أعرف أن "الإخصاء" ضعيفة لُغوِيًّا، ولكنها مع هؤلاءِ تصبحُ صحيحة إذ لم يتركوا شيئًا صحيحًا إلا ولعبوا فيه وأضاعوا كتالوجاته ليأخذونا إلى الظلمات والسراديب، ويعودوا بنا إلى الجاهليةِ الأولى! كنتُ أعدّ مقالا وداعيًّا أحيي فيه الدكتور كمال الجنزوري، الفدائي البطل الذي حملَ على كتفيه ما لا يطيقه جبل، ولكنه لم يعجب! وكنتُ أريد أن أتساءلَ عمّا وراء الحرب ضد محمد أبو العينين وشركاته (ولي عليه ملاحظاتٌ لا حصرَ لها) ومَن المستفيد من تخريب المشروعات الناجحة بالرغم من الصراخ ليلَ نهار من أجل أن نزقّ العَجَلَة عجَلَة الإنتاج ولا أظنّ الأمر يخلو من مؤامرة على أبو العينين (أحد رموز الفلول، ولكنه في نهاية الأمر رجل أعمال ناجح، وفي رقبته آلاف الأسر! وإن كانت له أخطاء فالقانون قانون على الجميع). كانت الأفكارُ تتزاحمُ وتتقاتل ليفوز في النهاية السيد الدكتور أحمد فهمي رئيس مجلس الشورى وتابعه الباشمهندز فتحي شهاب الدين، رئيس لجنة الثقافة والإعلام بالمجلس المذكور، والذي قد يعرفُ في كلّ شيء وأيّ شيءٍ إلا الثقافة والإعلام! قبل كلّ شيء.. لا أدري سببا منطقيّا لوجود مثل هذا المجلس الكسيح الذي وصفه البعض بأنه مجرد قهوة معاشات! بينما أراه أدنى من ذلك، هو شيء هلامي لا قيمة له ولم يفعل شيئًا يُذكر منذ زرعه السادات في صحراء الديمقراطية الوهمية في العام 1979م، ولو أنفقنا ما يستنزفه هذا الذي لا قيمة له في بناء مساكن للشباب، أو علاج الغلابة أمثالي، أو إنشاء مشروعات صغيرة لملايين العاطلين لكان أعظم وأكرم، لكن أن ننشئَ هذه الكيانات الشكلية الفارغة ونلقمها ملايين الجنيهات في كلّ عام فهذا هو السّفه إلى حدّ الجنون، ولو أبقى الدستور على خيال المآتة هذا، فعليه العوض ومنه العوض! رئيس المجلس الحالي أستاذ في العلوم الصيدلية (الفارماكولوجي)، وهو كقرينه رئيس مجلس الشعب المنحل -قد يفيد الوطن في مجالٍ آخر غير هذا التمثيل الوهمي، فقد يكون لأبحاث الدكتور فهمي وتجاربه المعمليّة المتفرّدةِ دورٌ مهم في محاربة دودة البلهارسيا أو لدغة العقرب أو عضّة الحنش أو قرصة الناموسة، لكن أن يتصدّى المجلس برئاسته لابتكار طريقة لقتل الصحافة المصرية ووأدها بشكلٍ لم يخطر ببال أباليس الحزب الوطني المنحط (ابن عم المنحل) فهذا من عجائب الأقدار التي حدفتها الثورة المباركة على رأس الشعب المصري الثائر الغلبان، ذلك الشعب الذي لو كان يعلم بأن ثورته سيتم السطو عليها في وضح النهار والمتاجرة بها بلا خجل وبلا تأنيب من ضمير لما قام بها! الشعب قام بثورته من أجل الحرية والعدالة لا من أجل حزب "الحرية والعدالة"!! الحريّة لكلّ الشعب وفي مقدّمتها حريّة الرأي التي يريد مدّعو الحرية أن يخمدوها ويردموا عليها! حريّة الرأي التي تعني في المقام الأول تلك الآلاف المؤلفة من الأقلام الشريفة التي أضاءت تاريخ مصر على مرّ العصور بالرغم من وجود مئات أو آلاف الأقلام النجسة التي لا تستسيغ الشرف ولا تعرف الكرامة ولا تسمع عن الأمانة والصدق، غير أن قطار الزمن لا يرحم، ومصفاة الزمن بعيون واسعة لا تستبقي إلا مَن يستحق البقاء، وإذا كان الحزب الوطني المنحط بكل جبروته- لم ينجح إلا في استمالة عدد من هؤلاء البيّاعين والطبّالين، ولم يستطع أن يكسر شوكة حَمَلَة رسالة التنوير والتثوير المقاتلين بأقلامهم وآرائهم من أجل المستقبل، فكيف لنا أن نتخيّل أن يلعب هذا الحزب "النونو" بمقدّرات الصحافة ورجالها؟ هذا الاختراع الخبيث من أناس قد يطيرون في لحظة بحكم من المحكمة لا يجب الاستسلام له أو القبول به، لا أحد يستطيع إطفاء نور الصحافة أو تكسير الأقلام أو تكميم الأفواه، "عايزنا نرجع زي زمان؟ قل للزمان ارجع يا زمان"! هذا الوهم، الحمل الكاذب، الذي يعيش فيه سارقو الثورة لا يعدو أن يكون حفنة من غبارٍ في أعماق الصحراء في ليلة سوداء عاصفة! أغلبيتهم الوهمية سقطت في الوحل بسقوط المجلس المنحل، أشجار الكراهية تملأ الشوارع الآن وتلقي ثمارها المرة في أفواههم، السحب من الرصيد على المكشوف، والنزيف لن تمنعه حقن الدكتور فهمي ولن توقفه الوصفات النباتية للدكتور الكتاتني، الشعب خرج من القمقم وأفاق تمام الإفاقة، وإن كان الإخوان لا يدركون أن شعبيتهم تتآكل فهنيئا لهم الوهم وأحلام اليقظة. حلم السطو على الصحافة وإقصاء أهل الرأي المستنير لصالح القادمين من الظلمات ليجرّونا إليها لا يليق أن يصبح حقيقة، لا أتخيل أن يقبل الصحفيون المحترمون بذلك، وإن كانت هناك قلّة من راكبي الموجة ومن أهل القفز في سلّة المنفعة الخاصة أو "فئران السفينة" كما يقولون، فلا أظن أن يقبل السواد الأعظم من حمَلَة رسالة التنوير -ولو كره الإخوان- أن يتحكّم فيهم السيد الدكتور أحمد فهمي وواحد اسمه فتحي شهاب الدين علاقته بالصحافة في أقصى تجلياتها لا تزيد عن كونه قارئا بالصدفة، وقد لا يكون رأى تسعين بالمائة من الصحف المصرية إلا بعد أن زقّته الصدفة الهباب ليكون رئيسا للجنة الثقافة والإعلام بذلك المجلس الاستنزافي الذي لا مبرر لوجوده ولا لبقائه، والذي أحلم بحلّه وإنهاء وجوده إلى الأبد، هذه المكيدة الخبيثة ليست سوى سطر أو درجة في بروتوكولات العابثين الجدد، الحالمين بالمستحيل، القابضين على الوهم، الذين يظنون أن الأيام تمشي بظهرها، وأن المارد المصري الذي خرج من القمقم سينحني ويُقبّل يد كبيرهم، ثمّ يرقص لهم "عشرة بلدي" ويعود إلى قمقمه لينام نومة أبدية!! هل تنجح خطة الدكتور فهمي وتابعه شهاب الدين في إلقاء القبض على رؤوس الصحف المصرية وإدخالها في سرداب الظلمات؟ لا أظنها تنجح وإن زيّنت لهم شياطينهم ما يصنعون، وإن كان ذلك كذلك فليس أمامي الموقّع أعلاه سوى أن أدعو إلى إضراب شامل في جميع الصحف -حكومية وخاصة لمدة أسبوع لا تخرج فيه ورقة واحدة بها حرفٌ واحد إلى الشارع، وليأتِ الأخ فهمي وتابعه شهاب الدين بمن يكتب ويُخرج ويطبع ويوزّع، ليس أمامنا سوى أن نقاتل من أجل إفساد مفعول هذه الحقنة الخبيثة القاتلة، وإلا فلنجلس من الآن لنتلقّى العزاء في كرامتنا وشرف رسالتنا، ونعلن عن هزيمتنا أمام واحد اسمه فتحي شهاب الدين قذفته الصدفة ليتحوّل من قارئ بالصدفة إلى صاحب الرأي الأوّل على أعظم أسياد الرأي في هذا الوطن الذي يصنعُ الأبطال و..... العجائب!!