المشهد الأجمل فى احتفالات أكتوبر هذا العام.. مشهد الأبطال الذين أصيبوا فى الحرب، وأحياهم الله حتى نراهم الآن وهم يتصدرون الاحتفال بالنصر الذى شاركوا فيه، ورئيس الدولة يقدم لهم تحية الشكر والتقدير، ومصر كلها تطبع على جبينهم قُبلة الامتنان.. وربما تقدم لهم الاعتذار لأنها لم تعطِهم حقهم (هم وزملائهم) كما ينبغى أن يكون من التكريم الواجب. ولا أظن أحدًا قد تابع هذا المشهد الجليل فى أثناء العرض العسكرى أول من أمس، ولم تعد به الذاكرة إلى مشهد الجريمة التى ارتكبها «الإخوان» فى أثناء عام حكمهم الأسود، حين حوَّلوا الاحتفال بأكتوبر إلى احتفال بالقَتَلة وزعماء عصابات الإرهاب الذين جلسوا حول المعزول مرسى فى المنصة الرئيسية التى غاب عنها صناع النصر ورموز الفداء من أجل الوطن، فى إهانة واضحة لمشاعر شعب وتاريخ أمة قدمت أغلى التضحيات لتصنع النصر الذى يهز العالم، والذى أثبت عظمة العسكرية المصرية، وعظمة هذا الشعب الذى رفض الهزيمة، ووقف وراء جيشه الوطنى حتى كان الثأر العظيم والعبور المنتصر. كنا نعرف أن الإخوان وحلفاءهم لا يعترفون بمعنى الوطن، ولكننا لم نكُن نتصور أن تصل الصفاقة إلى هذا الحد. وأن يُستبعد أبطال أكتوبر من الاحتفال بيوم نصرهم، ليجلس مكانهم القتلة وزعماء عصابات الإرهاب. لكنهم لم يدركوا أنهم -فى ذلك اليوم- قد أعطوا لشعب مصر وجيشها الوطنى الرسالة التى حاولوا إخفاءها طويلاً، وتركوا الملايين أمام واحد من خيارين لا ثالث لهما: إما إنقاذ الدولة واستعادة الثورة، وإما حكم الفاشية الدينية وعودة إلى ظلام العصور الوسطى باسم الإسلام المفترَى عليه من هؤلاء الخوارج.. وقد اختار الشعب وانحاز الجيش فكان «30 يونيو» الذى أسقط الحكم الفاشى، والذى كشف مرة أخرى الوجه القبيح لإرهاب الإخوان وحلفائهم، حين وجدنا مَن كانوا يجلسون مع مرسى فى المقصورة الرئيسية فى احتفالات أكتوبر يعودون إلى حقيقتهم ويعلنون الحرب على شعب مصر وجيشه، ويكشفون عن عمالتهم وخيانتهم للوطن وهم يتسولون التدخل الأجنبى، ويتآمرون مع كل أعداء مصر جريًا وراء وهم يعرفون أنه لن يتحقق أبدًا بعد أن سقطت كل الأقنعة، وعرف العالم صحة ما كنا نقوله من أن الحديث عن «إرهاب معتدل» هو الضلال بعينه، وهو الخديعة التى كان لا بد أن تنتهى ب«داعش» وإخوته! لقطة أخرى من العرض العسكرى تستحق التوقف عندها. وهى وجود عناصر رمزية من كل الدول العربية التى شاركت فى حرب السادس من أكتوبر. كانت هناك 12 دولة عربية قاتلت فى المعركة وأسهمت فى صنع النصر. المعنى مهم فى ظل الظروف الصعبة التى يمر بها الوطن العربى الآن وهو يخوض الحرب ضد الإرهاب ويتعرض لمؤامرات التقسيم وفتنة الحروب الأهلية والطائفية. نتذكر كيف كان الأمل بعد أكتوبر العظيم أن تكون هناك كتلة عربية تمثل قوة فاعلة بين قوى المنطقة والعالم، وتملك كل مقومات التقدم.. ثم كيف بدأنا كل ذلك لكى نصل إلى ما نحن فيه الآن.. حيث سوريا (الشريك الأساسى فى أكتوبر) يتم تدميرها، والعراق سبقها إلى ذلك على يد أمريكا التى سلمته لإيران و«داعش»! وحيث ليبيا واليمن فى قلب الفوضى، وكل العالم العربى تحت تهديد عصابات الإرهاب وفتنة الطوائف وأطماع القوى الإقليمية والخارجية. ومع ذلك تأتى ذكرى 6 أكتوبر ومعها الأمل، ومعها أيضًا ما يجب أن نتوقف عنده طويلا لنبنى عليه.. فلو أن مصر انهارت واستسلمت بعد الهزيمة فى 67 لما كان أكتوبر، ولا كان للعالم العربى أن يقف على قدميه أو يرفع رأسه. وبالمثل.. لو أن مصر استسلمت لحكم الإخوان الفاشى، لكان العالم العربى كله قد سقط فى قبضة هذه الفاشية التى كانت أمريكا تقدمها باعتبارها الحليف الأساسى الجديد، وتحت زعم أن الإرهاب المعتدل أفضل لنا من الإرهاب المتطرف، وإن كان الاثنان -فى البداية والنهاية- قادمين من نفس المصدر، وخاضعين لنفس الراعى الأجنبى.. وفى خدمته!! صمود مصر بعد 67 كان حجر الأساس فى بناء التحالف العربى الذى حقق النصر فى أكتوبر. وصمود مصر فى وجه المؤامرة وإسقاطها لحكم الإخوان الفاشى فى «30 يونيو» يفتح الطريق للتحالف العربى الذى يضرب الإرهاب ويُجهض مؤامرات التقسيم ويرفض التبعية، ويدرك أن الدولة وحدها هى القادرة على منع الغرق فى مستنقع الحروب الأهلية والطائفية.. تحية لأكتوبر ودروسها التى لا تنتهى.