الأنبا إكليمندس يشارك في ندوة مرور 60 عامًا على وثيقة "نوسترا إيتاتي"    خبير اقتصادي يكشف توقعات أسعار الذهب في 2026    مواجهات عنيفة بين فلسطينيين وقوات الاحتلال في مخيم العروب بالضفة    نائبة أوكرانية: مقترحات السلام الحالية غير واقعية وروسيا تسعى للسيطرة    جيش الاحتلال الإسرائيلي يصيب فلسطينيين اثنين بالرصاص شمال القدس    إسرائيل ترد على طلب ترامب بالعفو عن نتنياهو: الديمقراطية فوق كل اعتبار    الجيش الباكستاني يعلن مقتل 9 مسلحين في عمليتين استخباراتيتين بولاية خيبر باختونخوا    انطلاق مباراة ليفربول وليدز يونايتد.. محمد صلاح بديلا    قرار قضائى جديد فى محاكمة المتهمين ب "رشوة مصلحة الضرائب"    السجن 3 سنوات لشاب بتهمة سرقة أسلاك كهربائية من مقابر بقنا    بحضور قيادات المحافظة.. إنهاء خصومة ثأرية بين عائلتين ببني سويف صور    أصالة تحسم الجدل حول انفصالها عن زوجها فائق حسن    سكرتير عام الجيزة يتابع جهود رفع الإشغالات وكفاءة النظاقة من داخل مركز السيطرة    كين يقود بايرن لاكتساح شتوتجارت في الدوري الألماني    سقوط إمبراطورية المال السياسي تحت فرمان الرئيس السيسي    ب 10 جنيهات، هشام الجخ يكشف بداياته من حفلات "الأندر جراوند" إلى القمة    خالد محمود يكتب: أفضل أفلام 2025    محافظ الأقصر والسفيرة الأمريكية يفتتحان «الركن الأمريكي» بمكتبة مصر العامة    صحة المنوفية تتفقد 3 مستشفيات بمنوف لضمان انضباط الخدمة الطبية    اسكواش – تأهل عسل ويوسف ونور لنهائي بطولة هونج كونج المفتوحة    عمر مرموش يشارك فى مباراة مان سيتي ضد سندرلاند قبل 20 دقيقة من النهاية    بدء فرز الأصوات على جدول أعمال عمومية المحامين لزيادة المعاشات    الفريق أحمد خليفة يلتقى رئيس أركان القوات المسلحة القطرية    بيطري الشرقية: استدعاء لجنة من إدارة المحميات الطبيعية بأسوان لاستخراج تماسيح قرية الزوامل    الإعدام لمتهم والمؤبد ل2 آخرين بقضية جبهة النصرة الثانية    هيئة الكتاب تهدي 1000 نسخة من إصداراتها لقصر ثقافة العريش دعمًا للثقافة في شمال سيناء    لليوم السادس التموين تواصل صرف مقررات ديسمبر حتى 8 مساء    عمرو عابد يكشف سر عدم تعاونه مع أبطال «أوقات فراغ»    "الشرع": سوريا تعيش حاليًا في أفضل ظروفها منذ سنوات.. وإسرائيل تصدّر الأزمات إلى الدول الأخرى    نظام «ACI».. آلية متطورة تُسهل التجارة ولا تُطبق على الطرود البريدية أقل من 50 كجم    إطلاق الشهادة المرورية الإلكترونية رسميًا.. خطوة جديدة نحو «مرور بلا أوراق»    الاتصالات: 22 وحدة تقدم خدمات التشخيص عن بُعد بمستشفى الصدر في المنصورة    هذا هو موعد عرض فيلم الملحد في دور العرض السينمائي    ضبط عاطل اعتدى على شقيقته بالمرج    الدوري الإنجليزي.. موقف مرموش من تشكيل السيتي أمام سندرلاند    لماذا يزداد جفاف العين في الشتاء؟ ونصائح للتعامل معه    مواعيد مباريات دوري كرة السلة على الكراسي المتحركة    مفتي الجمهورية: التفاف الأُسر حول «دولة التلاوة» يؤكد عدم انعزال القرآن عن حياة المصريين    احذر.. الإفراط في فيتامين C قد يصيبك بحصى الكلى    المرحلة النهائية للمبادرة الرئاسية «تحالف وتنمية»: قبول مبدئي ل9 تحالفات استعدادًا لتوقيع البروتوكولات التنفيذية    15 ديسمبر.. آخر موعد للتقدم لمسابقة "فنون ضد العنف" بجامعة بنها    الشرع: إسرائيل قابلت سوريا بعنف شديد وشنت عليها أكثر من ألف غارة ونفذت 400 توغل في أراضيها    وزير الصحة يشهد انطلاق المسابقة العالمية للقرآن الكريم في نسختها ال32    الإعلان التشويقى لفيلم "القصص" قبل عرضه فى مهرجان البحر الأحمر السينمائى الدولى    فيلم السلم والثعبان.. لعب عيال يحصد 65 مليون جنيه خلال 24 يوم عرض    الزراعة توزع أكثر من 400 "فراطة ذرة" مُعاد تأهيلها كمنح لصغار المزارعين    مواقيت الصلاه اليوم السبت 6ديسمبر 2025 فى المنيا..... اعرف صلاتك بدقه    حارس بتروجت: تتويج بيراميدز بإفريقيا "مفاجأة كبيرة".. ودوري الموسم الحالي "الأقوى" تاريخيا    وزير الأوقاف يعلن عن أسماء 72 دولة مشاركة في مسابقة القرآن الكريم    تحليل فيروسات B وC وHIV لمتعاطي المخدرات بالحقن ضمن خدمات علاج الإدمان المجانية في السويس    السيسي: سنعمل على تذليل أي عقبات لضمان نجاح مشروع المدارس اليابانية بمصر    السيسي يوجه بمحاسبة عاجلة تجاه أي انفلات أخلاقي بالمدارس    اندلاع حريق ضخم يلتهم محتويات مصنع مراتب بقرية العزيزية في البدرشين    وزير الأوقاف: مصر قبلة التلاوة والمسابقة العالمية للقرآن تعكس ريادتها الدولية    فليك يعلن قائمة برشلونة لمباراة ريال بيتيس في الليجا    الصحة: فحص أكثر من 7 ملابين طالب بمبادرة الكشف الأنيميا والسمنة والتقزم    الصحة: توقعات بوصول نسبة كبار السن من السكان ل 10.6% بحلول 2050    منتخب مصر المشارك في كأس العرب يواجه الإمارات اليوم بحثا عن الانتصار الأول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. هبة رءوف عزت تكتب: نظرات في القوة.. والتمكين
نشر في الدستور الأصلي يوم 16 - 05 - 2010

مسيرة مفهوم القوة وتجلياته في العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية مسيرة معقدة، ناهيك عن مسيرته في العلاقات الدولية، لكن الذي يميز هذا المفهوم أنه عصب ومركز فهم المجتمع الإنساني من أصغر وحدة وهي الفرد إلي أكبر وحدة وهو العالم. فضلاً عن أنه يمكن أن يكون محكاً للقياس بين عالم البشر وعالم الطبيعة حين نقارن بين القوة والطاقة، وبين أشكال القوة المعنوية وتحولات الطاقة المادية، وهي المقارنة التي شغلت العلوم الاجتماعية حين سبقتها العلوم الطبيعية في مضمار الضبط والقياس، فسعت العلوم الاجتماعية والإنسانية بدورها لتطوير نظريات لضبط وقياس الفعل والسلوك الإنساني، لكن هيهات. فالإنسان ليس مادة فحسب بل هو جماع مكونات معقدة من المادة والعقل والعاطفة ورغم أننا يمكن أن نتنبأ بالسلوك أو ندرس الثقافة لكن ستظل هناك مساحة ومسافة من الإرادة الإنسانية يمكنها أن تقلب كل الحسابات والتوقعات رأساً علي عقب.
من هنا فإن النظريات التي تبنت تعريف أن القوة هي قدرة طرف علي ممارسة التأثير في طرف آخر وإقناعه - أو إجباره - علي فعل شيء أو منعه من الإقدام علي فعل شيء قد شهدت مراجعات عديدة لتضم لذلك التأثير النفسي من قوة معنوية (علاقات تقليدية أو شخصية كاريزمية)، وكذا القدرة علي الهيمنة علي الوعي وتزييفه كي يتحرك الناس وهم يظنون أنهم يختارون في حين أنه قد تم تشويه رؤيتهم للواقع.
انشغل الأدب بهذا أيضاً منذ القرن الماضي، فمثلاً في رواية 1984 يحدثنا أورويل عن نظام يفلح في تدجين البشر والتحكم فيهم وتطبيعهم علي سلوك واحد، وفي رواية «عالم جديد شجاع» يتناول آلدوس هاكسلي واقعاً متخيلاً شبيهاً بذلك، لكن الحلقة المفرغة يتم كسرها حين يتمرد أحد الناس علي تلك المنظومة، ويبقي السؤال معلقاً في النهاية يمكن أن يتم تحدي النظام وهدمه وتأسيس نظام جديد، فهل ينجح الفرد في تحريك قلة تقود التغيير وتؤدي لنهاية الكابوس؟!
وتدرس النظريات السياسية أشكال القوة، لكن الآلة الأكبر للقوة في العصر الحديث هي الدولة بامتياز، فقد صارت الدولة القومية هي مركز القوة ومحركها، والمتحكم في مصادرها المادية، وهي التي تشكل عبر منظومة التعليم والتحكم في توزيع الموارد وأدوات استخدام العنف ومنظومة التشريع والقانون شكل العلاقات الاجتماعية وتكوين النخب.
وقد شهد العالم تغيرات في القرن الماضي أربكت أيضاً المنشغلين بنظريات القوة، أولها ظهور أطراف جديدة في العلاقات الدولية خلاف الدولة هي الشركات العابرة للقارات من ناحية لتمثل هيمنة رأس المال وتكمل مسيرة الاستعمار القديم في التحكم في الموارد والأسواق العالمية، وفي مقابلها نمو شبكات عالمية من التضامنات الاجتماعية وحركات مناهضة سيطرة رأس المال العالمي ومقاومته، وحركة ضد الحرب وحركات البيئة وغيرها. علي جانب آخر عادت القوة السياسية والاجتماعية للدين في كل التقاليد والحضارات، ليخرج من أسر الحياة الخاصة التي أرادت الحداثة أن تحبسه فيها عبر عمليات العلمنة، والتي قادتها آلة الدولة أيضاً التي هي تجلي العقل المادي بامتياز، وفي النصف الثاني من القرن ظهر عالم جديد هو عالم الإنترنت وعالم الفضائيات بكل فرصه ومخاطره والذي ساعد علي كسر الهيمنة علي العقل وتنظيم جهود المقاومة المدنية والاجتماعية وفضح شبكات القوة المهيمنة وتوفير المعلومة في مجالات عديدة.
لكن كل رؤيتنا للقوة ارتبطت بالكبير والضخم، ونسينا في خضم تلك التحولات أن القوة في البدء هي خصيصة إنسانية فردية، وأن فرداً واحداً يمكنه أن يكون أمة، ويغير العالم.لكن رهان القوة الغاشمة هو أن تشعر الفرد بأنه غير ذي قيمة، وهو ما تفعله أداة الترويع والتعذيب، وتفعله أدوات الإعلام، وتصوغه ماكينة التعليم في الدول المستبدة.
لذلك فإن قرار فرد واحد بأن يتحدي المنظومة ويخرج ليقول إني أري الملك عارياً، أو يأتي من أقصي المدينة يسعي ليقول يا قوم اتقوا الله، أو يخرج علي الناس ليصادم كل ما آمنوا به اتباعاً لتقاليدهم فأعمي قلوبهم، أو يخرج لمعركة يدرك أنه سيذبح فيها لكن يقول «هيهات من الذلة»، هذا القرار الذي يوجهه يقين وتحركه إرادة يمكنه أن يقلب الأمور ويغير التاريخ.
لا تنظروا بعين الاستخفاف لفرد أو جماعة صغيرة تطالب بالحق وتصبر علي ذلك، ولا تبقوا في انتظار المد الثوري العارم الذي شهدناه في القرون الماضية، تلك الحركات الاحتجاجية الصغيرة محدودة العدد التي نراها كل يوم في مصر هي التي ستحرك الماء الراكد، دون جعجعة ولا ضجيج.
إنها كالنمل الذي سيأكل منسأة صاحب الصولجان، وحين يخر الجسد الميت سيعلم الناس أنه لا يعلم الغيب ولا يملك المقادير إلا الله، فالقوة شروطها ربانية، وسننها إلهية، أما التمكين فهو منحة من الله لمن يأخذون بأسباب القوة بيقين ولا يخافون في الحق لومة لائم، فاصبروا وصابروا ورابطوا وافعلوا الخير لعلكم تُرحمون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.