لا يوجد اثنان يختلفان علي شخص قداسة البابا شنودة الثالث - بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية فهو رمز من رموز هذا الوطن. وقد أتيحت لي الفرصة أن أحاور قداسته خمسة حوارات تليفزيونية، ولا أبالغ حينما أقول إنها من أمتع الحوارات التي أجريتها في حياتي حتي الآن، فعندما تقترب من قداسته وتحاوره فلابد أن تكون يقظاً مائة في المائة، ومتواصلاً مع أفكاره مائة في المائة، فالذكاء والحضور وخفة الظل والثقافة الرفيعة وانتقاء الأفكار وترتيبها وعمقها.. كلها صفات يتحلي بها قداسة البابا. كما قُدر لي أيضا أن أساهم في إنشاء الإعلام المسيحي الأرثوذكسي في مصر، وكان هذا تكليفاً من قداسته والتزاماً شخصياً. وبعد أن أنشئت، وساهمت وتركت الإعلام المسيحي لأعود إلي عملي الأصلي في الإعلام العام، كان واجباً علي أن أساهم برأيي حُباً في قداسة البابا، وإرضاء لضميري فلم تعد شهادتي الآن مجروحة. فقد تابعت - مثلكم - في الجرائد ما نُشر عن اجتماعات المجمع المقدس مؤخراً، وأهم القرارات التي صدرت عنه فيما يخص الإعلام والقنوات الفضائية المسيحية. والمجمع المقدس - لمن لا يعلم - يضم جميع أساقفة الكنيسة الأرثوذكسية ويرأسه قداسة البابا شخصياً باعتباره رئيس الأساقفة. ويضم المجمع عدة لجان، منها لجنة الإعلام والتكنولوجيا، وهذه اللجنة تضم عدة أساقفة ويرأسها الأنبا مرقص - أسقف شبرا الخيمة - وما أدهشني هذا العام أن المجمع المقدس أصدر قراراً بأنه لا يعترف بأي قناة لا تتبع الكنيسة ومنها قناة «واي. إم. سي» التي يشرف عليها الأسقف ذاته، وقناة «اللوجوس» التي يشرف عليها الأنبا سرابيون، وقناة ثالثة يشرف عليها القمص مرقص عزيز، وما استوقفني في الأمر أنه كيف يتسني للأنبا مرقص أن يشرف علي قناة ثم هو نفسه المسئول عن لجنة الإعلام التي ستشرف علي قرار المجمع بأن هذه القناة - وغيرها - غير معترف بها لأنها غير خاضعة لإشراف المجمع وتبعية الكنيسة القبطية؟! والقرار أيضا يعني في محتواه أن قناتي «أغابي وسي تي في» تخضعان لإشراف الكنيسة القبطية، وهذا ما أتوقف عنده أيضا، فلن أتحدث عن قناة أغابي لأنني لا أعلم عنها الكثير، وهي في نهاية الأمر قناة بسيطة تقدم طقوساً كنسية وتحت إشراف الأنبا بطرس ولا تظهر لها أهداف خفية حتي الآن. ولكن قناة «سي تي في» كان كاتب هذه السطور هو صاحب فكرتها وهو الذي أنشأها من الألف للياء، ويملكها رجل الأعمال ثروت باسيلي، وكان يحرص منذ البداية علي ألا تتدخل الكنيسة بشكل أو بآخر في سياسة القناة بل إنه كان يصدر تعليماته بعدم تعيين أو إشراف أي «عمائم سوداء» تتبع الكنيسة في الإشراف علي القناة. فضلا عن أن قداسة البابا شخصياً كشفت له بعض الأهداف الخفية لإنشاء هذه القناة وهي إبراز وتلميع الأنبا يؤانس - السكرتير السابق لقداسته - حتي يتمتع بشعبية كبيرة لدي الأقباط، ومن ثم وجود احتمال لتصعيده للكرسي البابوي، بعد عمر طويل لقداسة البابا، وأيضا وجود بعض البرامج التي تجمع تبرعات للفقراء، ولا تعلم الكنيسة شيئا عن مصير هذه التبرعات؟! كل هذه الأشياء وغيرها جعلت قداسة البابا يُعلن في إحدي عظاته الأسبوعية: أنه يعلم كل شيء عن المؤامرات التي تدور في الظل من ضعاف النفوس، وأن «البابا» اختيار إلهي من خلال الشعب حتي لا يكون تحت سيطرة شخص أو أشخاص معينين!! وعلي الجانب الآخر بدأت قناة «الحياة» تستغني عن القمص زكريا بطرس بعد كثرة الشكوي منه، وفي مقولة أخري أن الأنبا ماكسويل أنشأ قناة وهي «الراعي الصالح» ولم يستطع أن يجد لها هوية أو مشاهدة.. فأغلقها. كل هذا يدل علي أن الإعلام المسيحي الأرثوذكسي - علي وجه التحديد - يتخبط بشكل أو بآخر، ويواجه تحديات كثيرة. ومن أسباب هذا التخبط هو عدم وجود كوادر إعلامية محترفة من المسيحيين، وهو جزء مسئول عنه الدولة أيضا حيث يتم تهميشهم في هذا المجال منذ فترة كبيرة ومستمر حتي الآن، هذا سبب رئيسي، أما السبب الآخر فهي المركزية الشديدة والسلطة المطلقة الممنوحة لبعض الأساقفة، ويتصرفون من منطلق أنهم يملكون لوحدهم الرؤية الصحيحة ويملكون الحقيقة ولا أحد يتدخل في رؤيتهم وقراراتهم، وليس علي الغير سوي الطاعة العمياء.. وفقط! وعندما أري كل هذا من بعد يرتفع نظري للسماء وأقول بداخلي «الله يكون في عون قداستك يا قداسة البابا». فالرجل يحمل هموماً ومسئوليات لا حصر لها، وقد قال لي في أحد حواراته معي: «إن المسئوليات الكبيرة مشاكلها أيضا كبيرة». فيكفي أنه مسئول عن ملفات ما يقرب من 12 مليون قبطي - داخل وخارج مصر - يواجهون مشاكل لا حصر لها. ويقود المركب بحكمة بالغة وبصيرة نافذة وسياسة رصينة. وليس معقولا أن نلقي علي كاهله كل الملفات - من صغيرة وكبيرة - ولكن يبدو يا سيدنا أنها سمة العظماء، فلا تغضب مني عندما أرجوك أن تحسم حلف الإعلام القبطي، فلن يحسمه إلا قداستك، فكما تعلم أن المخلصين من حولك قليلون، وانك بحب وسماحة تحتمل ضعفات الآخرين من المنافقين والمغرضين ولذلك لن أجد أخلص منك لمخاطبتك. فالإعلام - أيا كان تصنيفه - رسالته الأولي تنويرية إرشادية، والإعلام المسيحي علي وجه الخصوص كان مطلوبا منه أن يكون مسئولا عن نشء جديد يرشده ومراهقين يقوم سلوكهم، وأسر ينقذهم من التفكك وحكماء يقضون وقتهم في رؤية وتغذية أرواحهم. ثم تقديم المسيحية للآخر ليتعرف علي مبادئها وسماحتها ومحبتها، فيزول الجهل عن الآخر ومن ثم يزول التعصب فيعيش الجميع في سلام. أعلم أن الجميع زاغوا وفسدوا كما قال الكتاب المقدس، ولكن لقداستك أدوار تاريخية لا تُنسي، ومواقف حاسمة لن يمحوها الدهر، فأرجوك أن تنقذ الإعلام القبطي بما يمكن إنقاذه، فهو يواجه تحديات كبيرة شأنه في ذلك شأن الإعلام العام، ولكنه في بادئ الأمر ونهايته مسئول عن تشكيل وجدان المصريين بمختلف عقائدهم.. وهو الذي يساعد مصر علي أن تعيش فينا. ألم تقل قداستك: «مصر ليست وطناً نعيش فيه، بل وطن يعيش فينا».