من فرط إحساس الحكومة عندنا بأننا مسكناها في حالة تلبس في قضية مياه النيل فهي تتصرف الآن علي طريقة عماشة عكاشة شعبان رمضان! أما عماشة فهو المعلم الجاهل الذي لا يقرأ ولا يكتب خفيف الظل والعقل الذي مثَّل دوره الفنان الراحل محمد رضا في فيلمه الشهير «عماشة في الأدغال» وهو أول فيلم مصري يحقق ألف جنيه إيرادات في اليوم، كان هذا عام 1972حيث الألف جنيه يساوي مليونًا بمقاييس أيامنا الحالية. عماشة سافر إلي أدغال أفريقيا، وإلي أوغندا تحديدًا، من أجل العثور علي الكنز الذي تركه له عمه وحين وجده تركه للشعب الأوغندي إكرامًا لماء النيل الذي يأتينا في مصر من بلد هذا الشعب الأفريقي الشقيق. ويقول عماشة في الفيلم كلامًا كثيرًا عن حبنا لأفريقيا بهرتلة من عينة (كيفما كذلك ياربي هلبت فيه إن )، (ولماذا كذلك هكذا يا للعجب)، وهو ما يؤكد لك أن المعلم عماشة هو الأب الشرعي للغة اللمبي الحالية، وقد تخلت مصر ما بعد عماشة في الأدغال عن مساندة ودعم العرب وأفريقيا، وارتفعت فيها شعارات الندالة السياسية التي تتسم بها ثقافة المصريين حتي الآن، حيث يعلن المسئولون وكثير من شعبنا للأسف أن مالنا ومال العرب، إيه أفريقيا دي راخره، فلسطين ودتنا في داهية.. وهذا الكلام الفارغ المبني علي نفخة كذابة ليس لها أصل ولا فصل وينطق بخسة إنسانية نمت وترعرعت مع ظروف القهر والزيف التي نعيشها، حيث يتعامل المصريون مع الأفارقة بمنتهي العنصرية الفجة والرخيصة، سواء ونحن نقتلهم ونضربهم وهم لاجئون في شوارع المهندسين أم علي حدود سيناء، حيث نتعالي عليهم وكأننا شعب الله المختار. تخلت مصر عن مكانتها وعن قيادتها عندما تخلت حكومة وشعبًا عن أخلاقها وقيمها بما فيها قيم «عماشة في الأدغال»! وعندما ظهرت رواية «الحفار» للكاتب العظيم الراحل صالح مرسي، وتدور أحداثها حول العمل البطولي الذي نفذته المخابرات المصرية حين دمرت حفارًا للتنقيب عن البترول اشترته إسرائيل للحفر في سيناءالمحتلة فاستطاعت المخابرات المصرية تشكيل فريق من الأبطال نجحوا في نسفه وتدميره في الساحل الأفريقي حيث كان في طريقه حول أفريقيا للوصول للبحر الأحمر ثم سيناء.. انتشرت معلومات في الوسط السياسي والصحفي عن أن الفيلم الذي تقول الرواية إن رجال المخابرات تنكروا داخل تصويره في أفريقيا باعتبارهم فنيين وفنانين للتغطية علي العملية السرية كان هو فيلم «عماشة في الأدغال» حيث يتطابق تاريخ تصويره مع تاريخ عملية تدمير الحفار، كما أن الفيلم كان عملاً مرتجلاً، وكأنه قد تم تصويره علي عجل وبدون أي استعداد لدرجة أن السيناريو كان مهلهلاً ومفككًا رغم نجاح الفيلم منقطع النظير، يومها سألت كاتبنا الكبير صالح مرسي وكنت أقرب أبناء جيلي إلي قلبه حتي مات - رحمه الله-: - هل «عماشة في الأدغال» هو فعلاً الفيلم الذي ذكرته في «الحفار» وكان تغطية لعملية المخابرات؟ وأحتفظ الآن بإجابة صالح مرسي، لكن كل ما أخشاه أن ينزل الدكتور نظيف ورجاله إلي أفريقيا بدون جدعنة «عماشة» بل مسلحين فقط بلغة «عماشة» حيث لماذا كذلك هكذا يا للعجب!