أعتقد أن واحدة من المشكلات الكبري التي يواجهها الحزب الوطني خصوصًا عند اتخاذ قراراته الصادمة أو تبرير تصرفات حكومته المستفزة هي القدرة علي مواجهة الإعلام الخاص، والذي يعتبر المنبر الحقيقي لكل القوي والتيارات السياسية المناوئة له، وقد أخطأ الحزب الوطني طويلاً - وليته يستمر في خطئه- حين ترك البعض من قيادات المستوي الأوسط فيه ممن لا يملكون الحد الأدني من القدرة علي الإقناع يتصدون للدفاع عنه في مناسبات عديدة كان الحزب فيها في أمس الحاجة لأشخاص يتمتعون بقدرات خاصة وعبقرية علي المغالطة في مخاطبة الرأي العام، خاصة أن مهمَّتهم تبرير ما لا يمكن تبريره وتفسير ما لا يحتمل التفسير، ولقد كنت أتصور أحيانًا أن الإعلام الخاص في اختياره ضيوفه من رجال الحزب الوطني يتعمد أن يجعل منهم «فُرجة» للمشاهد حين يرتبكون في مواجهة الخصوم ويتلعثمون في تبرير المواقف ويتخفّون خلف الزعيق والصوت العالي ليستروا ضعف حجتهم وقلة حيلتهم، بينما كنت أظن في أحيان أخري أن الحزب يترك لهذه الشخصيات تلك المهمة الصعبة حتي لا يخسر البقية الباقية من المصداقية المتآكلة لقياداته الأهم. وفي بادرة جديدة وعقب ساعات من موافقة مجلس الشعب علي تمديد العمل بقانون الطوارئ أطل علينا الدكتور «علي الدين هلال»، أمين الإعلام بالحزب الوطني، من خلال برنامج «العاشرة مساءً» ثم تبعه الدكتور «محمد كمال»، أمين التدريب والتثقيف بالحزب، في مساء اليوم التالي من خلال برنامج «48 ساعة» في تتابع يسترعي الانتباه، فالرجلان - في رأيي - من القلائل داخل الحزب الذين يجيدون التعاطي مع الإعلام لما يملكانه من خلفية ثقافية وسياسية واسعة وما يميزهما من هدوء الأعصاب والقدرة علي المناورة، فبينما يمتاز الأول بقدرته علي أن يشعرك أنه ابن بلد حقيقي يشاركك الجلوس علي المقهي ويعرف تمامًا ما يدور في رأسك، يتميز الثاني بهدوئه الواثق وطلاقة أفكاره، ويشترك الرجلان في اعتناق أحد أهم مبادئ علم التفاوض السياسي والاجتماعي الذي يعلمك أن تحرص علي عدم استفزاز من يحاورك بأن يكون ردك دائمًا علي كل ما يطرحه من آراء لا تتفق معها بقولك؛ نعم ياسيدي ولكن... لقد شكا الدكتور هلال من تربص الإعلام الخاص بالحزب الوطني وانحيازه إلي جانب المعارضة أثناء الحوارات التي تستضيف غالبًا أحد قيادات الحزب في مواجهة عدد أكبر من المعارضين ينضم إليهم مقدم البرنامج دائمًا، وهذه حقيقة سببها أن الإعلام الخاص - رغم حرصه عند الضرورة علي مجاملة الحزب الوطني وتجنب إحراجه - يعرف جيدًا أنه يستهدف المشاهد البسيط، وأنه لكي يحظي بنسبة مشاهدة عالية تضمن له جزءًا أكبر من كعكة الإعلانات ليس عليه فقط أن يقدم ما يهم المشاهد وإنما عليه أولاً أن يقدم ما يصدقه المشاهد، وهو ما يجعل من مقدم البرنامج خصمًا حقيقيًا لرجل يدخل إلي الاستوديو مجردًا من أسلحة الحق والعدل ومتجاوزًا كل مفردات المنطق والعقل ومتسلحًا فقط بسلاح شعاره الحقيقي «هيّ كده وإذا كان عاجبكم»، ولأنني أثق تماما أن الدكتور هلال يدرك ذلك جيدًا فقد تعجبت كثيرًا من إقراره بأن هناك خطة يتولاها خبراء أجانب لتدريب قيادات الحزب علي مواجهة الرأي العام في خطوة تعكس الاعتراف بضعف قدرات كوادر الحزب وفشلها، فإذا كان هذا التدريب (الأقرب لتدريبات صناعة النجوم) سيصلح من عيوب الخطاب ويدعم قدرة الأفراد علي المواجهة وعدم الارتباك، ويعلمهم كيفية استعمال تعبيرات الوجه ولغة الجسد أثناء الحوار، فماذا سيفعل أمام الحجة الغائبة والمنطق الضائع؟!!، وكيف سيمكنهم من إقناع من منعه الأمن من الإدلاء بصوته بنزاهة الانتخابات؟! وبماذا ينصحهم الخبراء حين يُسألون عن شيوع الرشوة والفساد بينما لا يعرف الخبراء أصلاً معني الرشوة والفساد؟!. ربما أكون علي صواب حين أتصور أن لقاء أمين الإعلام مع برنامج «العاشرة مساءً» ولقاء أمين التدريب والتثقيف مع برنامج «48 ساعة» كانا جزءًا من عملية تجميل مفترضة لخطاب الحزب الوطني بعد أن ملأت التجاعيد وجهه وشوهت ممارسات حكومته وتصريحات قادته ملامحه، ولكننا لو انتبهنا إلي أن كلا الرجلين كان ضيفًا منفردًا علي البرنامج ممسكًا وحده بناصية الحوار.. مطمئنًا لعدم إحراجه بما يفوق قدرته علي الالتفاف.. متحدثًا عن الطوارئ في عجالة تستحق التأمل، لأدركنا صعوبة نجاح العملية ولفهمنا كيف تم ترتيب اللقاءين.. وهي وجهة نظر لكي أتأكد من صحتها.. «عيني في عينك يا مُني».