سنة 1949 وقف "علي باشا ابراهيم" مؤسس اول نقابة اطباء في مصر –وافريقيا- مخاطبا زملائة الاطباء في اول جمعية عمومية لهم قائلا "ينبغي ان نجعل نصب عيوننا ان العلم هو المقياس الوحيد لقيام هذة الدار وان ننسى في مجادلتنا ومعاملتنا كل ماهو شخصى". لم يكن "علي باشا" يتخيل ان نقابة الاطباء والتي انشأها لتكون منبر للدفاع عن مصالح وحقوق الاطباء ستتحول يوما الي ساحة معارك ومنبر سياسي, منحرفة عما ارادها هو لها.
واليوم "منى مينا" طبيبة الاطفال , تعود من جديد مرددة نفس العبارات ساعية لتعيد النقابة الي مسارها الاصلي الذى اسسها الاقدمون من اجله.
"من سنة 1978 والنقابة مسيطر عليها تماما من جماعة الاخوان المسلمين" هكذا يبدا "احمد فتحي" عضو مجلس نقابة الاطباء واحد ابرز الاعضاء الشباب في حركه "اطباء بلا حقوق" حديثة , يضيف احمد وفي سنة 1992 اصبح مجلس نقابة الاطباء باكمله من جماعة الاخوان المسلمين , باستثناء النقيب "حمدي السيد" الذى كان عضوا فى الحزب الوطني حينها.
"احمد بكر" عضو مجلس نقابة الاطباء واحد مؤسسين حركة "اطباء بلا حقوق" يتحدث عن جانب اخر من القصة قائلا "سيطرة الاخوان على النقابة تمت بصفقة مع نظام مبارك "دورهم كان القضاء على التيارات المدنية والليبرالية ,والمساهمة فى تردي الاوضاع الصحية للمواطن, والتي سوف يستفيدون منها , ذلك ان المواطن لن يجد الرعاية في مستشفيات الدوله فيتجة للمستوصفات التى انشؤها هم , وعليه يضمنوا اصوات الفقراء فى الانتخابات بعد ان اصبحوا هم ملاذهم - يد تقدم الزيت والسكر والاخرى تقدم الدواء- والنتيجة تدهور الصحة وازدياد المد الدينى (الظلامي) قضية اخرى يفجرها "محمد عبدالعزيز"-محامي نقابة اطباء القاهرة. "لجنة الاغاثة" التابعة للنقابة ,والتي يسيطر عليها الاخولن المسلمين كانت هى كلمة السر.حيث تجاوزت التبرعات الوارده لها سنة 2011 على سبيل المثال "130 مليون جنية" كانت بمثابة خزينه لدعم التنظيم الدولى لجماعة الاخوان المسلمين , ويضيف "محمد عبدالعزيز" ان "جمال عبدالسلام" الامين العام السابق للنقابة وعضو مكتب الارشاد الدولي لجماعة الاخوان المسلمين - محبوس حاليا- سافر الي 44 دولة لجمع تبرعات لهذة اللجنة , فضلا عن انه كان يمول "منظمة حماس" من هذة التبرعات. ويستطرد "عبدالعزيز" ما ان شعر اطباء الاخوان بخسارتهم للانتخابات الاخيرة حتى كتبوا على صفحاتهم على صفحات الفيس بوك "وداعا لجنة الاغاثة".
في ظل سيطرة الاخوان على النقابة وتواطئ مع نظام مبارك ظهرت طبيبة الاطفال "منى مينا" وفي سنة 2007 اسست مع مجموعه من الاطباء حركة "اطباء بلا حقوق", والتي كانت الحركة الوحيدة المهنية قبل الثورة التي واجهت "الدولة والاخوان" على حد تعبير فاطمة مصطفى -طبيبة تخدير- تقول فاطمة "د.منى هي اللى عرفتنا يعني ايه جمعية عمومية, ايه هى حقوقنا كاطباء ,فلوسنا بتروح فين".
خاضت "منى مينا" والحركه معارك شرسه ضد النظام من جهة وجماعة الاخوان المسلمين -المسيطرة على النقابة- من جهه اخري, وفي 2008 كانت احد اهم معارك منى حيث دعت الي اضراب الاطباء للمطالبة بحقوق الاطباء - والذى عرقله الاخوان المسلمين- فلم يتم, لكن منى عادت من جديد فى مايو 2011 داعية للاضراب وهذة الرة نجحت في تنفيذة , وفي اكتوبر2012 دعت الي الاضراب الثالث والذى استمر لاكثر من ثمانين يوم. منى مينا تتحدث عن اسباب دعوتها للاضراب قائلة "تأمين المستشفيات ,تطبيق كادر الاطباء ,زياده موازنة الصحة15% , هذة مطالبنا المشروعة الثابتة, والتي لن نتنازل عنها".
لم تكتفي منى مينا بمعارك الاضرابات , بل خاضت معركه اخرى شديدة القسوة فى 2011 حيث ترشحت لعضوية مجلس نقابة الاطباء, مواجهة حملة شعواء من جماعة الاخوان المسلمين -المسيطرين حينها على النقابة- استخدم فيها شعارات الدين والطعن في نوايها كونها "قبطية" , لكن نجاح منى كان ساحقا واصبحت عضوة في مجلس النقابة.
دور منى مينا فى ثورة 25 يناير لا احد يستطيع انكارة , فالمرأة التى تجاوزت الخمسين من عمرها , كانت تحمل كراتين الدواء وتذهب لميدان التحرير لتمارس عملها في المستشفى الميدانى, وعن ذلك تحكي ذكرياتها قائلة "اكثر ما احزنني ان ارى كثير من المستشفيات الحكومية ترفض استقبال المصابين".
وفي ديسمبر الحالي , جرت انتخابات التجديد النصفي لنقابة الاطباء , حاولت جماعة الاخوان المسلمين بشتى الطرق تعطيلها, لكن "منى مينا" دعت بقوة لاجراء الانتخابات , وحثت الاطباء على المشاركة قائلة "اما تاتوا للتصويت بعقد انتخابات التجديد النصفي,واما تذهب النقابة فى نفق مظلم". استجاب جموع الاطباء للدعوة, وعقدت الانتخابات , وشاركت فيها جماعة الاخوان المسلمين بقائمة "اطباء من اجل مصر" في مواجهة قائمة منى مينا "اطباء بلاحقوق". وكانت النتيجة فوز "اطباء بلاحقوق" ب14 مقعد في مقابل 9 مقاعد للاخوان المسلمين ,واصبحت "مني مينا" اول امراة واول قبطي يجلس على مقعد "امين عام اطباء مصر" وبذلك تخسر الجماعة مجلس نقابة الاطباء الذى احتكروة منذ 1978.
"مني مينى" ابت ان يمر اول يوم لها في منصبها الجديد في هدوء , فوجهت خطابها الي حزم الببلاوي "رئيس وزراء مصر و "مها الرباط" وزيره الصحة ,للتدخل الفوري لتطبيق كادر الاطباء قبل ان يبدأ الاضراب العام فى يناير المقبل.