الكويت اليوم في مناحة، وعلي شفايف حفرة، وعلي كل كويتي أن يلطم ما استطاع إلي ذلك سبيلا. ولا حديث للناس اليوم إلا عن اعتقال الزميل محمد عبد القادر الجاسم الذي تعاملوا معه بأشد درجات التعسف، ومنعوا عنه زيارة أهله (اليوم الجمعة سيتمكن أهله من زيارته للمرة الأولي، بعد مضي عشرة أيام علي اعتقاله)، ومُنعَ محاموه من لقائه، فأضرب عن الطعام وعن تناول أدوية القلب، وساءت حالته، فنقلوه إلي المستشفي العسكري بعربات مسلحة، وهناك قيدوا يديه ورجليه في حديد السرير، فاحتج الأطباء، فأخرسوهم، ثم نُقل بعد ذلك إلي السجن المركزي بعربات مدججة بثمانية عشر من العساكر المسلحين المقنعين، والحمد لله أن الحكومة لا تمتلك قنبلة نووية. شوف رحمة ربك. وقبل أشهر كتبت إحدي الصحف الراقصة في بلاط رئيس الحكومة صاحب السياسة الرخوة ولا عجين الفلاحة، وأسوأ من جلس علي كرسي رئاسة الوزراء، والذي أتعب مستشاريه ووزراءه بتنظيف الصالة وترتيبها بعد خروجه، والذي لا يراه الشعب في لقاء تليفزيوني ولا حتي في مؤتمر صحفي... أقول، قبل أشهر، انتشرت شائعات عن خلاف أسري شديد بين وزير الديوان الأميري، ابن صاحب السمو أمير البلاد، وبين رئيس الحكومة، ابن أخ صاحب السمو، فنشرت إحدي الصحف الراقصة في بلاط رئيس الحكومة خبراً يقول: «وزير الديوان الأميري سينشئ محطة تليفزيونية مضادة لسمو رئيس الحكومة، أبرز من يعمل فيها هما الكاتبان محمد الجاسم ومحمد الوشيحي، وسيقدم كلٌّ منهما برنامجاً تليفزيونياً، علي أن يتولي الوشيحي إدارة القناة»، ولم يسبق لي وقتذاك رؤية وزير الديوان، ولم يسبق له رؤيتي، علي الطبيعة. وكان القصد إشعال الفتنة بين أفراد الأسرة الحاكمة، وتحريض السلطة علي معارضي رئيس الحكومة. فسارع الجاسم إلي نفي الموضوع جملة وتفصيلاً، بينما «اعترفتُ» أنا أننا بصدد شراء محطة سي إن إن لتحويلها إلي قناة مختصة بملكات جمال الإبل، وانتهي الموضوع علي ذلك، أو هكذا ظننا... واليوم، كي يثبت الديوان براءته، تقدم بشكوي جوفاء ضد الزميل الجاسم. ومن يعرف الكويت قبل رئاسة ناصر المحمد، أي قبل عام 2006، يعلم أن أصحاب المليارات كانوا هم ذوو السطوة والحظوة في الكويت، لكنهم اليوم يصطفون علي الجانبين وينحنون عند مرور مولاهم الإمبراطور الجديد، رجل الأعمال الذي انفجرت أنهار الذهب من تحته فجأة، وفي غفلة من الناس، والذي يتحدث العربية المكسرة، وبلهجة إيرانية خالصة، وقد سميته «الضبعة»، وسماه الزميل الجاسم «كوهين الكويت». فإذا رفع «الضبعة» عصاه طأطأت رءوس أغلبية علية القوم. حتي رئيس البرلمان، جاسم الخرافي، أحد أثري أثرياء العالم، صاحب التصريحات الملساء التي يتزحلق عليها الشعب، وكأنها مدهونة بنيفيا يا ولد عمي، ها هو يجلس بكل أدب أمام الضبعة، رغم تنكيل الضبعة به، ورغم مطاردته إياه من شركة إلي شركة لإجلائه واحتلال مكانه ومكانته. والمضحك إلي درجة الإغماء هو وجود الخرافي اليوم في إيران، بعد أن قبضت الكويت علي شبكة التجسس الإيرانية، ويبدو أن صاحبنا ذهب ليعتذر عن القبض علي الشبكة. الضبعة استحوذ علي ست أو سبع قنوات فضائية، دفعة واحدة، إضافة إلي أنواع من الخدمات الإخبارية، وصحيفة إلكترونية، وصحيفة ورقية خضراء إيرانية الهوي متشددة النهج، لا يكتب فيها إلا الشيعة، وليس لها من هدف إلا زرع الفتنة بين أطياف الشعب. وتحدث الناس عن العلاقة الغريبة بين الرئيس والضبعة وعن مصدر أموال الضبعة، وعن تدخل الاستخبارات الأجنبية، وعن أن الضبعة هو الذي يقترح أسماء بعض الوزراء علي الرئيس، بل يفرضهم عليه أحياناً، والرئيس ولا هو هنا، مشغول بالشيكولاتة. وخلال فترة وجيزة، أتي من هناك من يدّعي أنه زعيم الشيعة في الكويت (رغم اعتراض عقلاء الشيعة)، لا يملك إلا جهاز فاكس، لكنه فاكس لم يُخلق مثله في البلاد، لا يعطل ولا يتوقف ولا ينفد حبره ولا أوراقه. وراح يزرع الفتنة بواسطة فاكسه النووي، وشكّل ثنائيا سامّاً مع الضبعة. ولاحقاً انضمّ إليهما رئيس جمعية حقوق الإنسان، الشيعي المتشدد، فشر أحمدي نجاد والباسيج، رغم تظاهره بالليبرالية، الذي حوّل الجمعية إلي قطة سيامية تتحكحك علي رجلي رئيس الحكومة. وقبل نحو شهر، لمّح الضبعة في جريدته إلي أن الجاسم سيلقي العذاب وبئس المصير، فتوترت أعصاب الناس، وغلت الدماء في عروق الكويتيين، وصدقَ الضبعة. وما لم يتم إخلاء الأسواق من الشيكولاتة، فستسمعون قريباً عن حربٍ أهلية، ومجازر في شوارع الكويت. انتظرونا... أي خدمة؟