هل حلّت محافظة الشرقية بديلا عن مدن الصعيد التى احتضنت الإرهاب فى فترة التسعينيات؟ المدينة التى أنجبت الشيخ عبد الحليم شلتوت والدكتور العالم مجدى يعقوب، باتت اليوم مفرخا لجماعات الإرهاب التى فرت إليها بعد ملاحقتها فى سيناء لتتحصن بها وتتخذها بؤرة لها لتعاود نشاطها الإجرامى. على الرغم من أن مدينة العريش كانت بمثابة المحطة الأولى فى قطار الإرهاب الأعمى، فإنها لم تكن الأخيرة، فمع قوة الضربات الأمنية المكثفة التى تلقتها هذه العناصر على يد قوات الجيش والشرطة فى سيناء، واستهدافهم العناصر والأوكار الخاصة بالإرهابيين وتكبيدهم خسائر فادحة فى المعدات والأفراد، كان لزاما على التنظيم أن يتخذ تكتيكا جديدا بعيدا عن الضغوط الأمنية، فأصبح يتمدد ويكتسب أرضا جديدة يمارس فيها عملياته، فانتقل إلى جنوبسيناء ووجّه عددا من الضربات الإرهابية، أبرزها استهداف مبنى المخابرات الحربية بسيارة مفخخة، إلا أن طبيعة جنوبسيناء ذات التشديد الأمنى، ما لبثت أن أصبحت عائقا لامتداد النشاط الإرهابى، ومن ثم بات التفكير جديا فى نقل المعركة إلى مكان جديد.
كانت مدينة الشرقية هى الحاضنة الجديدة لنشاط الإرهابيين، وبدأت نوعية العمليات تتخذ منحى جديدا، فلم يعد الأمر قاصرا على استهداف أهداف أو منشآت ثابتة عن طريق سيارة مفخخة، أو عمل انتحارى يفجر فيه شاب نفسه، إذ عادت من جديد موجة التسعينيات التى تمثلت فى عمليات الاغتيال الفردية، التى استهدفت عناصر بعينها سواء من الجيش أو الشرطة، لا سيما ممن ينتمون إلى أجهزة سيادية.
لم تكن عملية اغتيال المقدم محمد عيد سوى خطوة فى استراتيجية تنظيمية جديدة تعتمد على اغتيال العناصر بشكل مباشر، حيث إن تكثيف الحراسة على المنشآت الحكومية بشكل صارم، أدى إلى صعوبة معاودة استهدافها، ومن ثم التفكير فى الانتقال إلى هدف أسهل قليلا فى قنصه.
فى سياق تحليله، يرى الدكتور أنور عكاشة القيادى السابق فى تنظيم الجهاد أن محافظة الشرقية هى بمثابة خط الدفاع عن سيناء ومدن القناة، وذلك بسبب اشتراك حدودها مع هذه المحافظات، مشيرا إلى أن هناك معركة كر وفر لهذه الجماعات فى سيناء، وهؤلاء التكفيريون لا يجدون أمامهم إلا الشرقية للهروب فيها، بعد أن نجحت القوات المسلحة فى ضرب أوكارهم فى سيناء. وأضاف عكاشة أن وجود بعض القبائل العربية فى سيناء على أطراف الشرقية، والطبيعة الصحراوية لهذه المحافظة، سمحت لهذه الجماعات بالتمركز فى الفترة الأخيرة بالمحافظة، مؤكدا أن الإخوان والجماعات الموالية لها تعيش فى حالة نفسية مليئة بالرعب من الأجهزة الأمنية، ولديهم اعتقاد بأنهم يقتلون ويعذبون فى السجون، وهذا التصور أصابهم بالشلل فى التفكير، ودفعهم إلى الانتقام باغتيال أفراد الأمن، مما يفسر التحول النوعى فى عملياتهم الإرهابية.
الدكتور عكاشة قال إن أجهزة مخابرات أجنبية تقف خلف عمليات الاغتيال التى تحدث بشكل يومى فى مصر، خصوصا محافظة الشرقية، وذلك بهدف إثارة الفوضى فى البلاد، لافتا إلى أن لجوء الجماعة للعنف بمثابة مسمار فى نعش التفاوض ومن شأنه أن يقطع الطريق أمام محاولات التصالح، مؤكدا أن استمرار هذه الجماعات بالشرقية أمر مؤقت، لأن المحافظة ليست تربة خصبة لهذه الجماعات التكفيرية، كما أن أهلها لن يسمحوا بوجود عنف على أرض محافظتهم الهادئة. من جانبه قال على بكر، الباحث فى شؤون الإسلام السياسى بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن محافظة الشرقية تربة خصبة وبيئة حاضنة لهذه الجماعات منذ القدم وحتى الآن،
توجد فيها بقايا تنظيم الجهاد، بالإضافة إلى أن جماعة الإخوان توفر الغطاء والدعم اللوجيستى لهؤلاء التكفيريين، كما توفر لهم السلاح والدعم المادى، وأضاف بكر أن هناك حالة من الهروب الجماعى لهذه الجماعات من سيناء إلى الشرقية بعد أن نجح الجيش فى تضييق الخناق عليهم فى شبه جزيرة سيناء، لافتا إلى أن تشديد الحراسة على المؤسسات الشرطية دفع هذه الجماعات إلى التراجع عن استهدافها والقيام بعمليات فردية كاغتيال أفراد الأمن من وقت لآخر.