أثار كاريكاتير، ثقيل الظِّل، منشور بجريدة "أخبار الحوادث" حفيظة عدد كبير جدًا من المواطنيين المصريين وخصوصًا أصحاب البشرة الداكنة وعلى رأسهم النوبيين، وبفضل مواقع التواصل الاجتماعي تردد صدى هذا الكاريكاتير في أنحاء المعمورة، وليس داخل القطر المصري فقط. هذا الكاريكاتير ليس أكثر من تكرار سخيف لإيفيه مبتذل للممثل المعروف، محمد هنيدي، ولأن هذه الكوميدية السطحية والتافهة صارت هي من يحتل صدارة المشهد الفني فأقترح أحد المسئولين بالجريدة على فاطمة هذه الفكرة العنصرية، بوصفها إيفيه مضمون ضحك عليه هو شخصيًا من قبل.
لكن ما لم يكن في الحسبان أن هذه الإيفيه السخيف جاء بمثابة القشة التي قسمة ظهر البعير، فلم يعد الأمر مجرد رسمة نفذتها رسامة مبتدئة تعمل تحت التدريب، وإنما صارت لحظة مواجهة بين من ياعنون من العنصرية ومع من أعتادوها حتى صارت عيونهم لا تراها، صارت لحظة لابد من الوقوف عندها ومراجعة أفكارنا العمل على تشريع قوانيين صارمة للضرب بيد من حديد على هذه الأفكار وكل من يعمل على بثها في مجتمعاتنا عن قصد أو عن جهالة.
ما حدث جعل العديد من الشباب يبحث في أرشيف هذه الشابة المتدربة وفي أرشيف مؤسسة الأخبار بالكامل، وكانت الحصيلة الأولية عدة رسومات عنصرية تزخر بها مؤسسة الأخبار، يأتي على رأسها رسمة المتلون الأعظم وكاهن المحاباة المكشوفة لأي سلطة المدعو مصطفى حسين، وذلك حين رسم أسرة نوبية تحتفظ في بيتها بترسنة من الأسلحة النارية، وقت أحداث السيل الشرقي، والتي لم تحسم حتى الآن.
وجدنا أيضًا لذات الرسامة (فاطمة حسن) كاريكاتير آخر عنصري ضد المرأة وضد البدينات، وكانت بمناسبة عيد الحب، عدة كاريكاتيرات يجمعها العنصرية الشديدة وثقل الظِّل المطبق، وحين يخرج هذا من كبيرهم ويتم تدريب المبتدئين على نفس السلوك فهذا يعني أننا نقف أمام مؤسسة عنصرية من الدرجة الأولى، وهنا يجب ألا نذبح المسكينة فاطمة وإنما نراجع مرجعية هذه المؤسسة العنصرية، فهي لا تكتفي بالمصطفى حسين بل تعمل على تخريج أجيال جديدة من العنصريين،
يمكنني أن أتوقف عند أن مؤسسة الأخبار مؤسسة عنصرية وأقاضيها أمام المحاكم وأحصل على تعويض عالي وأعتذار قوي، وهو ما سيحدث في الغالب، ولكن الأهم من التقاضي هو مراجعة الأفكار، هل مصطفى حسين عنصري؟ هل رئيس فاطمة عنصري؟ هل فاطمة أحست للحظة أن هذه الأفكار التي تملى عليها أفكار عنصرية؟
أم أنهم مجموعة من المعطوبين نفسيًا يمارسون العنصرية بشكل غير واعي.
نحن إذًا أمام سؤال أهم من مؤسسة الأخبار ومن كبير رساميها، هل نحن مجتمع عنصري بس مش واخد باله؟؟
إذا كانت الإجابة بلا.. فبما نفسر تعبيرات معتادة في حياتنا اليومية مثل: (سِت بس جدعة، صعيدي بس بيفهم، مسيحي بس كويس، سودة بس حلوة، فلاح بس ذوق، مش محجبة بس محترمة، فقير بس أبن ناس).
وإذا كانت الإجابة بنعم.. فهل العنصرية هي جزء من ثقافتنا كمصريين أم إنها دخيلة علينا، وما هي جذور هذه الثقافة البغيضة في تربتنا السمراء بالأساس أو من أين أتت لنا بذورها الشيطانية، فلنبحث عن هذه الإجابات بعقلانية وتروي، دون جعجعة المؤامرات الوهمية ولا تطنيش أي ركن يبدو عصيًا على المناقشة، فهذه الآفة تهدد مجتمعنا بالكامل والنيران لن تختفي مرة آخرى تحت أي رماد أو تراب.
وأنا عن نفسي سأبدأ البحث والتفكير بصوت عالي، ومكتوب، ولنعتبرها دعوة مفتوحة للنقاش، وأدعو غيري بالكتابة حول هذا الموضوع الخطير، كما أدعو المراكز الثقافية المختلفة والمستقلة قبل الحكومية لتنظيم حلقات نقاش لهذه الأزمة الكبيرة، والتي ستكون أزمة "السيل الشرقي" أحد بؤرها التي قد تنفجر بين لحظة وآخرى، تابعونا.