب تلخص معظم ما اتفقت عليه القوي الوطنية المصرية لكل أطيافها منذ انطلاقة التعددية السياسية، خاصة بعد انتخابات 1984م وفي مؤتمر عابدين قبيل انتخابات 1987م وحتي يومنا هذا. منذ أشهر انطلقت حملة جمع التوقيعات علي بيان «معا سنغير» بالمطالب السبعة وفي مقدمتها إنهاء حالة الطوارئ وضمان حرية الانتخابات، واليوم تشهد تنشيطا جديدا لها باستهداف الوصول إلي أكبر رقم من التوقيعات الإلكترونية للوصول إلي رقم المليون بإذن الله، وهو ما يمثل تحديا لكل القوي الفاعلة في الجمعية قبل التفكير في تفعيل تلك المشاركات الإلكترونية علي أرض الواقع. وجود الإخوان بجانب كل القوي السياسية لتنشيط التوقيعات يزيل بعض المخاوف والهواجس ويزيد الثقة المتبادلة بين الجميع، فحين تري علي مقدمة حملة التوقيعات «لوجوهات» أو العلامات المميزة للإخوان والجمعية وشباب 6 أبريل وحركة كفاية وحزب الجبهة والشيوعيون المصريون وغيرهم كالإشتراكيين الثوريين سيشجع كل مصري ومصرية علي التوقيع الالكتروني وحث الآخرين علي التوقيع. أحد أهم أهداف تلك الحملة هو «الاتفاق علي القواسم المشتركة والمطالب السبعة المحددة لها» وتمرين الأجيال جميعها خاصة الشباب علي فضيلة التوافق والعمل المشترك، وإزالة تلال عدم الثقة والإطاحة بمعظم الهواجس التي تملأ النفوس. هناك الآن تحد حقيقي أمام الجميع وهو تنشيط حملة التوقيعات بكل الطرق والوسائل لكسر حاجز الصمت والخوف لدي المصريين وأن تكون تلك الحملة في كل مكان في مصر من الإسكندرية الغاضبة لمقتل خالد سعيد إلي أسوان الغاضبة لعدم إغاثة منكوبي السيول حتي الآن، ومن رفح وسيناء التي تشهد توترات وصدامات مؤسفة بين أهلنا في سيناء ووزارة الداخلية التي تؤمن حدود العدو الصهيوني وأمنه إلي مطروح والسلوم التي تعاني الإهمال وانعدام التنمية الحقيقية والسعي الحثيث لإلغاء المشروع النووي المصري في الضبعة لصالح رجال أعمال من الحزب الوطني يفخر بذلك علنا. يجب علي الشباب المصري من كل التيارات أن يقود حملة تنشيط التوقيعات وأن يحمل أجهزة «اللاب توب» إلي الشوارع والندوات والمؤتمرات والمساجد والكنائس والنوادي والمصايف لتشجيع المواطنين جميعا: رجالا ونساءً وشيبًا وشبابًا، علي التوقيع علي مطالب المعارضة. هذا التحدي إذا نجحنا فيه خلال الأسابيع والأشهر المقبلة فسيكون حافزا لنا جميعا علي اتخاذ القرار المناسب بشأن انتخابات مجلس الشعب المقبلة التي يتنازعها الآن اتجاهان، إما التنسيق المشترك من أوسع مدي إلي أقل مدي أو المقاطعة الجماعية التي يبدو في الأفق عدم الإجماع عليها. إذا وصلت أرقام الموقعين إلي كسر حاجز المليون، فهؤلاء جميعا مدعوون إلي المشاركة الإيجابية في الانتخابات المقبلة، أيا كانت استجابة النظام لمطالبنا بخصوص ضمانات نزاهتها وحيدتها. حينئذ سيكون التحدي الجديد أمام الشعب المصري وفي الصدارة منه القوي المشاركة في الانتخابات وفي المقدمة «الجمعية الوطنية للتغيير» والدكتور البرادعي هو فرض إرادة المصريين في الانتخابات والتصدي لتزويرها بكل الطرق والحشود ابتداء من منع الأمن من التدخل في الانتخابات بالاتصالات المباشرة والحوارات المستمرة وصولا إلي فرض وجود المندوبين قانونيا وعمليا داخل لجان التصويت وتنظيم وصول المواطنين إلي الصناديق وحمايتهم أثناء التصويت والاحتشاد المستمر طوال يوم الانتخابات وحتي إعلان النتائج من كل الشعب المصري لفرض إرادته ليكون يوم الانتخاب علي مستوي مصر هو يوم الاشتباك العادل مع المزورين والبلطجية وتحالف الفساد والاستبداد وإجبار مؤسسات الدولة علي احترام الدستور والقانون وإجبار النظام علي احترام إرادة الأمة. لقد صوّت للمعارضة المصرية في انتخابات 2005 قرابة المليونين أو يزيد، وهؤلاء جميعا مدعوون لفرض إرادتهم بل ولحشد ملايين أخري بجانبهم لإنقاذ مصر من الفوضي المدمرة أو التدخل الأجنبي أو المجهول الذي لا نعرفه أو علي الأقل إنقاذ مصر من بقاء تلك الأوضاع التي ستقودنا إلي اليأس والإحباط. الجمعية الوطنية للتغيير إطار وطني الآن يجمع قوي حية وفاعلة، وهي تسعي إلي مد يد التفاهم إلي بقية الأحزاب والقوي السياسية خارجها من أجل التنسيق المشترك لمواجهة الأوضاع المأساوية الحالية، وواجبنا الآن هو تفعيل ذلك الإطار الوطني وتنشيط العمل المشترك من خلاله ولو في الحد الأدني، وتذليل العقبات والصعوبات التي تظهر في النشاط، ونقل أنشطة الجمعية إلي كل بقاع مصر وتناول المشكلات الملحة كالتعذيب والتزوير والفساد والنهب والاستبداد في مؤتمراتنا وندواتنا ووقفاتنا الجماعية، ودعوة الشعب إلي النشاط والحيوية من جديد ونفض غبار الكسل ومقاومة الاكتئاب والإحباط الذي يريد الحزب الحاكم إصابتنا به. وهذا الشعب لن ينشط ويمارس دوره إلا إذا أحس أن المعارضة جميعا متفقة علي القواسم المشتركة والحد الأدني الذي يضمن الحريات العامة ونزاهة الانتخابات واحترام إرادة الشعب. لقد نشطت الجمعية بمؤتمراتها ووقفاتها وندواتها حتي الآن في طنطا والمحلة والإسكندرية والمنصورة والقاهرة، وغدا بمشيئة الله ستنتقل كل الفعاليات في بقية المدن والعواصم والمحافظات، بل نشطت الجمعية مع المصريين في الخارج. هذه دعوة للأمل والعمل والثقة بالله والثقة بالنفس والاعتماد علي الله وحده وتنشيط كل مجالات العمل المشترك من أجل مستقبل أفضل نستحقه نحن وأولادنا وأحفادنا. ( إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) (الكهف: من الآية30) صدق الله العظيم