كان واضحًا منذ شهور أن الوضع الفلسطينى على وشك الانفجار، بعد غياب طويل للإدارة الأمريكية أرسلت وزير خارجيتها كيرى للبحث عن فرصة أخيرة، وبعد مهلة استمرت تسعة أشهر انتهى الأمر إلى لا شىء، كان واضحًا أن نتنياهو وحكومته مصرون على سد الطريق نحو الدولة الفلسطينية، وعلى إطلاق غول الاستيطان حتى النهاية. كانت التوقعات تشير إلى انتفاضة فلسطينية ثالثة، وكان هناك حرص على أن تكون سلمية.. وكان هناك نجاح فلسطينى فى تشكيل حكومة وحدة وطنية رفضتها إسرائيل منذ اللحظة الأولى، وأعلنت أنها ستقاومها وتحاصرها، وستعاقب الشعب الفلسطينى إذا استمر فى هذا الطريق. تسارعت الأحداث بعد ذلك، استبقت إسرائيل انتفاضة سلمية للشعب الفلسطينى بهذه الحرب، التى بدأتها باجتياح مدن الضفة الخاضعة للسلطة الفلسطينية وممارسة أعمال القتل والتدمير والاعتقالات، بعد حادثة غامضة تم فيها اختطاف ثلاثة جنود إسرائيليين وقتلهم، بعدها كانت الجريمة المروعة باختطاف صبى فلسطينى وحرقه حيًّا على يد قطعان المستوطنين، لينتقل العدوان بعد ذلك إلى غزة وبصورة وصفها الرئيس الفلسطينى بأنها تشكل إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، حيث تتجه قنابل الإسرائيليين إلى منازل المدنيين، ويسقط الضحايا من الأطفال والنساء والأبرياء، بينما ترد المقاومة بإطلاق الصواريخ التى وصلت إلى قلب تل أبيب فى رسالة واضحة بأن ثمن العدوان سيكون فادحًا، رغم التفوق العسكرى الإسرائيلى. العدوان الإسرائيلى لا يستهدف «حماس» بل يستغل أخطاءها، ليضرب القضية الفلسطينية فى مقتل، ولكى يفرض الحل الإسرائيلى الذى يرفض الدولة الفلسطينية ويصر على الاستيطان، ويريد حتى التخلص من عرب 48 القابضين على النار والمتمسكين بأرضهم رغم كل ما يعانونه من نظام عنصرى هو الأسوأ فى التاريخ. تستغل إسرائيل الحالة الكارثية التى يمر بها الوطن العربى لكى تتمادى فى عدوانها الهجمى، وتتصور إسرائيل أن موقف مصر سوف يحدده فقط ما فعلته حماس حين تصرفت كفرع للإخوان المسلمين فألحقت الضرر بمصر وبفلسطين وبالعلاقات التاريخية بين الشعبين الشقيقين، لكن مصر أكبر من ذلك، وهى تعرف أن القضية هنا ليست حماس بل فلسطين، وأن العدوان الهمجى الإسرائيلى لا يستهدف بعض قادة حماس كما يدعى، بل يستهدف إشعال المنطقة، وقطع الطريق على جهود الشعب الفلسطينى لاستعادة وحدته وانتزاع حقه فى دولته المستقلة، كما يستهدف تشجيع قوى التطرف التى تعيث فى المنطقة فسادًا وإرهابًا على مواصلة إرهابها الذى لا يخدم إلا أعداء الأمة، وفى مقدمتهم إسرائيل. فى الوقت الذى كانت فيه إسرائيل تتمادى فى عدوانها الهمجى على الفلسطينيين، كانت «داعش» تعدم من لم يبايع خليفتها الإرهابى، وكان إخوان الإرهاب فى سيناء يواجهون الموقف بزرع المتفجرات فى طريق حافلة جنود.. مصريين!! وكانت قوات الإرهاب تطرق أبواب بغداد وصنعاء، وكان طبيعيًّا أن تمد إسرائيل يد العون لمن يشاركونها الإرهاب، فتضرب فى غزة وتلقى كرة النار على حدود مصر بهذا العدوان الهمجى الذى يزيد الموقف تعقيدًا فى كل المنطقة. الأولوية الآن هى وقف هذا العدوان الإسرائيلى الهمجى، والتضامن مع شعبنا العربى الفلسطينى فى مواجهة المحنة التى يمر بها، انحيازنا هنا هو للشعب الفلسطينى وليس لهذا الفصيل أو ذاك، حاولت مصر جاهدة أن تمنع تداعى الأحداث لكن الأطراف لم تساعدها، وستظل جهود مصر تتواصل لوقف العدوان الإسرائيلى الهمجى ولدعم الموقف الفلسطينى، ولعل الرسالة الأخيرة التى وجهها الرئيس محمود عباس بأن ما تفعله إسرائيل معناه نهاية حل الدولتين.. لعل هذه الرسالة تصل إلى الجميع، خصوصًا أمريكا لتدرك أنها تلعب بالنار حين تواصل دعمها لعدوان إسرائيل وحين تترك المنطقة بين أيدى التطرف والإرهاب على كل الجبهات من «القاعدة» و«داعش»، إلى نتنياهو وقطعان المستوطنين.. الإرهاب واحد، والحرب عليه فريضة، لأن البديل هو الكارثة.