مرة أخرى.. هل هى مصادفة أن تندلع الحرب فى غزة، بينما تسوء الأحوال فى ليبيا، وتعم الفوضى على يد جماعات الإرهاب المتقاتلة؟ فى الوقت نفسه الذى كانت المواجهة فيه تندلع بين إسرائيل و«حماس» على حساب الدم الفلسطينى المستباح، كانت الأنباء تأتى بأن الآلاف من المقاتلين فى صفوف الجماعات الإرهابية فى سوريا قد عادوا إلى ليبيا ليسهموا فى إشعال الوضع هناك، حيث لا دولة، ولا جيش، وإنما عصابات تتقاتل على جثة الوطن!! أمس، كانت إسرائيل تطور حرب الإبادة التى تشنها على الشعب الفلسطينى، وتبدأ الاجتياح البرى، بعد رفض «حماس» اتفاق التهدئة، فى اليوم نفسه كان وزير خارجية ليبيا يصرخ فى الأممالمتحدة طالبا العون الدولى، ومخاطبا القوى الكبرى باللغة التى يفهمونها، حيث أكد أن عصابات الإرهاب فى طريقها إلى الاستيلاء على حقول النفط الذى هو أغلى عند الدول الكبرى من أرواح عشرات أو مئات الآلاف الذين سقطوا فى معارك ليبيا حتى الآن!! فى الوقت نفسه كانت تونس تشهد تطورا نوعيا فى حرب الإرهاب، حيث قامت إحدى الجماعات الإرهابية بقتل وحرق 14 من الجنود التونسيين فى موقع بالقرب من الحدود مع الجزائر، التى حشدت عشرات الآلاف من جنودها لحماية هذه الحدود من سفالة إرهاب جربته لسنوات عديدة، ودفعت ثمنه غاليا، وتعرف أنه الآن يتربص بها فى ظروف صعبة تمر بها المنطقة كلها. صعب جدا أن نعزل العدوان الإسرائيلى الجديد على شعبنا الفلسطينى عما يجرى فى المنطقة. لا فرق بين إرهاب إسرائيل وإرهاب «داعش»، ولا فهم لما يفعله العابثون بالدين بعيدا عن المخططات الكبرى لإغراق المنطقة العربية فى الفوضى والحروب الأهلية والطائفية. وصعب جدا أن نقرأ ما يجرى فى المنطقة إذا تجاهلنا حقيقة استهداف مصر بالإرهاب الداخلى والخارجى وبالضغوط التى لا تتوقف، وبالمخططات التى تريد تعويض الهزيمة التى لحقت فى 30 يونيو بمن خططوا لحكم الفاشية الدينية وراهنوا عليه وخسروا الرهان!! هل لاحظت أن الذين صدعوا رؤوسنا بالحديث عن تحرير القدس لم يفعلوا شيئا لأهلنا فى غزة، وهم يواجهون حرب الإبادة، بدلا من ذلك وجهوا رصاصهم ضد أطفالنا فى العريش، وضد الجنود فى تونس، وضد الأهالى الغلابة فى العراقوسوريا. وهل لاحظت -مع بداية العدوان الإسرائيلى- الحديث عن افتقاد أمريكا إلى الإخوان الذين استطاعوا فى عام حكمهم الأسود أن يفرضوا على «حماس» اتفاق التهدئة الذى تم الالتزام به بكل دقة، فلم تطلق رصاصة واحدة على إسرائيل، بينما كانت الأنفاق تنقل الإرهاب إلى سيناء، ليقتل الجنود والمدنيين وهو يهتف أنه فى طريقه إلى القدس بالملايين!! وهل لاحظت -مع رسائل الموت وشلالات الدم الفلسطينى- أن أطراف الصراع (ومعها أمريكا) تتوافق على النهاية التى تحفظ مصالحها جميعا.. أمريكا تريد غزة تحت حكم «حماس»، ولكن تحت سيطرة إسرائيل لأسباب تتعلق بخططها لتصفية القضية الفلسطينية، كما تتعلق أيضا بالأوضاع فى مصر!!! وإسرائيل تريد «حماس» أقل قوة وأضعف تسليحا لتكرس وضع الانفصال بين غزة والضفة وتقطع الطريق على دولة فلسطين التى ترفضها جملة وتفصيلا. وتبقى المأساة التى تفرضها أولوية إيقاف شلال الدم الفسطينى.. أتابع ما جرى فى المباحثات فأجدها بالطبع تركز على رفع الحصار والمعاناة عن شعبنا المنكوب فى غزة، ثم.. لا شىء عن الدولة الفلسطينية أو عن الاحتلال الإسرائيلى النازى الذى هو أس البلاء وأصل المشكلة!! يتراجع الحديث عن فلسطين، ويبدو الأمر كأننا نتحدث عن إمارة غزة.. فهل هذا هو الهدف؟