المشروع يهدف إلى عدم حصول أي عناصر إرهابية على المواد المشعة المستخدمة في الهيئات المدنية ك«المستشفيات» و«المعامل» و«المصانع».. و«أوباما» دعا إلى قمة «الأمن النووي» لتطبيق مزيد من «إجراءات التأمين» على مستوى أوسع «الرعب النووي» يدفع الحكومة الأمريكية لتمويل مشروع لتأمين المصادر الإشعاعية بمصر «انطلاقًا من أن الإرهاب النووي هو أكبر تحديات الأمن الدولي» حشد الرئيس الأمريكي باراك أوباما قادة 47 دولة في قمة «الأمن النووي» التي استمرت فعالياتها خلال النصف الأول من الشهر الماضي، بعد أن تبنت رؤية الرئيس الأمريكي التي تربط الإرهاب النووي بالأمن الدولي، ليصبح الحل الوحيد هو مزيد من الإجراءات الأمنية المشددة لمنع حصول الإرهابيين - وفق التعريف الأمريكي- علي المواد النووية أو المشعة بأي صورة. والحقيقة التي يعرفها عدد غير قليل من المتعاملين مع المصادر المشعة بمصر، وخبراء هيئتي الطاقة الذرية، والمواد النووية تحديدًِا، أن كلام أوباما ليس رؤية تبناها فجأة، بعد أن تولي مهام منصبه في رئاسة الدولة الأكبر والأكثر تأثيرًا في العالم، والأولي في استخدام القنبلة النووية في الحروب، لكنها رؤية أمريكية عامة، تعكس رعبًا أمريكيًا من التعرض لهجوم نووي كالذي شنه الجيش الأمريكي علي مدينتي هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين في نهاية الحرب العالمية الثانية. الرعب الأمريكي الجديد لا ينبع من استخدام جيش نظامي للأسلحة النووية، كما فعلتها أمريكا نفسها من قبل، ولكنه رعب - غير مبرر في الحقيقة - ممن تطلق عليهم الدوائر الأمنية والسياسية الأمريكية وصف «الإرهابيين» بغض الطرف عن جنسيتهم أو ديانتهم، وهو الرعب الذي كشفته عدة إجراءات أمريكية بدأت قبل تولي أوباما نفسه رئاسة الولاياتالمتحدة، وتحديدا منذ عام 2004 عندما بدأ التخطيط لأكبر مشروع بدأ الإعداد له من بعد هجمات 11 سبتمبر، وتبلورت فكرته في السنوات التي تبعتها لحماية وتأمين المصادر الإشعاعية خارج الحدود الأمريكية، وهو المشروع الذي حمل اسم «تقليل مخاطر الإشعاع»، ويهدف المشروع إلي تقليل تأمين المصادر الإشعاعية المغلقة المستخدمة في تطبيقات الطب والهندسة والصناعة دون تأمين كاف، خوفا من استهدافها واستخدامها في عمليات إرهابية أو تخريبية ضد المصالح الأمريكية في الخارج. المشروع الأمريكي يطبق بالتعاون مع الأجهزة المسئولة عن «الوقاية الإشعاعية» بالدول المشاركة ال32 المشاركة فيه، ويشدد المشروع علي مصطلح «أمن المصادر الإشعاعية» بعد أن كان الاهتمام مقتصرا قبل ذلك علي معدلات «أمان» تلك المصادر، وهو الاختلاف الذي يتعلق بتأمين المصادر الإشعاعية من الإنسان، في حين يتعلق لفظ الأمان، بضمانات حماية البشر من مخاطر المصادر الإشعاعية المغلقة. بمزيد من الاختصار، يتعلق المشروع الأمريكي بتأمين المصادر الإشعاعية المستخدمة في الهيئات المدنية كالمستشفيات والمعامل والمصانع، مثل تلك التي تدخل في أجهزة الأشعة، وأجهزة تشعيع الدم في المجال الطبي، أو ما يقابلها في الزراعة والهندسة والتعدين، وهي أجهزة تحتوي علي مصادر إشعاعية، قد تكون محدودة المجال والتأثير حقيقة، لكنها في الوقت نفسه شديدة الخطورة علي البشر والبيئة، ويمكن استخدامها بشكل تدميري لو تحصل عليها مخربون، أو «إرهابيون» وفق التوصيف الأمريكي، لاستخدامها في عمليات تخريبية أو إرهابية، ضد أهداف أمريكية، سواء كانت داخل الأراضي الأمريكية أو خارجها. وتأتي فكرة تأمين المصادر المستخدمة في مثل هذه المجالات السلمية، كحلقة جديدة من حلقات الحرب الاستباقية التي تتبناها الولاياتالمتحدةالأمريكية علي الإرهاب، لكن بطريق أكثر تحضرا هذه المرة، وتقوم فكرة المشروع علي فرض برنامج حماية شامل لحماية وتأمين الهيئات المدنية التي تحوي أجهزة قائمة علي المصادر الإشعاعية في عملها، خاصة أنها لا تحظي بالحماية الكافية، باعتبارها ضمن أجهزة منشآت مدنية، وليست عسكرية أو بحثية ذات طبيعة خاصة - كالهيئات النووية والمعامل البحثية - وذلك خوفا من استحواذ عناصر تخريبية أو إرهابية علي تلك المصادر، واستخدامها فيما يسمي ب «القنابل القذرة» عن طريق تفجيرها بمواد متفجرة كال T.N.T مثلا، لنشر الإشعاعات علي مدي واسع، مما يتسبب في أضرار بالغة أقلها الإصابة بأمراض فتاكة نتيجة التعرض للإشعاع؛ فضلا عن الموت السريع الذي يتعرض له من يتواجد في محيط التفجير. هذه هي الخطوط العريضة للمشروع الأمريكي الذي تشرف عليه وزارة الطاقة الأمريكية مباشرة، وتعمل علي تنفيذه عن طريق بروتوكولات مشتركة مع الجهات المسئولة عن الوقاية الإشعاعية في الدول التي يتم التنفيذ بالتعاون معها والتي يأتي علي رأسها مصر بالتأكيد، لأنها تضم مجموعة من الهيئات المهمة، علي رأسها السفارة الأمريكية التي تعد واحدة من أكبر سفارات الولاياتالمتحدة في العالم، وتم توقيع بروتوكول المشروع مع المكتب التنفيذي للوقاية الإشعاعية، التابع لوزارة الصحة المصرية في 2004، بينما وقعت وزارة الطاقة الأمريكية كممثل عن الجانب الأمريكي. وبدأ تنفيذ المشروع بتدريب العاملين بالمواقع التي تحتوي علي أجهزة تستعمل المصادر الإشعاعية المغلقة، كالمستشفيات والمعامل ومصانع الأدوية وغيرها، وتأهيل مسئولي الإدارة العليا بتلك المواقع لإدراك مدي أهمية أمن المصادر الإشعاعية، ثم رفع الكفاءة الأمنية لتلك المواقع، عن طريق تزويدها بنظم مراقبة وأمن حديثة، تضمن أقصي درجة من الحماية الفيزيائية للمصادر، وأسرع استجابة فعالة لأي هجوم يمكن أن تتعرض له. وبحسب بيانات مركز الوقاية الإشعاعية، فإن برنامج «تقليل مخاطر الإشعاع» انتهي من تزويد 36 موقعا يتضمن مصادر إشعاعية مغلقة بنظم أمن متكاملة أشبه بتلك التي نراها في أفلام السينما، حيث تحتوي هذه الأنظمة علي كاميرات مراقبة، وحساسات كهرومغناطيسية، وحساسات حرارية بموجات الميكروويف، بالإضافة إلي حساسات الألياف الضوئية، وجميعها متصلة بنظم إنذار واتصال آلي، لاكتشاف أي محاولة لاقتحام الموقع التي تحوي مصادر إشعاعية، أو التسلل إليها. الجديد في نظم أمن المصادر الإشعاعية - بحسب مصدر وثيق الصلة بالمشروع - هو تصميمها الذي لا يكتفي بالاكتشاف المبكر لأي محاولة تسلل أو اقتحام، بل إنه يزيد علي ذلك بنظام آخر خاص بإعاقة المتسلل أو المعتدي، انتظارا لنتيجة النظام الثالث المتعلق بالاستجابة من الجهات الأمنية، ويرتبط النظام الأمني بموقع المصدر عن طريق شبكات مؤمنة، غير قابلة للقطع أو الاتلاف ، لضمان أسرع استجابة للإنذار.. وأشار مصدر أمني إلي أن النظام الأمني المستخدم في تأمين المصادر الإشعاعية المغلقة، من أحدث وأفضل نظم الأمن المستخدمة في مصر، مشيرًا إلي جهات قليلة في مصر - حساسة للغاية - وذات طبيعة أمنية هي التي تستخدم أنظمة أمنية مشابهة لهذا النظام. ولم يكتف الجانب الأمريكي بنظام الإنذار والحماية المتكامل الذي تم تصميمه وتنفيذه عن طريق إحدي الشركات المصرية، وبتصميم وتخطيط أمريكي، بل إن خبيراً أمريكياً في نظم الأمن والحماية حضر إلي مصر منتصف العام الماضي لاختبار كفاءة النظام الأمني بنفسه، عن طريق محاولة اقتحام «افتراضية» لبعض هذه الأنظمة، يتقمص فيها دور المقتحم أو «the bad guy» بحسب تعبيره، ليختبر كفاءة النظام الأمني، وهي المحاولة التي أثبتت نجاح نظام التأمين الأمريكي بشكل كامل. كما تم تنظيم ورشة عمل علي هامش المشروع تحت عنوان «تأمين المصادر المشعة المغلقة وتأثيرها علي الأمن القومي»، وشارك فيها ممثلون من وزارات الصحة والداخلية والدفاع والأمن القومي، فضلا عن خبراء بمركز الأمان النووي، التابع لهيئة الطاقة الذرية حتي الآن، بانتظار إقرار قانون «الأمان النووي»، الذي من المفترض أن تنشأ بموجبه هيئة مستقلة للأمان النووي، الذي أصبح هاجسا مسيطرا علي تفكير مسئولين أمريكيين رفيعي المستوي، كالرئيس الأمريكي باراك أوباما، إلي الحد الذي يدفعهم لتصميم برامج متكاملة لتأمين مصادر مدنية في هيئات مدنية، خوفا من لعنة هيروشيما ونجازاكي، التي يبدو أنها مازالت تطارد الأمريكيين حتي اليوم.