أصدرت اليوم المفوضية المصرية للحقوق و الحريات تقريراً عن تقصي الحقائق يحتوي على ما توصلت إليه من معلومات عن انتهاكات حقوق الانسان خلال الفترة من الاستفتاء على الدستور وحتى ذكرى الثورة الثالثة. التقرير بعنوان "اختيارات الخانة الواحدة. قمع المعارضة السياسية في ذكرى ثورة 25 يناير و الاستفتاء على الدستور. توصل التقرير إلى استمرار منهج قتل المتظاهرين المعارضين بالأسلحة النارية بشكل غير مشروع و تكرار نمط للتعذيب أو سوء المعاملة في أماكن الاحتجاز.
إن تلك الممارسات القمعية تعتبر لغماً في طريق انتخابات الرئاسة القادمة حيث أنها تخلق مناخاً لا يتوفر فيها أبسط الحقوق و الحريات التي تسمح بالتنافس السلمي و الحر على السلطة لاسيما الحق في حرية الرأي و التعبير و المعوقات الكثيرة أمام الحق في التجمع السلمي، مما يهدد حق المواطنين في المشاركة في انتخابات تتسم بالنزاهة التي تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين.
فمازالت السلطات ترتكب جرائم الماضي ضد معارضيها. و يزيد من هذا المناخ استمرار قوات الأمن في ضرب عرض الحائط بالحريات الأساسية التي تضمنها دستور 2013 مثل الحق في الحرية و الأمان و ذلك عن طريق استباحة القبض على المعارضين السياسيين، بل و التحقيق معهم معصوبي العينين في الأقسام على يد قطاع الأمن الوطني و تعريضهم للتعذيب البدني والنفسي و خرق مبادئ الاممالمتحدة لاستخدام القوة و الاسلحة النارية في مواجهة المتظاهرين حيث استخدمت الرصاص الحي والخرطوش بشكل مميت و غير مشروع.
فمازالت مصر تعيش مسلسلاً للأحداث الدامية كان آخرها مشاهد القتل و الاعتقال في الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير والتي أسفرت عن القبض على قرابة ألف شخص و مقتل أكثر من مئة شخص في مختلف محافظات مصر حسب عدة مصادر حقوقية. و في الاستفتاء على الدستور قامت السلطات بقمع المعارضة السياسية و على الأخص الأعضاء المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين - التي أعلنتها الحكومة جماعة ارهابية - و أحزاب معارضة أخرى شاركت أو أيدت ثورة 25 يناير و 30 يونيو. و تعرض العشرات من الصحفيين المصريين و الاجانب لانتهاكات مختلفة خلال شهر يناير من استهداف بالرصاص الحي و القبض عليهم بذريعة مكافحة الارهاب و اتهامهم بنشر أخبار كاذبة أو الانتماء لجماعة محظورة.
إن السلطة الحالية تخطو كل يوم خطوة جديدة على طريق القمع و ترسيخ ثقافة انتهاك حقوق الإنسان ضد المعارضة السياسية. فلقد لخصت مشاهد الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير واقع الأزمة المريرة التي تمر بها مصر الآن بين مؤيدين للسلطة الانتقالية و سياساتها في ميدان التحرير بدعوة علنية من وزارة الداخلية، و معارضين من جماعة الإخوان المسلمين و حركات سياسية شبابية أو ثورية تواجهها قوات الأمن و مواطنين بزي مدني بالأسلحة النارية لمنعها من التجمع أو التظاهر أو الوصول لميدان التحرير.
و بين هذا و ذاك، تفجيرات تستهدف بشكل مستمر مؤسسات الدولة، خصوصا تلك التابعة للسلطات الأمنية كتفجير مديرية أمن القاهرة يوم 24 يناير 2014 الذي قتل على أثره أربعة أشخاص.
بينما شغل خطاب مكافحة الإرهاب - المصحوب بتبريرات لتقييد الحريات و تغليظ القبضة الأمنية - المساحة الأكبر من اهتمام الإعلام الرسمي و الخاص وسط الخلط المتعمد بين مظاهر المعارضة السياسية في الشارع و الجامعات من ناحية و الإرهاب من ناحية أخرى.
كما أظهرت درجة العنف التي انتهجتها قوات الأمن ضد من جاهروا بالمعارضة السياسية أثناء الاستفتاء على الدستور و الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير مدى استهتار السلطة بقيمة حياة الإنسان وانتهاك القانون والدستور.
و يحتوي تقرير المفوضية المصرية للحقوق و الحريات على شهادات مصابين و شهود عيان و معلومات أخرى تم جمعها عن طريق بعثات تقصي حقائق بخصوص فض مظاهرات المطرية بالقاهرة يوم 25 يناير حيث استند التقرير أيضا لمصادر طبية كمستشفى الزيتون و مستشفى المطرية و مشرحة زينهم بالقاهرة، و بخصوص قتل المتظاهرين ببني سويف في 14 يناير أول أيام الاستفتاء.
كما يحتوي التقرير على دراسات حالة لأشكال التعذيب و غيره من ضروب سوء المعامله في الحجز بجانب تحليل لأهم مواد الدستور المعدل التي تم انتهاكها و معايير الأممالمتحدة لاستخدام القوة التي تم خرقها.
يقدم التقرير عدد من التوصيات بهدف انصاف الضحايا و السعى لخلق مناخ يحمي حقوق الإنسان قبل الانتخابات الرئاسية محذرةً من التمادي في هذا الطريق الخطر الذي لن يؤدي إلا لمزيد من العنف المضاد وانتشار ثقافة العنف بين المواطنين و هو ما قد يؤدي إلى انفجار الوضع الإنساني في مصر.
توصي المفوضية المصرية للحقوق و الحريات بالآتي:- 1- تشكيل لجنة مستقلة و محايدة لتقصي الحقائق بخصوص أحداث العنف التي شهدتها مصر أثناء شهر يناير 2014 يكون لها كافة السلطات التي تسمح لها باستدعاء المتهمين و الشهود و حمايتهم و ذلك بهدف التعرف على المسئولين عن قتل و اصابة المتظاهرين و تعذيبهم أو سوء معاملتهم أثناء الاحتجاز و محاسبتهم مع توفير جبر الضرر للضحايا و أسرهم.
2- إعادة النظر في وضع كل من تم القبض عليهم في يناير 2014 من قبل لجنة مستقلة و محايدة و الإفراج الفوري و غير المشروط عن أي شخص احتجز فقط لتعبيره عن رأيه بالتظاهر أو غيره من الطرق السلمية.
3- توفير الرعاية الصحية و سبل الوصول للمحامين إلى المحتجزين و نقلهم لأماكن احتجاز قانونية لحين البت في أمرهم.
و في نهاية البيان تذكر المفوضية المصرية للحقوق و الحريات السلطات بأنه لا يمكن أن تعبِّر الانتخابات الرئاسية عن الاختيار الحر للناخبين بدون الكف عن تضييق أفق الحريات و على رأسها حرية الرأي و التعبير و الحق في التجمع السلمي و التراجع عن قوانين مقيدة لها كقانون التظاهر لسنة 2013