عَّودتنا الحكومة علي الوصول متأخرة، وهاهي تقرر دعم استثمارات مصرية في إثيوبيا، فهل يفلح الاقتصاد في محو عيوب السياسة أم أن الأوان قد فات؟ لابد أولاً من تذكر أن توقيع أثيوبيا الاتفاقية الإطارية لحوض النيل دون موافقة مصر ودون الاعتداد بموقفها لم تكن المرة الأولي التي تمارس فيها أثيوبيا مثل هذا الإجراء، فقد سبق وحدث ذلك مع أزمة مقر اتحاد غرف التجارة والصناعة والمهن الأفريقية الذي تم اختيار مصر مقراً دائماً له منذ عام 2006، إذ إنه في يوليو في العام الماضي قامت أثيوبيا بعقد جمعية عمومية حضرها عدد من ممثلي الدول الأفريقية وأخذت قراراً بنقل مقر الاتحاد من مصر إلي أديس أبابا «العاصمة الأثيوبية» واختيار ممثل جنوب أفريقيا رئيسا للاتحاد وذلك دون توجيه دعوة لمصر ودون الاعتداد بموقفها الرافض له، وفي المؤتمر الصيني الأفريقي بشرم الشيخ نوفمبر 2009 تغيبت أثيوبيا عن المشاركة باجتماع الجمعية العمومية التي تقرر فيها التجديد لمصر بالرئاسة، وحتي اليوم ما زالت أثيوبيا تنفذ قرارها من حيث اعترافها فقط بالمقر الجديد بعاصمتها أديس أبابا ومصر هي الأخري حتي اليوم لا تملك سوي أن تؤكد أن الإجراءات التي اتخذتها أثيوبيا غير قانونية! السؤال.. هل من الممكن أن تأخذ مفاوضات مياه حوض النيل المنحي نفسه ونحن نتحدث هنا حول المياه.. وهل يستمر المفاوض المصري في «الأسلوب نفسه» الذي تعامل به في مفاوضات اتحاد الغرف الأفريقي؟ نتناول القضية هنا من خلال أحد أهم بنودها وركائزها المحتملة وهي الزيادة الأخيرة للاستثمارات المصرية في أثيوبيا، وهي الاستثمارات التي تؤكد الحكومة المصرية أنها ليست ذي علاقة بمفاوضات حوض النيل بينما تؤكد الشواهد والكثير من الخبراء أنها ليست دون شك سوي رد فعل علي الخطوات الأثيوبية الأخيرة ضد القاهرة.. فهل يمكن أن تكون الاستثمارات ورقة ضغط ناجحة؟! ولا نقيم هنا مدي أهميتها بشكل مطلق وإنما استخدامها كأداة في المفاوضات.. وهل يمكن أن يتكرر ما حدث للاستثمارات المصرية بالجزائر مع استثماراتنا المرتقبة في أثيوبيا؟! وهل الإجراء الذي اتخذته أثيوبيا فيما يتعلق باتحاد الغرف التجارية والصناعية والمهن الأفريقية كإجراء ضد إحدي المنظمات الاقتصادية يعني أنها لا تعني بالتعاون الاقتصادي مع مصر؟ وإذا كان وقف استيراد اللحوم الأثيوبية في فترة ماضية بسبب صراع مصالح بين المستوردين وليس بسبب التخوف من انتقال الأمراض للثروة الحيوانية المصرية، فلماذا لم تتحرك الحكومة إلا في هذا التوقيت الذي تزامن مع مفاوضات حوض النيل وأزمة اللحوم الأثيوبية مضي عليها أكثر من عامين؟! قال الدكتور أحمد نظيف - رئيس الوزراء - في اجتماعه مع رؤساء تحرير الصحف القومية قبل أكثر من شهر: إنه يتوقع أن تؤتي رسائل الرئيس مبارك للقادة الأفارقة بالنتيجة المرجوة حيث يخطرهم مبارك بأن الأمل في التعاون وليس في الخلاف وأن الشركات المصرية بدأت تقيم مشروعات مهمة بدول المنابع، وهذه التصريحات تعني بشكل أو بآخر أن الحكومة المصرية تنظر إلي أن إقامة استثمارات في أثيوبيا ودول المنابع إحدي الأدوات التي تستخدمها الحكومة في الضغط بالمفاوضات أو علي الأقل كسب تأييد إيجابي بها رغم جميع التصريحات التي تؤكد أن الخلافات وأزمة المفاوضات لن تؤثر بشكل أو بآخر في هذا التوجه، وهذا إضافة إلي تزامن أزمة مفاوضات حوض النيل مع تكثيف الحكومة لجولاتها وزيارتها الرسمية إلي أثيوبيا لدعم الاستثمار المصري فيها وعلي رأسها الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء في ديسمبر 2009 ورافقه فيها وزراء التجارة والصناعة والتعاون الدولي والكهرباء والزراعة والصحة ووفد من رجال الأعمال بجميع القطاعات وممثلون لكبري البنوك المصرية وشركات المقاولات، وهذه الزيارة تزامنت مع جولة قام بها وزير الخارجية الإسرائيلي ليبرمان إلي ثلاث من دول حوض النيل إحداها أثيوبيا ورافقه فيها وفد دبلوماسي من عشرين شخصا وعشرين رجل أعمال فضلا عن ممثلين للصناعات العسكرية وخبراء في الري وأسفرت عن افتتاح مركز «بوتاجيرا» للمحاصيل البستانية وهو مشروع ثلاثي يضم أثيوبيا وإسرائيل وهيئة المعونة الأمريكية. أما عن نتائج زيارة الوفد الرسمي المصري الذي كان مكونا مما يقرب من 25 رجل أعمال ومستثمرًا مصريًا فوفقا للمعلومات التي نشرت حولها تعد هذه الزيارة من أنجح الزيارات حيث أجريت مفاوضات لتولي شركات مصرية إقامة 3 محطات لتوليد الكهرباء في أثيوبيا، وإعداد قائمة مطولة تتضمن جميع احتياجات السوق الأثيوبية من المنتجات لطرحها علي القطاع الخاص المصري، وستكون نظير قائمة أثيوبية أخري بالفرص الاستثمارية الموجودة، ودعوة وزير التجارة الأثيوبي لزيارة القاهرة، وقرار بمنح مصدري الدواء 50% من تكاليف تسجيل الدواء المصري في أثيوبيا، وتوقيع مذكرة تأسيس مجلس أعمال مصري - أثيوبي مشترك للعمل علي زيادة التبادل التجاري والاستثمارات بين البلدين، و يمثل الجانب المصري فيه تسعة أعضاء من بينهم: أيمن عيسي رئيس مجلس إدارة شركة جولدن تريد، ورجل الأعمال أحمد بهجت، وأحمد السويدي - رئيس مجلس إدارة السويدي للكابلات -، وعماد السويدي - نائب رئيس شركة السويدي الكتروميتر -، وحسين صبور - رئيس مجلس إدارة شركة الأهلي للاستثمارات العقارية ورئيس جمعية رجال الأعمال -. وقامت شركة جذور أهم الشركات الرئيسية بقطاع الصناعات الغذائية التابعة لمجموعة القلعة بإجراء مفاوضات لشراء شركة غذاء أثيوبية، وأسست شركة السويدي للكابلات الكهربائية مصنعاً للكابلات بالشراكة مع الشركة الأثيوبية «ديناميك جنرال تريدنج بأثيوبيا» بتكلفة استثمارية 36 مليون دولار، تبلغ حصة السويدي فيه 85.7%، وقامت أيضا شركة السويدي بدراسة لتطوير منطقة صناعية علي مساحة 2 مليون متر في أثيوبيا، وتم الاتفاق علي تيسيرات لزيادة حجم التبادل التجاري بين مصر وإثيوبيا خلال السنوات الثلاث المقبلة إلي نحو نصف مليار دولار، ووفقا لبيانات وزارة التجارة والصناعة فإن حجم التبادل التجاري بين مصر وأثيوبيا بلغ 46 مليون دولار منها صادرات 38 مليون دولار وواردات 8 ملايين دولار، ومن أهم المنتجات الأثيوبية البن والشاي واللحوم والفاكهة والخضراوات واللحوم. وبدأت شركات مصرية مشروعات استصلاح زراعي بأثيوبيا منها شركة الأهلي للاستصلاح الزراعي والتي أسسها البنك الأهلي المصري وستقوم بزراعة 60 ألف فدان كمرحلة أولي، وشركة الشرقية للدخان ستقوم بزراعة 50 ألف فدان بالتبغ وأيضا شركات المغربي ودلتا والأحول، إضافة إلي صفقات عودة استيراد اللحوم الأثيوبية والتي كانت برغبة فعلية من الحكومة حيث كان بدءها يتطلب نقل الشحنات جويا من الطائرات وهي تكلفة عالية جدا، ومشكلة النقل هي إحدي العقبات التي أشار إليها رشيد محمد رشيد - وزير التجارة والصناعة - التي أدت وقف استيراد اللحوم الأثيوبية. واتفق رجل الأعمال أحمد بهجت علي إنشاء مصنع لإنتاج التليفزيونات وشركة لتصنيع وتجميد الأسماك، وأعلن بهجت أنه يعد دراسة جدوي لإقامة مشروع سياحي يضم مدينة سكنية وملاعب جولف علي ساحل بحيرة تانا التي تعد أكبر بحيرة في إثيوبيا، وأن المجموعة تدرس إقامة مزارع لتربية الأبقار الأثيوبية والمشروع سيضم مجزراً آلياً علي الحدود بين أثيوبيا وجيبوتي ستتم فيه عمليات الذبح ومن ثم توريدها لمصر. إلي جانب هذا أيضا فازت مجموعة القلعة الاستثمارية بمشروع إنشاء خط سكك حديدية بين أثيوبيا وجيبوتي، وإقامة مصنع مواسير المياه الذي أقامته شركة جولدن تريد باستثمارات 120 مليون دولار وهي الشركة التي يرأسها أيمن عيسي الذي انتخب رئيسا لمجلس الأعمال المصري الأثيوبي , وتقرر إنشاء شراكة للتصنيع الدوائي المشترك بين مصر وأثيوبيا تنفذها الشركة العربية للصناعات الدوائية التي يرأسها الدكتور محمد عوض تاج الدين - وزير الصحة السابق - وهناك مشروع تقوم به شركة إن راد المصرية لمكافحة الملاريا بأثيوبيا. وشركة أوراسكوم للإنشاء ستقوم بإنشاء مدينة سكنية للإسكان الاقتصادي علي غرار المدينة التي أنشأتها بالقاهرة. و قامت بنوك الأهلي ومصر والقاهرة بإنشاء صندوق النيل للاستثمار والتنمية برأس مال مصدر مليار دولار والمدفوع 150 مليون دولار لتمويل مشروعات الاستثمار والتجارة في أفريقيا، وافتتح البنك الأهلي مكتباً له. وتم إنشاء شركة للاستثمار بالدول الأفريقية الغرض منها الترويج للمشروعات الاستثمارية وإعداد دراسات الجدوي للمشروعات والمساعدة في عمليات التمويل الخاصة بالمشروعات من مؤسسيها المساهمين فيها حسين صبور - رئيس جمعية رجال الأعمال - وأحمد بهجت - صاحب مجموعة بهجت - ومصطفي الأحول - رئيس لجنة النقل بجمعية رجال الأعمال -، بالإضافة إلي البنك الأهلي وبنك مصر ورجل الأعمال عمرو علوبة. وبينما تؤكد فايزة أبو النجا - وزيرة التعاون الدولي - أن الاستثمارات المصرية بأثيوبيا بلغت مليار دولار نجد أن الصين تحتل المركز الأول في قائمة المستثمرين داخل أثيوبيا بحجم استثمارات يصل إلي 100 مليار دولار واشترت أراضي بها تقدر بنحو 20 مليار دولار والهند تتاجر مع أثيوبيا بحوالي 35 مليار دولار والسودان أيضا يصل حجم استثماراتها إلي 3.5 مليار دولار وهذا وفقا لمعلومات منشورة ، ناهيك عن إسرائيل وإيران. وقيل إن الحكومة درست تسيير إنشاء شركة تجارية جديدة لتكثيف الوجود المصري في دول منابع النيل من خلال تصدير المنتجات المصرية إلي هذه الدول واستيراد منتجاتها،علي أن تتبع هذه الشركة الحكومة وستكون شبيهة بشركة النصر للاستيراد والتصدير التي أنشأها الرئيس الراحل «جمال عبدالناصر»، ونذكر هنا أن رجال أعمال وخاصة بغرفة الصناعات الكيماوية باتحاد الصناعات سبق أن دعوا مع الأزمة المالية العالمية إلي استغلال مكاتب شركة النصر للاستيراد والتصدير القائمة بالفعل في عدد كبير من الدول الأفريقية ، وشركة النصر كانت في بداية الستينيات تدعم الثورات الأفريقية واستخدمت كغطاء لعملية الحفار التي قام بها جهاز المخابرات العامة وكانت من أقوي الشركات التي دعمت العلاقات التجارية بين مصر والدول الأفريقية , وكان من بين 33 فرعا لها حول العالم كان هناك 27 فرعا في أفريقيا فقط وأصبح عدد الفروع الحالية 18 فرعا في أفريقيا، كانت تلعب دورا في مقايضة السلع بيننا وبين أثيوبيا من اللحم والفول والعدس والزهور وغيرها مقابل منتجات مصرية مختلفة واليوم أصبح دور الشركة سمسارا يورد ويصدر مواد في أغلبها مواد أولية. وأجبرت الصراعات السياسية الشركة علي إغلاق خمسة مكاتب لها في دول أفريقية وتم إغلاق مكتب السودان عام 1996 بعد محاولة اغتيال الرئيس مبارك في أثيوبيا وبخلاف الدول الأفريقية أغلقت الشركة فروعها في إيران وروسيا وهولندا وحال مباني شركة النصر كما يتم وصفها خراب. عماد السويدي أحد أهم المستثمرين بأثيوبيا أكد أن مفاوضات حوض النيل حتي اليوم لم تؤثر في استثماراتهم بأثيوبيا وبالعكس فإنها ترحب وتتعاون أكثر قائلا إن المشاريع الاقتصادية لا علاقة لها بالخلافات ، والمصالح الاقتصادية في الجزائر رغم ما تعرضت له كانت في مرحلة ما سببًا لمحاولة التفكير لحل الأزمة بين البلدين ، وحول ما إذا كان توجههم لدخول السوق الأثيوبية جاء بناء علي دعوة من الحكومة المصرية ورد فعلهم المحتمل كشركة قطاع خاص في حالة حدوث أزمة استدعت مطالبتهم بسحب استثماراتهم كوسيلة للضغط قال السويدي إنهم ليسوا شركة حكومية حتي يذهبوا للاستثمار بهدف سياسي أو يدخلوا سوقًا سهلة فهذه الدول تحتاج إلي مجهود لإنجاح العمل وصبر ودراسة جيدة للموقف وبيئة العمل، وأشار إلي أنه قام بإنشاء مصنع لتصنيع عدادات الكهرباء منذ عام 2008 بأثيوبيا باستثمارات 6 ملايين دولار ، وأحمد السويدي صاحب شركة الكابلات الكهربائية قام بإنشاء مصنع جديد مؤخرا. ويري أن الاستثمارات يمكن أن تكون أداة لتسوية الخلافات بين الدول بحكم المصالح المشتركة ولابد من الابتعاد عن استخدام القوة أو ما يوحي بذلك لأنها لن تحل خلافات والعالم كله ماشي بالمصالح والمثل القائل: اللي مالوش كبير يشتري له كبير. وقال مصطفي الأحول - رئيس لجنة النقل بجمعية رجال الأعمال - إن الشركة التي تم إنشاؤها للاستثمار بالدول الأفريقية بالمشاركة مع عدد من رجال الأعمال منهم أحمد بهجت وحسين صبور والبنك الأهلي سوف يتم الإعلان عن أسماء مجلس إدارتها خلال أسبوع أو أسبوعين. وفي تقرير لوزارة التجارة والصناعة عرض خلال مؤتمر الأفريقي الصيني نوفمبر العام الماضي ذكر فيه أن من بين معوقات التبادل التجاري بين مصر ودول حوض النيل عدم وجود خطوط ملاحية (بحرية وجوية) منتظمة بين مصر ومعظم دول أفريقيا بالإضافة إلي إلغاء رحلات الطيران التابعة لشركة مصر للطيران إلي العديد من دول الشرق والجنوب الأفريقي مثل أثيوبيا وتنزانيا ، وارتفاع أسعار الشحن إلي أفريقيا وتحكم شركات الشحن الأجنبية في فترة الشحن التي قد تصل إلي 28 يوما وسيطرة الوكلاء التجاريين في بعض الدول الأوروبية ودول جنوب شرق آسيا علي معظم حجم التجارة الأفريقية مما يجعل مصر خارج المنافسة ، وعدم وجود أفرع للبنوك المصرية في معظم الدول الأفريقية، حيث تعتمد الصفقات في القارة الأفريقية علي العلاقات الشخصية بين رجال الأعمال المصدرين والمستوردين. شريف الجبلي - رئيس غرفة الصناعات الكيماوية باتحاد الصناعات - قال إن وجوده في الوفد المرافق لرئيس الوزراء كان المرة الأولي التي يدخل فيها إلي أثيوبيا وكانت زيارة استكشافية بالنسبة له فلم يكن هناك مشروعات محددة ينوي الدخول فيها مشيرا إلي أن التوجه الرسمي نحو أثيوبيا المفترض أن يشجع علي الاستثمار في أثيوبيا وهو كذلك عنصر إيجابي في المفاوضات. محمود عبد العزيز رئيس اتحاد البنوك الأسبق أكد أن أحدًا لا يمكنه أن ينكر أن التوجه نحو دول حوض النيل تأخر كثيرًا مطالبًا بالفصل التام بين خلافات مفاوضات حوض النيل والاستثمارات ، والترفع عن أن ماتش كورة يجعلنا نسحب استثماراتنا مثلما حدث مع الجزائر، وحول الاستثمارات التي توجهت بها البنوك بأثيوبيا وما إذا كان هذا بطلب من الحكومة قال عبدالعزيز: إن الحكومة لا علاقة لها بالبنوك وقد تكون مالكة لأحدها ولكنها لا تتدخل لأن البنوك تدير نفسها بنفسها وصحيح أن هذه الخطوة جاءت بتوجه من الحكومة ولكن البنوك تضع أموالها حيث تريد. وحول ما إذا كانت الحكومة قد طالبته خلال سنوات عمله بالبنوك بالاستثمار في دولة محددة لدعم توجهاتها قال: إنه لم يحدث علي مدي 45 سنة خبرة أن قامت الحكومة بتوجيهه في عمله ، وحينما يسافر رئيس الوزراء ويرغب في اصطحاب رئيس بنك ليست هناك مشكلة لكن البنك في النهاية يتخذ قراره وفقًا للفرص المتاحة الحقيقية ومصالحه ولا يضع أمواله إلا إذا كانت هناك فرصة. وفي حالة افتراض حدوث أزمة في مفاوضات حوض النيل ومدي قدرة الحكومة علي مطالبة بنك بالخروج من الدولة للضغط في المفاوضات أكد عبدالعزيز أن الحكومة لا يمكنها فعل ذلك والبنك لو وجد فرصة حقيقية لن يمتثل لمطالب الحكومة إن حدث ذلك. مجدي صبحي الخبير الاقتصادي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية يري أن الاعتماد علي أن تكثيف الاستثمارات المصرية بأثيوبيا كورقة ضغط للتأثير في مفاوضات حوض النيل أمر غير وارد ولا يعتقد أن يتم الاعتماد عليه لأن هذه الاستثمارات مهما كانت فهي محدودة ، وهو يعتقد أن استخدامها ليس للضغط في المفاوضات وإنما للترغيب بحيث يمنحهم رسالة بأنه لو تم التعاون في مفاوضات حوض النيل سوف يكون هناك مزيد من الاستثمارات وهذه هي خطة الحكومة التي أرادت توضيحها خلال زيارة نظيف. وقال: إن ربط الحكومة الاستثمارات بمفاوضات حوض النيل واضح جدا ومؤكد أنها جاءت في هذا الإطار خاصة في الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء وما تم الاتفاق فيه علي عودة استيراد اللحوم الأثيوبية بعد أن قطعنا استيرادها منذ فترة طويلة لأسباب غير معروفة، ومع الهند كرروا الأمر نفسه بانتقاد اللحوم الهندية بينما الأمر مصالح متضاربة ومتنافسة بين المستوردين، وهنا كان لابد من دور للحكومة لدفع عملية الاستيراد بصرف النظر عن استثمارات أو مفاوضات. وحول مدي تأثير مفاوضات حوض النيل علي الاستثمارات في حالة - لا قدر الله - ما إن حدثت أزمة ومدي احتمال تكرار ما حدث بالجزائر بعد مباراة كرة القدم والاستثمارات التي سحبت منها قال صبحي: إن تأثير تعرض المفاوضات لأي أزمات علي الاستثمارات سوف يتوقف علي ما إذا كانت هذه الاستثمارات حكومية أم قطاع خاص ، وإن كانت قطاعًا خاصًا فإنها قد لا تتأثر بصورة مباشرة إلا لو حدثت أزمة شديدة بين البلدين وأثيوبيا قررت اتخاذ موقف ضد هذه الاستثمارات وفي غير هذه الحالة فإن مستثمر القطاع الخاص سوف يستمر في أعماله بعيدا عن مفاوضات حوض النيل لأنها في النهاية أمواله التي أنفقها ويريد الحفاظ عليها ، ولن يتركها إلا بظروف قهرية. ويري أن الاستثمارات فقط تمنح فرصة أعلي لو أرادت الحكومة اللعب بها كورقة ، وهذه الأسواق أسواق «بكر» وفرص الربحية بها مرتفعة. أما فيما يتعلق بتكرار ما حدث بالجزائر فالأمر يختلف، لأن الجزائر بدأ فيها خروج الاستثمارات المصرية بخطوات من الحكومة الجزائرية ذاتها وبتدخل سياسي واضح من الحكومة الجزائرية وهي التي بدأت بجذب استثمارات مصرية وأجنبية ، والمستثمرون دخلوا علي أسس اقتصادية ورغبة منهم ودراسات بأن فرص الربحية عالية ، ولكن ما حدث من انهيار لهذه الاستثمارات نتيجة انقلاب العلاقات بين البلدين وتدخل الحكومة الجزائرية بشكل مباشر وقيامها بتغيير بعض القوانين التي ساعدتها علي ذلك ووضح هذا بشدة في صفقة بيع شركة جيزي إلي MTN الألمانية والجزائر رفضت إتمام هذه الصفقة وكان تدخلاً سياسيًا واضحًا من الحكومة الجزائرية ، ووضح أيضًا مع وقف استثمارات مصنع أحمد عز بالجزائر وعليه فموقف الجزائر دخلت الشركات فيه علي أساس علاقات جيدة بين البلدين ثم ساءت فحدث ما حدث ولكن في أثيوبيا ندخل في علاقات نحاول تحسينها. ابراهيم محلب رئيس شركة المقاولون العرب يري أن تكثيف الاستثمارات المصرية بأثيوبيا لا يمثل ورقة ضغط في المفاوضات لأن حجم الاستثمارات المصرية بها غير مؤثر والضغط يتطلب أن يكون حجمها مؤثرًا ، إضافة إلي ذلك فمصر ليست الدولة الوحيدة صاحبة الاستثمارات في أثيوبيا ولكن هناك دولاً أخري أقامت استثمارات كبيرة جدا مثل الصين وإيران وإسرائيل ودول أوروبية وأمريكا ، ووجود استثمارات مصرية يعني إشارة للعلاقات الطيبة فقط لا يمكن القول ورقة ضغط. وحول رأيه في ربط الحكومة للمفاوضات بالاستثمارات قال محلب: إنه يري أن مباحثات الاستثمار فنية أكثر من أن تكون ذات قيمة سياسية ، ولا يمكن القول أنه طالما المقاولون العرب موجودة وتستثمر لديها سوف تقوم بتغيير موقفها من الاتفاقيات ، فكل دولة تعمل لمصالحها. وبسؤاله حول السبب الذي جعله يتجه للاستثمار بأثيوبيا في هذا التوقيت وعدم دخولها من قبل قال محلب: إن زيارة رئيس الوزراء التي صاحبه خلالها بأثيوبيا عجلت من خطة دخوله لها فقط ومع أزمة النيل قرر المشاركة بدافع الحس القومي ولأنها فرصة في الوقت نفسه مع التيسيرات الممنوحة ، وضمان التمويل بالصندوق الذي أنشأته بنوك الأهلي ومصر والقاهرة. محمد المصري رئيس اتحاد الغرف التجارية ورئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة والمهن الأفريقية الذي قررت أثيوبيا نقل مقره من مصر إليها يقول: إن الربط بين الاستثمارات ومفاوضات حوض النيل يضر بالقضية، وأكد ضرورة إبعاد الاستثمارات عن السياسة، وقال إن أزمة نقل مقر اتحاد الغرف الأفريقي من مصر إلي أديس أبابا لاتزال مستمرة، ودعا إلي ضرورة توقيع اتفاقيات لحماية الاستثمارات وضمان عدم مصادرتها في حالة حدوث أي أزمة، وضمان تحويل الأرباح ، مؤكدًا أن أحداً لا يمكنه إجبار رجل أعمال علي دفع أموال، ولا يمكن للحكومة أن تذهب إلي رجل أعمال مثل السويدي وتطالبه بإقامة مشروع استثماري بدولة ما ويقبله إلا لو كان هذا المشروع سوف يأتي له بأرباح وعائد حقيقي. ويري الدكتور أحمد جويلي رئيس الوحدة الاقتصادية العربية قال إن الاستثمارات قد تكون جزءًا من وسائل الضغط ولكن ليست وحدها.