السلطة المطلقة مفسدة مطلقة.. مقولة قديمة، أما الجديد فهو أن ممارسة السلطة حتي لو علي سبيل التمثيل.. كده وكده، تجعل الممثل يندمج في الدور ولا يريد مغادرته.. عالم النفس الكبير الدكتور أحمد عكاشة كتب مقالاً بديعًا منذ أيام عن هذا المعني، حكي فيه عن تجربة قامت بها جامعة «ستانفورد» لدراسة ردود أفعال الناس العاديين بعد اختبارهم في صورة نزلاء وحراس السجون، تمت التجربة علي مجموعة من المتطوعين في ظروف مشابهة للسجون، بعضهم قام بدور السجناء، والآخرون بدور الحراس. أثبتت التجربة أن حرمان الفرد من حقوقه الإنسانية وعزله في زنزانة مغلقة يدفعه لتغيير سلوكه.. ومفاجأة التجربة أن السجان عندما حصل علي القوة والسلطة المطلقة.. فقد بدأ في إصدار الأوامر وتعذيب السجناء، مما جعله يتعلق (بالتجربة) ويصر علي الاستمرار فيها، (ما بالك بالسجان الحقيقي والسجن وظيفته وأكل عيشه). النتيجة أن من يمارس السلطة المطلقة دون مساءلة أو ردع، تتغير شخصيته ويصبح توحده مع هذه السلطة، بمثابة شهوة قوية تجعله لا يستطيع العودة إلي طبيعته الأولي.. (أرجو تطبيق هذا الكلام علي المسئولين الذين ظلوا في مواقعهم أبد الدهر). ويعرض دكتور عكاشة مشكلة الزحام والتكدس في مساحات مكانية صغيرة مثلما هو الحال في مصر، ويشير إلي أن الشعوب التي تعاني من التكدس السكاني في مساحات ضئيلة ستجدها تفتقد الإحساس بالحرية والتمتع بالخصوصية، ويعتبر هذا من العوامل المهمة لظهور العدوانية والأنانية.. فيتحول الإنسان الذي وصف بالطيبة إلي طاغية وقاس. لدي الدكتور عكاشة تفسيره لحالة التبلد واللامبالاة والاستسلام التي تعانيها الشعوب العربية (من بينها مصر طبعا) وهو السلطة المطلقة والفجوة المتسعة بين الشعب والسلطة التي تمارس القهر ضده.. حتي بلغ المواطن درجة أفقدته الرغبة في إتقان عمله. أخطر ما ذكره عكاشة.. أن استمرار الديكتاتورية فترات طويلة تولد لدي الشعوب سلوكيات متدنية.. يصفها علماء النفس بسلوكيات العبيد مثل النفاق والتملق والمداهنة والكذب.. ويري الدكتور عكاشة أن العودة بالشخصية العربية لسابق عهدها يستلزم محاربة بؤر الفساد وتحديد السلطة حتي لا تكون مطلقة.. لأن السلطة والقوة مرضان لهما البريق والسيطرة.. وتتفوق أحيانا شهوة السلطة علي مشاعر الأبوة والأمومة.. وكم من روايات في التاريخ نجد فيها الأب أو الابن وقد تخلص أحدهما من الآخر في سبيل شهوة السلطة المطلقة!!. في بريدي الإلكتروني وصلتني هذه الرسالة.. قامت إدارة كلية الهندسة بقنا جامعة الأزهر باستدعاء الطالب شريف حسن لبيب محمود.. المقيد بالفرقة الثانية مدني لمكتب شئون الطلاب.. بوضع إعلان بلوحة الإعلانات الخاصة بالكلية بضرورة حضوره للأهمية. وحين توجه زميلنا إلي المكتب تم احتجازه ومن ثم استدعاء حرس الكلية.. الذي قام بدوره باستدعاء جهاز أمن الدولة الذي حضر فورا إلي الكلية.. وألقي القبض عليه داخل حرم الكلية بالمخالفة للدستور.. واقتاده أمن الدولة إلي مكان غير معلوم.. وفي تمام الساعة 11 مساء من اليوم نفسه اقتادوه إلي مسكنه.. وبعد كسر الأمن للباب والاستيلاء علي بعض المتعلقات الشخصية الخاصة به.. ثم العودة به إلي المكان غير المعلوم.. وذلك منذ يوم 6/5/2010 وحتي الآن لم يستطع أحد الاستدلال أو معرفة معلومات عنه.. هذه المهزلة حرمت الطالب من امتحانات أعمال السنة والعملي مع اقتراب امتحانات آخر العام التي ستعقد يوم 29/5/2010.. واستمرار هذه المهزلة سيؤدي إلي فصل الطالب نهائيا من الكلية إذا تغيب عن الامتحانات. انتهت الرسالة وأرجو أن يصلنا رد يحفظ للطالب حقوقه ويجعله يؤدي الامتحان.