تناولت السينما المصرية فى ثمانينيات القرن الماضى رواية الأديب العالمى نجيب محفوظ فى فيلم حمل اسم الرواية «الشيطان يعظ».. تألق فيه نجوم مصر الكبار، فريد شوقى وعادل أدهم ونور الشريف وتوفيق الدقن ونبيلة عبيد.. ومحمد البرادعى وطابوره الخامس وعسّاسوه ودسّاسوه، ونخبة من أهم العملاء والناشطين فى مناحى الخيانة، وعقد صفقات البيع الوضيع على طاولات المشاع، لكل من يسيل لعابه على بيع وطنه وأرضه وعرضه تنفيذا لمخططات الواعظ الأكبر فى بلاد العم سام، الذى سمّم العالم بأوهام الديمقراطية، فجعل منها الوصفة السحرية والخلطة الجهنمية، لما يجب أن تكون عليه شياكة السياسة، التى لا يزال يلهث وراءها حكام وشعوب منهكة الإرادة، أعياها البحث عن خير وطن تبدّد على أيدى فاسدين ولصوص وذوى حظوة. وباسم الديمقراطية الوثيرة المعلّبة فى أمريكا بخلطة سموم العم سام السحرية.. قسّمت أوطان، وشرّدت شعوب ونهبت ثروات وخيرات، وذلّ شرفاء.. وزرعت فتن وانقسامات وغلّ وعنف وإرهاب. ومكنت عصابات وعشائر وخوارج من بوابات الاختراق عند مداخل السطو اليسير، ليفسحوا الطريق ويمهدوه لبطش الشيطان الأعظم الذى يهبط خالعا أقنعة الوعظ، كاشفا عن وجهه القبيح.
كشفت الأزمة الحالية المفتعلة بسبب صدور قانون التظاهر عن امتداد سافر لفكرة تدمير استقرار الوطن، وبما يتفق مع تنفيذ مخططات توابع الإخوان من الخوارج، لكنه فى هذه المرّة وجه بلا لحية، ودون علامة رابعة الصفراء ذات الأصابع المستفزّة لمشاعر الشعب المصرى، ودون هرتلة الإخوان وغياب حجّتهم، وانعدام ثقافتهم فى المنطق والإقناع فى لغتهم شديدة التخلف. هؤلاء نشطاء وناشطون ومنشوط بهم، فعلاء وفاعلون ومفعول بهم، لهم حصة دائمة ومصانة فى الخروج علينا عبر شاشات التليفزيون فى برامج الحوار الاستنزافى المستخف بوعى المصريين وقدرتهم على الفرز. نراهم دائما ينتحبون ويتشحتفون من أجل الإنسان وحقوقه وديمقراطيته، مؤازرين له عند تأديبه لما اقترفت يداه فى حق الوطن.. يريدونه دائما دلوعا منعما مبغددا حتى لو بصق فى وجه رئيس الدولة!!
هؤلاء الناشطون الحقوقيون الفاعلون النافرون من البيادة العسكرية، أصحاب الأرتيكاريا من ضبّاط وزارة الداخلية، هم أصحاب قناع نائم فى دفء الروح الثورية، بدعوى لا لحكم العسكر، ولا لسطوة الأمن، ولا لأى محاولات للردع والحسم لوقف الفوضى والتخريب والتسيّب، ولا لقوانين تؤكد وجود الدولة، أو بقاء سطوتها وهيبتها، ولا لقهر باسم يوسف حين حاول تمرير إهانة مصر وجيشها وإرادة شعبها، باستظراف توهّم من خلاله أن هذا الشعب هايف، يهوى الضحك عمّال على بطّال.. لكنه فوجئ مصدوما بوعى ويقظة مشاهديه، وهم من أوقفوه هو وبرنامجه فعليا، فكان القرار قرارهم، والوعى وعيهم. والأعجب من هذه الواقعة هو تكرار نفس محاولات جسّ نبض المصريين واختبار يقظتهم ووعيهم.. فيعود من عاد، بعد أن يئس ورحل برحيل كاهن المؤامرة الأعظم.. ثم ما يلبث أن يعود إلينا فى ثوبه الجديد، كاسيا وجهه بطبقات متراكمة من المساحيق والمكياج لعله يخفى قسمات الغل والاحتقان المسيطر على ملامحه، أو لعله يمرر ما يشاء من سموم الفتن، ما ظهر منها وما بطن!! فيفلت منه صبره أحيانا، ويفلت منه فكره الناقم أحيانا أخرى، وهو غير مدرك لافتضاح أمره فى اختيار ضيوف بعينهم، جاؤوا ليعينوه على التخفى وراء ستار الحيادية، الذى اهترأ من مشاهد التمثيل البلهاء.
الشيطان فى الأرض هو ليس بالضرورة نفس الشيطان الذى عصى ربه ورفض السجود لآدم.. لكن الشياطين تعدّدت وجوههم المنسوخة بكفر من وجه الشيطان الأعظم.. الذى درّب وربّى ونشر كتائبه من وعّاظ الثورات.