كل المجتمعات تكتظ بالشائعات. إطلاق الشائعات، أي الأخبار والمفاهيم غير المستندة إلي حقائق واقعية أو علمية، من هوايات الإنسان القديمة، ربما لأن الأخبار الحقيقية لا تعطي فرصة للبحث والتنقيب، ليس فيها مجال للتلذذ بالغموض والتشويق. عادة تكون الشائعات من مصادر غير رسمية، إلا أن المجتمع المصري، من المجتمعات القليلة التي تقوم فيه الجهات الرسمية بإطلاق الشائعات. من الشائعات التي أطلقتها الجهات الرسمية، ورددها الناس: «المصريون ما بيشتغلوش». لو قارنت هذه الشائعة بحياتك أنت الشخصية لوجدت أنك تكرر كلاما لم تتحر دقته. لا أتحدث عن الإنتاجية ومجموع «دقائق العمل» الذي ترصده الإحصاءات، فتنظيم العمل والإنتاجية، مهمة أرباب العمل في القطاعين الخاص والعام علي حد سواء، لا مهمة العامل، العامل يسجل حضوره في العمل، إذا كان أمامه عمل سيعمل، إن لم يكن أمامه شيء سيأكل ساندوتش طعمية. عن مواطن يعمل في وظيفة لا تغطي نفقاته وأسرته، فيضطر للعمل في مهنتين أو ثلاث، عن دولة تصدر فيها دار الإفتاء أن الموظف تجوز عليه زكاة، ولا يخجل ولاة الأمور، ولا يقدمون علي الانتحار مثل المسئولين اليابانيين، عن شعب يعمل فقراؤه ومتوسطوه ليل نهار ويرددون، وهم يعملون، بأنهم لا يعملون، عن هؤلاء جميعهم نتحدث اليوم. «علي قد فلوسهم». نعم يا سيد علي قد فلوسهم، فالعمل لخدمة الإنسانية مكانه الجمعيات الخيرية، وليس المؤسسات التي تدر الأرباح الفلكية. المواطن المصري يعمل في مهنته الأساسية في الصباح بنصف مجهوده، لأنه يحتاج إلي النصف الآخر لعمل بعد الظهيرة، ويعمل بعد الظهيرة بربع طاقته لأنه يدخر الربع الباقي للعمل الإضافي الذي يعمله بالليل. المواطن المصري لا ينام، بل يسقط ميتا، لو التقطت صورا متفرقة لعدد من المواطنين النائمين ونشرتها علي الشبكة الإلكترونية، لجزم كل سكان العالم - باستثناء المصريين - أن هؤلاء المستلقون علي الأسرة، تكون أجسادهم شكل علامة الاستفهام، أفواههم فاغرة كبوابة محطة مصر، ما هم إلا جثث ضحايا إحدي مذابح التطهير العرقي. ثم تحدث المعجزة ويبعث النائم من الموات وكأنه لم ينم أبدا، عظامه متضعضعة كأنه قضي ليلة في أبو غريب. المواطن المصري لا يري أعين أبنائه مفتوحة أبدا، يخرج وهم نائمون، ويعود وهم نائمون، وهو لا يعمل في كل هذه المهن ليشتري فيللا في الساحل الشمالي، وإنما ليشتري طعاما، ودواء، ويدفع مصاريف المدارس. المواطن المصري لم يعد يتنزه إلا في العيد حيث تتحول مصر إلي ساحة للتدرب علي يوم الحشر، لم يعد ينظر إلي السماء ولا يتأمل السحاب، وإنما يسير مطأطأ الرأس التي تدقها قواديم الأفكار، لم يعد يجلس في الشرفة ساعة العصاري، ولا يقزقز لب بطيخ وهو يسمع أم كلثوم. لم يعد يفعل سوي أنه يخرج من عمل ليذهب لعمل إضافي، ويا ويله يا سواد ليله لو أبلغ عنه أحد زملائه في عمله الأساسي أنه يعمل في مهنة أخري. وبعد كل ذلك، يصر أرباب العمل، والدولة، ورئيس الدولة أن المواطن المصري «ما بيشتغلش»، والمواطن المصري يردد خلفهم مثل الكورال وهو يترنح من الإرهاق.