الحكومة والإخوان، ك«توم وجيري» لا يستغني أحدهما عن الآخر، المحظورة تحتاج إلي النظام الغارق حتي الأذنين في الفساد، لتدعي أنها تمثل في مواجهته الطهارة التي يتستر خلفها - تاريخياً - كل من يتاجرون بالدين، أما النظام المستبد الذي يزِّور الانتخابات ليبقي في السلطة إلي الأبد، فيحتاج إلي المحظورة كفزاعة يهدد بها، ليس فقط المجتمع داخليا، بل - كذلك - القوي التي تحرك الخيوط من الخارج، مؤكدا أنه لو ذهب، فالقادم من بعده - لا محالة - هو تلك الخفافيش الظلامية، بالطبع قد يحدث - أحياناً - أن يلعب جيري دور القط أو يتقمص توم شخصية الفأر، أو هذا - علي الأقل - ما يستقر في روع المشاهدين السذج، بالرغم من أن التجربة أثبتت - لمن يريد حقا أن يفهم الفولة - أن كل هذه الحيل الفنية ليست أكثر من مجرد تفاصيل، لزوم الحبكة الدرامية، وأن تبادل الأدوار - علي هذا النحو - لا يتطلب في الواقع سوي الحد الأدني من المهارة في كيفية وضع المكياج، دليلي علي ذلك هو أن المنتج الخفي الذي تعاقد مع جيري هو نفسه من وقع علي الاتفاق مع توم، وأن الاثنين ليس من حقهما الخروج عن النص المكتوب بمعرفته، ومع تترات النهاية، يطلّع لنا المنتج الخفي في كل مرة لسانه قائلا: إلي اللقاء في الحلقة المقبلة. ما يلفت الانتباه في الحقيقة هو هذا الرباط المريب الذي يجمع بين توم وجيري، استوقفتني في الواقع طويلاً تلك اللعبة الغامضة المليئة بالمتناقضات التي لا يملان من ممارستها، كلاهما يقضي الوقت كله في تدبير المقالب ضد الآخر، لكنهما لا يقدمان أبدا علي الانفصال، العداوة بينهما يظهر في كل مرة أنها وصلت بالفعل إلي نقطة اللاعودة، ومع هذا، يلتقيان من جديد، ليعيشا معا التجارب نفسها التي من الواضح أنها تؤلمهما بقدر ما يستمتعان بها، الأمر الذي أكد لي - بما لا يدع مجالا للشك - أن هذه العلاقة ليست بريئة كما قد يبدو، وأن الحكاية فيها ما فيها. إنهما طرفا المقص اللذان يتقاربان أو يتباعدان قليلاً أو كثيراً حسب الظروف، لكنهما يظلان مثبتين إلي المسمار المحوري نفسه الذي يتحكم في حركتهما، كلاهما - بدون الآخر - يفقد مبرر وجوده، المنتج الخفي وحده يعرف أين وكيف ومتي يضغط بهما علي عنق الوطن.