نشرت الصحف في عدد يوم الجمعة حادثاً في غاية البشاعة حول طالب بإحدي كليات التجارة يستخدم سيارته الملاكي في ارتزاق لا يحتاج إليه، حيث إنه من أسرة ميسورة أو علي الأقل مستورة، ومنذ عدة أيام ذهب لتوصيل شابين من الوجه القبلي إلي محافظة أكتوبر مقابل ستين جنيها، وحين انتهت التوصيلة وفشل الراكبان في تدبير الأجرة قاما بضرب صاحب السيارة وتقييد حركته ثم دفنه حياً في حفرة عميقة بإحدي المناطق الصحراوية، وذلك رغم استعطاف الشاب وتوسله إليهما بأخذ السيارة وتركه حياً في الصحراء وتعهده بعدم الإبلاغ عنهما لأنه أصلا لا يعرف اسم أي منهما ولا يعرف عنهما أي معلومات أخري، ولكنهما لم يتراجعا عن تنفيذ الجريمة بالغة البشاعة، وقاما بدفن الشاب حياً في حفرة احتاجت الشرطة ساعتين من الزمن لفتحها مرة أخري وإخراج جثة القتيل بعد اكتشاف الجريمة! وقبل ذلك بعدة أيام نشرت الصحف قصة أخري لإحدي الأمهات التي أخفت جثة طفلتها حتي لا تعثر عليها الشرطة وتعاقب عشيق الأم الذي قتل هذه الطفلة حتي لا تعكنن عليه في الوقت الذي يقضيه مع أمها! وفي اليوم التالي لنشر قصة دفن طالب التجارة نشرت الصحف المصرية قصة الشاب المصري الذي اتهمته السلطات اللبنانية بقتل أربعة أشخاص من أسرة واحدة في لبنان والاعتداء علي طفلة عمرها تسع سنوات، وأثناء تمثيله هذه الجرائم بصحبة الشرطة اللبنانية قام الأهالي بقتله والتمثيل بجثته! ومنذ عدة أشهر نشرت الصحف صورة طفل ذي ملامح ملائكية وقالت إن إحدي السيدات قد استدرجته وقتلته حتي تحرق عليه قلب أبيه الذي كان زوجاً لها ثم طلقها وتزوج من أم هذا الطفل! وعلي المستوي الأرستقراطي، قرأنا قصة السيد ضابط الشرطة الذي قام بإطلاق الرصاص علي لاعب سابق بمنتخب مصر لكرة اليد لأنهما اختلفا علي مكان وقوف سيارة كل منهما! وشهدنا علي شاشة إحدي الفضائيات تحريضا من أحد السادة المشايخ الجدد سكان المهندسين ضد لاجئي السودان، وهو التحريض الذي أفضي بعد ساعات من عرض البرنامج الفضائي إلي تدخل رجال الشرطة بالقوة المسلحة ضد اللاجئين وقتل وإصابة عدد كبير منهم! وقرأنا منذ عامين أو أكثر قليلا عن وكيل نيابة قتل أحد المحامين بسبب نزاعهما علي ملكية إحدي الشقق! ونشرت صحف هذا الأسبوع قصة مستشار يعتدي علي زوجته بالضرب المبرح مما أدي إلي إصابتها بجراح جسدية ومعنوية بالغة، وفي النهاية حرمها من رؤية طفلها لأنها رفعت ضده دعوي خلع، واكتشفت الزوجة أثناء هذه المهازل أن زوجها أقيل من وظيفته وأنه مازال يستخدم كارنيه القضاء لمنعها من الحصول علي حقوقها أو رؤية طفلها! وعلي المستوي السياسي نشرت الصحف منذ عدة أيام صور السادة زبائن المجمع الانتخابي للحزب الوطني والمخصص لاختيار مرشحي الحزب لمجلس الشوري، وظهرت في الصور مجموعات من البلطجية يحملون الشوم والأسلحة البيضاء والحمراء استعداداً لخوض معارك مسلحة ضد أنصار أي مرشح منافس، فضلا عن استعراض قوة المرشح الذي يتبعونه وتنفيذ «كارت إرهاب» ضد الحزب والحكومة والأمن لصالح ذلك المرشح! ومازالت تداعيات قصة النواب الثلاثة الذين طالبوا بقتل المتظاهرين تتوالي حتي الآن رغم جهود الحكومة في تبرئة نائبين بسبب جهودهما الأمنية أو لأسباب أخري يعلمها أولو الأمر. ومازلنا نتذكر ونشهد حتي الآن حفلات سب الدين والاشتباك بالأيدي والأحذية بين السادة النواب الحكوميين و أي نائب يحاول الاحتجاج علي المسخرة السياسية والبرلمانية التي تعيشها البلاد. ومازلنا نشاهد علي شاشات التليفزيون أشخاصاً مثل اللواء بباوي - عضو مجلس الشوري - الذي لا يطيق كلمة واحدة ضد الحكومة أو النظام، ويكاد يفتك بأي شخص يتهم الحكومة أو الأمن بالاعتداء عليه. وفي مجال التعليم نسمع كل يوم عن اعتداء المدرسين علي الطلاب، واعتداء بعض أولياء الأمور علي المدرسين، واعتداء بعض الطلاب علي بعضهم البعض، واعتداء مدرس علي ناظر أو مدير مدرسة، فضلا عن التحرش الجنسي الذي يكاد يكون أحد المناهج الثابتة في المدارس الابتدائية والإعدادية وفق ما نقرؤه في الصحف! وفي الملاعب الرياضية وأقسام الشرطة والجامعات والشوارع والحواري والمقاهي والمدن والقري ودواوين الحكومة ووسائل المواصلات والملاهي الليلية «إلخ»، تتكرر أحداث العنف وتصل أحيانا إلي القتل، ومنها حوادث لاتنشرها الصحف لأن أطرافها نجحوا في إخفاء التفاصيل أو لأن أحدهم «واصل» مع الحكومة أو وسائل الإعلام. الأوضاع في مصر صارت قريبة الشبه بأيام «الشدة المستنصرية» التي حدثت في أحد العصور الغابرة بسبب المجاعة، واندفع المصريون أيامها يأكلون بعضهم بعضا في وحشية لم تعرفها البلاد طوال تاريخها. الآن يعاني غالبية المصريين من مجاعة الغذاء، ومجاعة فرص العمل، ومجاعة الاستقرار في وظيفة ذات راتب حقيقي، ومجاعة حقوق الإنسان، ومجاعة تزوير الانتخابات، ومجاعة سيطرة الحزب الوطني الديمقراطي، ومجاعة التعليم الفاشل المتخلف، ومجاعة عدم مساواة الناس أمام القانون، ومئات المجاعات الأخري التي تأخذ بتلابيب كل المصريين وتدفعهم إلي القسوة والوحشية فيما بينهم نظرا لفشلهم في مواجهة حاكم ظالم وحكومة فاشلة ونظام لا يتغير ودستور يحكم علي الناس بعبودية أبدية مطلقة تجاه حكامهم. الجرائم الوحشية التي تشهدها مصر هذه الأيام تمثل نتيجة حتمية للاستبداد والفقر والتخلف والظلم والعدمية، لم يعد الناس قادرين علي توفيق أوضاعهم مع نظام لا يعترف بوجودهم ولا يضعهم في حسبانه أو حساباته إلا عند جباية الضرائب أو حملات الإزالة أو توظيف البلطجية لضرب المتظاهرين والمساعدة في تزوير الانتخابات. قطاع عريض من الشعب المصري في العصر الحالي لم يعد لدي أحدهم ما يبكي عليه، ولم يعد أمام أحدهم حلم أو أمل أو حتي فرصة للهروب من هذا الوطن الظالم، وفي ظروف كهذه لابد أن يتوحش هؤلاء الضحايا ويفقدوا عقولهم ويستبيح بعضهم دماء وأعراض الآخرين حتي لو كانوا لا يعرفونهم وحتي ولو كانوا لا يستحقون منهم هذا العداء الوحشي الرهيب. الأوضاع في مصر تخلق كل يوم المزيد والمزيد من هذه الكائنات الوحشية العشوائية التي تفقد مع الفقر والضياع كل مقومات الآدمية والإنسانية والدين والأخلاق، ويندفع كل منهم لتنفيذ أي نوع من الجرائم ضد أي شخص تضعه الأقدار أمامه، فهذه الكائنات لا تعرف طريق النظام أو الحكومة أو الدستور أو الأمن أو بيت المال، ولكنها تعرف فقط أن عصفوراً في اليد أفضل من مائة علي الشجرة، وهي تعيش يوماً بيوم، ولا يملك أحدهم ترف التفكير في الغد أو الحلم بالمستقبل أو حتي انتظار رحمة السماء! لا تستهينوا بهذه الظاهرة، فالوحوش التي يصنعها النظام المصري هذه الأيام لا تختار ضحاياها وفق أي قواعد يمكنكم فهمها، ولكنهم عشوائيون مثل خالقيهم!!