بوتين يحذر الغرب وكاميرون يطالب يانوكوفيتش بسحب قواته على خلفية وسط مدينة كييف الذي تحول خلال اشتباكات الثلاثاء الماضي إلى ما يشبه أطلال الحرب العالمية الثانية، أعلن جهاز الأمن الأوكراني ومركز مكافحة الإرهاب عن بدء عملية أمنية ل "مكافحة الإرهاب" على أراضي البلاد. وأصدر رئيس جهاز الأمن الأوكراني ألكسندر ياكيمينكو بيانا أكد فيه أنه أبلغ الرئيس فيكتور يانوكوفيتش بقرار إجراء عملية "مكافحة الإرهاب"، نظرا لأن الأحداث الأخيرة في أوكرانيا أظهرت تصاعد المواجهات وزيادة استعمال الأسلحة من قبل جماعات قومية متطرفة. وشدد على أن المتشددين قاموا بإضرام النار في مساكن خاصة ومحاكم والاستيلاء على مبان حكومية ومراكز أمن ووحدات عسكرية ومخازن أسلحة. وتمكنت مجموعات منهم من الاستيلاء على 1,5 ألف قطعة من الأسلحة النارية و 100 ألف قطعة من الذخيرة.
وفي إجراء مواز أصدر الرئيس فيكتور يانوكوفيتش أمرا بتعيين الأميرال يوري إيليين رئيسا جديدا لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، بدلا من فلاديمير زامان الذي عين نائبا لأمين مجلس الأمن القومي الأوكراني. بينما أكدت وزارة الدفاع الأوكرانية أنهها بصدد اتخاذ إجراءات إضافية لتعزيز حراسة مخازن الأسلحة والأهداف العسكرية، لكنها نفت أن يكون نشر القوات الإضافية في كييف مرتبطا بأية خطط لتفريق المحتجين المناهضين للحكومة. وشددت الوزارة على أن هذه الإجراءات تأتي على خلفية تصعيد الأوضاع في البلاد من أجل الحيلولة دون سرقة أسلحة أو ذخائر أو مواد عسكرية أخرى من مخازن الأسلحة والقواعد العسكرية. وكان وزير الدفاع بالوكالة بافيل ليبيديف كان قد أكد نشر كتيبة سلاح المظلات ال25 المرابطة في دنيبروبيتروفسك شرق البلاد في كييف، بينما تم إرسال تعزيزات إلى العاصمة كييف في سياق تشديد حراسة الأهداف العسكرية. وأكدت مصادر بوزارة الدفاع الأوكرانية أنه سيتم نشر الفوج 79 المحمول جوا في كييف قريبا، ووضعه تحت قيادة القوات الداخلية التابعة لوزارة الداخلية.
وفي تحذير واضح ومباشر أدان الرئيس الأمريكي باراك أوباما ما وصفة بأعمال العنف في أوكرانيا، محذرا من عواقب وخيمة في حال استمراره. كما حذر أيضا من تدخل الجيش في الأزمة التي يجب حلها من قبل المدنيين، على حد وصفه. وفي إجراء يعد الأول من نوعه، وصف البيت الأبيض أعمال العنف في العاصمة الأوكرانية كييف بالمشينة، مجددا دعوته للرئيس يانوكوفيتش إلى تهدئة الوضع. وأكد مستشار الأمن القومي الأمريكي بن رودس أن أعمال العنف في العاصمة الأوكرانية لا مكان لها في القرن 21، مشددا على أن البيت البيض "يجدد رفضه لأعمال العنف التي تشهدها كييف من جميع الأطراف، ويدعو في نفس الوقت الحكومة الأوكرانية إلى سحب قوات الأمن وإعلان هدنة بين الطرفين لبدء نقاش جاد يمكن أن يساعد على حل الأزمة". وأضاف أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تدرس فرض عقوبات على كل من ثبت تورطه في أعمال العنف.
هذا وتبنت كل من بريطانياوفرنساوألمانيا نفس الموقف الأمريكي تقريب، إذ أكد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أنه على الرئيس الأوكراني أن يسحب قواته من جميع ميادين الاحتجاجات بالعاصمة كييف لتهدئة الوضع، معربا عن قلقه من مظاهر العنف اليومي الذي تمارسه جميع الأطراف وهو الأمر غير مقبول في أوكرانيا. كما أكدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند أن ألمانياوفرنسا تدينان أعمال العنف في أوكرانيا. وقالت إنه من المنتظر أن يتم فرض عقوبات خاصة لن تستهدف المدنيين بل المسؤولين عن العنف، حسب تعبيرها. وأشارت إلى أن فرنساوألمانيا تؤمنان بالحوار السياسي وأن أن البلدين على اتصال دائم بروسيا من أجل ايجاد مخرج من هذه الأزمة. أما الرئيس الفرنسي فقال إن انهاء العنف يقتضي عقوبات موجهة وخاصة للمسؤولين عن العنف، بالإضافة إلى فتح حوار سياسي مع كل الأطراف المعنية في أوكرانيا.
غير أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعا الغرب إلى إدانة المتشددين من مناهضي الحكومة في أوكرانيا وإلى التخلي عن اتهام السلطات الأوكرانية. وذكر الكرملين في بيان رسمي أن بوتين أكد في اتصال هاتفي مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أهمية تخلي الدول الغربية عن سياسة الاتهامات الموجهة للقيادة الأوكرانية وأهمية إدانة القوى المعارضة المسؤولة عن تدبير أعمال إرهابية ومتطرفة. وأكد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف رفض موسكو لمحاولات التدخل الخارجي في الأزمة الأوكرانية محمّلا المتطرفين وزعماء المعارضة والساسة الغربيين مسؤولية الفوضى.
وأسفرت مواجهات الثلاثاء الماضي في وسط العاصمة كييف عن 26 قتيلا، بينهم 10 من عناصر الأمن وصحفي. ووصل عدد الجرحى إلى 600 شخص، بينهم 400 من عناصر الأمن و25 صحفيا. إضافة إلى إصابة 74 من قوات الشرطة بطلقات نارية. ولكن المستشفى الميداني التابع للمحتجين في ميدان الاستقلال أكد أن 20 قتيلا على الأقل سقطوا في صفوف المحتجين، بينما أصيب الآلاف.
وإذا كان وسط العاصمة كييف قد تحول إلى ما يشبه الأطلال، فقد بدأ أنصار المعارضة الذين تعتبر المناطق الغربية للبلاد قاعدتهم الأساسية، الاستيلاء على مبان إدارية محلية وتحطيم بعض المقرات الأمنية. ففي مدينة لفوف هاجم المحتجون ثكنة عكسرية، وأضرموا النار فيها، الأمر الذي أدى الى احتراق جزء من المبنى وإصابة نحو 30 عسكريا. وبدأت اضطرابات أيضا في مدينتي إيفانو-فرانكوفسك وتيرنوبول، حيث استولى المحتجون على عدد من المباني الحكومية أيضا.
وجاءت اشتباكات الثلاثاء بعد فترة طويلة نسبيا من الهدوء، إذا كانت السلطات والمعارضة قد توصلتا الى اتفاق، انسحب بموجبه المحتجون من المباني التي استولوا عليها منذ يناير الماضي، مقابل الإفراج عن المعتقلين ممن شاركوا في المواجهات. لكن الآلاف من أنصار المعارضة توجهوا صباح الثلاثاء الماضي إلى مقر البرلمان (مجلس الرادا)، حيث كانت المعارضة تطالب حزب "الأقاليم" الحاكم ببحث تعديل الدستور خلال جلسة البرلمان. واندلعت اشتباكات عنيفة قرب مقر البرلمان، بينما اعتدى محتجون على مكتب حزب "الأقاليم" وأضرموا به النار. واستمرت الاشتباكات طوال الليل، بينما وجهت السلطات وحدات من القوات الخاصة الى وسط العاصمة لإخلاء الحي الحكومي من المحتجين، إلا أنهم تجمعوا في ميدان الاستقلال لمواصلة الاحتجاج، بينما قامت قوات الأمن بإغلاق مخارج ومداخل الميدان على بعد حوالي 100 متر من الساحة الأساسية.
وفي ضوء التشابكات الدولية حول أوكرانيا وظهور تصريحات حادة من كافة الأطراف الخارجية على لسان رؤساء وقادة الدول وليس فقط على مستوى الوزراء، والتحذيرات الغربية من تدخل الجيش، والرد الروسي العنيف على ما وصفه بالتدخل السافر في الشأن الداخلي الأوكراني، على خليفية كل ذلك، أعلن أحد زعماء المعارضة الأوكرانية أرسيني ياتسينيوك عن توصل المعارضة الى اتفاق هدنة مع الرئيس الأوكراني فكتور يانوكوفيتش، كما تم الاتفاق على إطلاق مفاوضات لاستعادة الاستقرار في البلاد. وقد جاء ذلك في بيان لحزب (الوطن) الذي يرأس ياتسينيوك كتلته البرلمانية، صدر في أعقاب اجتماع الرئيس الأوكراني مع قادة المعارضة في وقت متأخر من مساء الأربعاء. وجمع اللقاء الرئيس الأوكراني مع كل من ياتسينيوك وزعيم حزب ("الضربة") فيتالي كليتشكو وزعيم حزب ("الحرية") أوليج تياجنيبوك. غير أن الأزمة المتفاقمة لا تتجه نحو الحل، بقدر ما تتجه نحو التعقيد، وخاصة في ظل الزيارات المتواصلة لكبار المسؤولين الغربيين الذين يتوجهون إلى ميدان الاستقلال مباشرة للتعامل مع المحتجين والإدلاء بتصريحات تزيد من التصعيد السياسي والميداني.