ذات ليلة استيقظت علي صوت قوي.. كان ولد جميل الصوت قد صعد إلي مأذنة الجامع القريب.. «غارة.. أطفئوا الأنوار».. جريت إلي النافذة ونظرت لأعلي.. كانت أطياف مضيئة تشق السماء وتغلق واجهات العمارات والكباري ورؤوس الأشجار.. كانت تملك وجوهاً جميلة تبتسم وترش الماء من دلاء فضية كبيرة تحملها.. الأشجار تميل ولوحات الإعلانات تنفجر من تلقاء نفسها ويتساقط نثارها الزجاجي كالمطر والجدران تشف ليبين أطفال نائمون وأجهزة تلفاز مفتوحة لا يشاهدها أحد وأسرة غير مرتبة تساقطت أغطيتها.. والناس قد اختفوا؟.. «أطفئوا كل المصابيح.. فالملائكة لا تحب الإضاءة الزائفة.. أخرجوا ملابسكم إلي الشرفات وأطفالكم إلي الطرقات وأجمعوا كراهيتكم في أكياس سوداء كبيرة أمام واجهات المنازل.. وتواروا تحت أسرتكم.. فأرواحكم التي تحولت إلي ألواح جافة من الخشب تجعلكم قابلين للاحتراق..». نظرت إليه.. كان يبدو عالياً جداً في وقفته.. لا أذكر أن مأذنة مسجدنا الصغير كانت بهذا الارتفاع.