أكثر ما يستفزني في الدنيا عامة وفي الرياضة خاصة هو رؤية موهبة مهدرة بسبب تصرفات صاحبها وتفكيره. وإذا جرت انتخابات لاختيار رئيس جمهورية المواهب المهدرة، فإن جمال حمزة سينجح باكتساح. لاعب حريف؟ بالطبع، ولا يوجد من يختلف علي هذه الحقيقة. لاعب محبوب؟ أحيانًا، وفقا لتصرفاته التي غالبًا ما تكون هوائية. لاعب منتج؟ نادرًا، يتوقف الأمر علي مزاجه الشخصي في اللعب بجدية من عدمه. لاعب سيذكره التاريخ؟ ربما بمشاكله أكثر من إنجازاته، التي تقتصر علي ما حققه مع الزمالك في السنوات الأربع الأولي من الألفية وبلا ذكري طيبة واحدة مع منتخب مصر. وارتكب حمزة خمسة أخطاء أساسية في مشواره الكروي جعلته الخليط السابق من الموهبة وضعف المقابل الناتج عنها. هذه الأخطاء يمكن تلخيصها فيما يلي: علاقة متوترة بالجماهير كان حمزة أحد أهم نجوم فريق الزمالك، ولكنه أكثر اللاعبين تعرضا للهتافات العدائية من جماهيره إما لأدائه غير الجاد أو تصريحاته التي تزيدهم غضبًا علي غضبهم بسبب النتائج السلبية المتتالية للفريق. فكثيرًا ما كان حمزة يلعب بتراخٍ وبدون اهتمام وبقدر مبالغ فيه من الفردية في أوقات حرجة للغاية ما يعرضه لموجات متتالية من اللعنات قادمة من المدرجات. وبدلاً من محاولة امتصاص هذا الغضب، فإنه كان يرد علي الجماهير بما يزيد حنقهم عليه، ولن أنسي أبدا حينما رد علي المشجعين الذين اتهموه بالتكاسل في مباريات الدوري قائلاً «كده كده الدوري راح، سنلعب بجدية في الكأس!" «التناكة» علي الزمالك! في عز أزمات الزمالك الكروية، كان حمزة يطلب مبالغ فلكية لتجديد تعاقده مع النادي، مهددًا الإدارة في كل مرة بأن لديه عروض احتراف كثيرة، وأنه لن يتنازل عن الحصول علي ما يظن أنه يستحقه من تقدير مالي. وحينما أقول مبالغ فلكية فإنني أعني فلكية «من وجهة نظر ممدوح عباس» وليس من وجهة نظري الشخصية .. أظن أن بإمكانكم تقدير الأرقام! الزمالك بالطبع لم يستجب لمطالبه الغريبة لأنها تأتي من لاعب لا يقدم عرقًا كالذي يبذله عبد الواحد السيد أو أهدافًا كالتي يسجلها عمرو زكي (قبل انتكاسته الأخيرة). ولم يجد حمزة من يدافع عنه حتي بين صفوف الجماهير للأسباب السابق ذكرها. البوندزليجا إذن، لم يجدد الزمالك عقد حمزة وتمني له حظًا سعيدًا في الاحتراف .. ولكن هل ضاقت الدنيا كي ينطلق إلي إحدي أكثر البطولات ذات المتطلبات البدنية علي كوكب الأرض؟ فحمزة في النصف الثاني من العشرينات ولا يمتلك اللياقة التي يتمتع بها أحمد حسن في عامه ال35 ، ولم يكن أبدًا صاحب مواصفات بدنية كالتي يتفاخر بها ميدو وزكي. بل إن حمزة أحد أقل اللاعبين ركضا بدون كرة في الزمالك، ما دفع جونيور أجوجو ذات مرة إلي الصراخ في مدربه راينر هولمان، مطالبا إياه بحث زميله في الهجوم علي الجري حتي يستطيع الفريق التسجيل، وبالتالي كان عليه تجربة حظه خارجيا في اليونان أو تركيا أو بلجيكا مثلا وليس البوندزليجا. وحدث ما توقعه الجميع باستثناء حمزة نفسه، لم يستطع اللاعب حتي تقديم مستويات بدنية تجعله يستكمل تدريبات فريقه بالقوة المطلوبة، مما جعل أكسل شوستر -المدير الرياضي لنادي ماينتز - يقول للصحفيين: «إنه لايزال لديه الكثير بدنيًا للعب في الدوري الألماني، وأنه «يجر قدميه من الإرهاق بعد التدريبات، فما بالكم بالمباريات؟!» ... النتيجة الحتمية كانت الفشل. بلياردو الزمالك عاد حمزة إلي مصر بعد أربعة أشهر فقط من مغادرتها، بعد فسخ عقده مع ماينتز دون خوض مباراة واحدة في الدوري الألماني.. التفكير البديهي يقول إنه الآن يعد الطرف الأضعف في أي مفاوضات مع الزمالك، الذي سيملي شروطه لضم اللاعب في هذه الحالة بعدما أثبتت الأيام فشله في الاحتراف الخارجي، وأنه بالفعل لا يستحق المبالغ التي طلبها قبل رحيله والتي كان يستند فيها إلي العرض الألماني. وبدلا من أن يحاول حمزة إعادة إثبات وجوده علي الساحة في مصر - مثلما فعل لاحقًا بالانضمام إلي الجونة - بادر بالوجود داخل نادي الزمالك، وحضور تدريبات فريق الكرة، والحديث مع الإدارة والجهاز الفني عن العودة في يناير، بل وتمثيل الزمالك في كأس مصر للبلياردو إثباتا لحسن النوايا .. القانون الاقتصادي المعروف ينطبق هنا أيضا «حينما يزيد العرض .. يقل الطلب». الهروب من المنافسة انضم حمزة للأهلي في خطوة لاستعادة مكانته في الكرة المصرية، ولكن هل كان يتوقع نجاحًا سهلاً؟ فريق محتكر الدوري الممتاز لستة مواسم متتالية، وفائز بثلاث بطولات لدوري أبطال أفريقيا في آخر خمس سنوات، ويضم عددًا لا بأس به من عناصر منتخب مصر الفائز بثلاث بطولات أمم أفريقية متتالية لن يكون ساحة ممهدة لدخوله في التشكيل الأساسي بلا متاعب أو تضحيات. المنافسة الضارية مع لاعبين في نفس المركز أمر متوقع قبل انتقاله إلي الأهلي وبالتالي كان عليه أن يناضل لإثبات أنه يستحق الوجود في الملعب وليس الهروب من المنافسة. نقلا عن موقع في الجول