يريد الدكتور عبد المنعم سعيد أن يعيد للأهرام - كمؤسسة وصحيفة - مجدها التليد، فمنذ أن تولي رئاسة مجلس إدارة المؤسسة الصحفية الأعرق في الشرق الأوسط وهو يبحث عن وسائل تحقيق هذا الهدف، لكن المهمة شاقة وعسيرة. طُرحت أفكار عديدة لتطوير الصحيفة.. بعضها وجد طريقه إلي النور ومثل إضافة جيدة للجريدة، وبعضها الآخر لم يحقق المرجو منه، لكن عملية التقييم مستمرة وجهود التحديث متواصلة. بيد أن المهمة الأكثر صعوبة التي تواجه «الأهرام» ليس فقط مسألة المواءمة بين الخط السياسي للدولة وبين ما يريده جمهور القراء بما يضمن استمرارية محسوبة ومحترمة في سوق الصحافة المصرية، وإنما قضية الصراع علي سوق الإعلام في المستقبل. مؤشرات السوق تقول إن الصحافة المكتوبة سوف تتراجع أكثر لصالح الصحافة الإلكترونية علي مواقع الإنترنت وخدمات الأخبار الفورية «أون لاين» والرسائل الإخبارية القصيرة عبر هواتف المحمول التي ستتحول قريبا في مصر إلي الجيل الرابع بكل ما يحمله من قدرات تكنولوجية ستمكن مقتنيه من مشاهدة قنوات التليفزيون بصورة نقية واضحة، ومن ثم متابعة تطور الأحداث عبر نشرات الأخبار ومشاهدة التحليلات، وبالتالي تكوين انطباعات وآراء ومواقف قبل أن ينتظر العودة للمنزل أو مطالعة الصحف في اليوم التالي. «الأهرام» انتبه لمدي تسارع التكنولوجيا وإن كانت حركته ثقيلة ومشواره طويلاً، فهو الآن يستعد لتطوير بوابته الإلكترونية بشكل أوسع ويضخ أموالاً عديدة لملاحقة الصحف المستقلة التي سبقته إلي هذا المجال وتطور آلياتها باستمرار سعيا للشريحة الأوسع من الشباب الذين انتشرت بأيديهم أجهزة الهواتف الذكية كما تنتشر النار في الهشيم. غير أن التحدي الأهم لمؤسسة الأهرام يتمثل في إطلاق محطة تليفزيونية فضائية يمكن استقبالها في المنازل وعلي شاشات الجيل الرابع من الهواتف الذكية في الوقت ذاته، فمثل هذا المشروع - الذي بدأ الأهرام بالفعل دراسته واتخاذ خطوات مبدئية نحو تنفيذه - هو المستقبل ذاته لأسباب عديدة: فالمحطات التليفزيونية تتطلب استثمارات ضخمة خصوصا إذا انخرطت في تقديم نشرات الأخبار بكثافة وهو ما أظن أن «الأهرام» بتاريخها وعراقتها لن تتنازل عنه، وأحسب أن المؤسسة تستطيع أن تتصدي لهذا المشروع دون أن تهتز بالنظر لإمكانية دعم الدولة لها إذا استدعي الأمر ذلك. بوسع «الأهرام» أن يحقق الاستفادة المثلي من طاقاته البشرية المنتشرة في جميع الفضائيات من محللين ومفكرين وكتاب في محطته الجديدة، ناهيك عن معدي البرامج ومقدميها والمراسلين وغيرهم الذين اكتسبوا خبرات واسعة حان وقت توظيفها في مؤسستهم الأم. أكثر من ذلك، أن الدولة التي لم تنجح حتي الآن علي الأقل في تدشين محطة فضائية إخبارية مؤثرة وفعالة في محيطنا العربي والإقليمي، هي في أمس الحاجة لدعم مشروع فضائية «الأهرام» التي يمكن أن تشغل مكانة محترمة وسط الفضائيات الإخبارية العديدة بشرط التزامها بالمهنية والموضوعية الواجبة لمنافسة حقيقية، مع توافر حد مقبول لخدمة الأمن القومي المصري دون فجاجة. غير أن نجاح أي محطة فضائية بل أي مؤسسة ينبع من كفاءة إدارتها علي أسس سليمة؛ ذلك أن انزلاق القائمين عليها نحو المحاباة والمجاملات سيصنع بالمحطة الوليدة نفس الآفات المنتشرة هنا وهناك بالمجتمع المصري بشكل عام، كما أن تدخل الدولة لفرض مواقفها علي الشاشة سيجعل تليفزيون «الأهرام» نسخة أخري من الفضائية المصرية فيعزف عنها الناس؛ لأنهم يعرفون سلفا مضامينها ورسالتها. تحتاج فضائية «الأهرام» إلي محاكاة الآخرين والاستفادة من مكامن قوتهم ونقاط ضعفهم. تحتاج إلي رسم استراتيجية واضحة تقوم علي دقة وسرعة نقل الأخبار وتذليل التكنولوجيا الحديثة لخدمة المحطة أكثر من منافسيها. ليس مهما أن تعتمد القناة علي أبنائها فمعيار الكفاءة لا يتعلق بانتماء العاملين للمؤسسة أم لا، كما أن تنويع الوجوه خصوصا علي الشاشة مطلوب بدرجة فائقة إذا أراد «الأهرام» التأثير في جمهور العالم العربي ككل وليس فقط الجمهور المصري. «تليفزيون الأهرام» يمكن أن يخلق حالة جديدة للإعلام المصري إذا أحُسن تنفيذه، وأكاد أزعم أنه سيكون وسيلة حيوية لرفع مستوي الإعلام الحكومي التليفزيوني والصحفي أيضا، لكن مخاطر الفشل تلوح أيضا في الأفق وتنذر بعواقب لا حد لها إذا ما أديرت القناة الوليدة بنفس أسلوب إدارة المؤسسات التقليدية.