من خلال متابعتي للحياة الفنية أستطيع أن أقول لكم وأنا مرتاح الضمير إن لدينا عدداً لا بأس به من الحكايات التي تتكرر وتنتقل من جيل إلي جيل ويؤكدها بعض الفنانين باعتبارهم شهود عيان علي أنها الحقيقة رغم أنها حكايات لا أساس لها من الصحة وتصطدم أيضاً بالمنطق الفني.. منها تلك التي لا يكف الموسيقار «حلمي بكر» عن ترديدها وهي أن الموسيقار «محمد فوزي» عندما جاء إلي الاستديو لإجراء بروفات أغنية «كلمني طمني» ساومته الفرقة الموسيقية وطالبته بمبلغ قديم لم يسدده لهم عن أغنيتين سابقتين ولم يكن لدي «فوزي» سيولة مادية فما كان منه سوي أن جمع الكورال حوله وبدأ في تلقينهم الأداء النغمي للآلات ليحاكي عدد منهم صوت الكمنجة وعدد آخر صوت التشيلو ثم يرددون وراءه بالهمهمات كلمتي «طمني ارحمني».. والحقيقة أن هذا الموقف كان في إطار أحد أفلام «محمد فوزي» أي أن المنطق الدرامي هو الذي فرضه وليس له أي علاقة بما حدث في الواقع.. لماذا يؤكد الكثير من كبار الفنانين هذا الموقف المتخيل؟ إنه الحب من يروي ذلك يري أن «محمد فوزي» قيمة كبيرة ولا شيء من الممكن أن يقف أمام عبقريته والحاجة أم الاختراع وهكذا في لحظة اكتشف «فوزي» الحل بعد أن خذلته الفرقة الموسيقية والحقيقة هي أن هذه الأغنية التي تقدمها الإذاعة المصرية بين الحين والآخر لا يمكن أن تخضع لقانون الصدفة.. أراد «فوزي» أن يقدم بناءً مغايراً لما تعودت عليه الأغنية العربية و«فوزي» واحد من الفنانين المغامرين فنياً ولهذا قرر الاستعانة في هذه الأغنية بالكورال عوضاً عن الآلات الموسيقية.. ما أراده عشاق «فوزي» هو كذبة جميلة رددوها بعد رحيله.. أحياناً يجبر الفنان علي أن يخترع بدائل في اللحظة ولكنه لن يقدم بناءً موسيقياً متكاملاً مثلما حدث في كلمتي «طمني ارحمني».. قد يغيب عن التسجيل عازف أورج فيستعيض عنه بعازف أكورديون أو مثلما حدث عام 56 عندما ذهب الموسيقار «محمود الشريف» للإذاعة المصرية لتسجيل نشيد «الله أكبر فوق كيد المعتدي" فاكتشف أن المطرب «كارم محمود» الذي كان من المنتظر أن يغني مع الكورال غاب لأن الإذاعة كانت مهددة بالضرب بالقنابل وهكذا استعان الملحن «محمود الشريف» بمن جاء من الكورال وأيضاً ببعض السعاة وتم غناء «الله أكبر» وأذيعت علي الناس ورغم ذلك فإن النشيد الذي تحتفظ به الإذاعة المصرية وتقدمه بين الحين والآخر ليس هو الذي شارك فيه السعاة لأن «الشريف» أعاد تسجيله مرة أخري مستعيناً بكورال كل أفراده مدربين.. كثير من الأكاذيب الفنية والسياسية التي تسللت إلي حياتنا ورددناها بحسن نية لأن مذاقها أحلي بكثير من الحقيقة.. ليس فقط أعذب الشعر أكذبه ولكن أيضاً أعذب الحقائق أكذبها!!