نية أعضاء لجنة «الخمسين» لترك مسألة انتخاب المحافظين أو تعيينهم على نحو ما يحدده القانون، وعدم النص على آلية اختيار المحافظين كمادة قطعية فى الدستور المصرى، أثارت جدلا واسعا بين القوى السياسية، حيث شددت مجموعة منهم على ضرورة تعيين المحافظين، مستندين إلى الحالة الأمنية التى تعيشها المحافظات الحدودية، من أعمال إرهابية غير مشروعة، فى حين رأت المجموعة الأخرى أن انتخاب المحافظين خطوة فى طريق الديمقراطية، مؤكدين أن المحافظ مهمته الأساسية هى التنمية، بينما تكمن مهمة الجيش فى حماية أرض مصر من أى اعتداء.
أستاذ العلوم السياسية الدكتور جمال زهران، شدد على أنه مع قرار «الخمسين» بتطبيق اللا مركزية فى المحليات وانتخاب المحافظين، ولكن لا بد أن تكون هناك رقابة شعبية على عملهم، وأن ذلك لن يتم إلا عن طريق عمل برلمانيات صغيرة تقوم بمحاسبة المحافظ، مشيرا إلى أنه لا بد من أن تكون هناك منظومة كاملة فى الدستور توضح طريقة كيفية انتخاب المحافظين.
أما بالنسبة إلى المحافظات الحدودية، فأكد زهران أن المحافظ ليس من اختصاصه أن يقوم بحماية المحافظة وحدودها، لأن هذا من اختصاص الجهات الأمنية، وأن دور المحافظ خاص بالدور التنموى وتطوير المحافظة وتلبية احتياجات المواطنين فى كل محافظة.
من جانبه رأى الخبير فى مركز «الأهرام» الاستراتيجى الدكتور عمرو هاشم ربيع، أن إقرار انتخاب المحافظين إيجابى، ولكن تنفيذه فى الوقت الحالى صعب، لأن الظروف الحالية لا تسمح بإجراء انتخابات للمحافظين، كما أن هناك بعض المحافظات الحدودية التى لا يمكن أن تتم فيها الانتخابات نظرًا إلى الظروف الأمنية، لافتا إلى أن انتخاب المحافظين أمر ضرورى، ومن الممكن أن يتحقق بشروط وقواعد، لكن وضعه فى الوقت الحالى صعب.
الخبير فى مركز «الأهرام» الاستراتيجى الدكتور عماد جاد، أكد أن إقرار نظام انتخاب المحافظين قرار «عنترى» غير مدروس لأن الوضع الحالى وظروف البلد لا تسمح بإجراء انتخابات، كما أن هناك عددًا من المحافظات الحدودية تحتاج إلى قرارات مدروسة لأن هذه المحافظات تحكمها القبيلة، وبها نسبة أمية كبيرة، وأوضح جاد أننا نحتاج إلى فترة زمنية لإصدار مثل هذا القرار لأنه يترتب عليه الأمن القومى للبلاد، وأنه لا بد من وضع دراسات فى كيفية التعامل مع هذا النظام قبل تطبيقه.
أما الخبير العسكرى اللواء أحمد عبد الحليم، فقال ل«الدستور الأصلي » إن انتخاب المحافظين جزء من الديمقراطية التى يجب أن تتحقق على أرض الواقع، مشددا على أن أكثر من يشعر بالمواطنين وهمومهم هو ابن المحافظة، وعندما يتم اختيار المحافظ من جانب المواطنين فهذا أفضل بكثير من التعيين. عبد الحليم رأى أنه ليس بالضرورة أن يكون المحافظ فى المحافظات الحدودية عسكريا لأن ابن المحافظة أكثر مَن يشعر بالأمن واحتياجات المواطنين، مضيفا أن المحافظات تختلف فى طبيعتها ومواردها وتحتاج إلى مَن يملك الخبرة فى التعامل مع هذه الطبيعة من أهل المحافظة، والذى سيتم انتخابه من جانب المواطنين، مؤكدا أن هناك مدنيين لديهم خلفية كبيرة عن العلوم العسكرية والأمنية.
واتفق اللواء عادل سليمان، مدير مركز الدراسات، أيضا مع عبد الحليم فى هذا الرأى، موضحا أن المحافظات الحدودية مثلها مثل باقى المحافظات تحتاج إلى تنمية، وهذا ما يختص به المحافظ، لافتا إلى أنه يؤيد انتخاب المحافظ حتى فى تلك المحافظات لأن الناحية الأمنية هناك تتولى أمرها وزارة الدفاع وكذلك رجال الشرطة، وأن من سيتم انتخابه سيكون حاصلا على أغلبية أصوات المحافظة، وهو ما يؤكد وجود الديمقراطية، مشيرا إلى أن مهمة المحافظ هى التنمية والنهوض بالمحافظة، أما الدفاع العسكرى فهو مهمة القوات المسلحة، قائلا: «المحافظ لا يحارب حتى يشترط أن يكون عسكريًّا، وإنما مهمته النهوض والتنمية».
وفى السياق ذاته جاءت وجهة نظر أمنيين متفقة مع وجهة نظر الخبراء العسكريين ذاتها، حيث أوضح اللواء عبد اللطيف البدينى أن اللا مركزية كانت بدايتها فى عهد الرئيس السادات، وأنها خطوة جيدة بأن كل محافظة تختار أحد أبنائها ليكون مسؤولا عنها، مشيرا إلى أن هذا القرار جيد وسيعطى سلطات أوسع للمحافظ ومحاسبته بشكل دقيق، وتعطيه الفرصة أيضا لتنفيذ خطط التنمية، موضحا أن مصر تعد من أهم الدول ذات النظم الإدارية والمالية والقيمة الاقتصادية، وهذا يفوق المركزية، وأوضح البدينى أن كثيرًا من الدول المتقدمة وبعضًا من دول العالم الثالث تعمل بنظام الانتخاب لكل محافظة، ومن الدول الناجحة فى ذلك دولة الهند، لافتا إلى أن نظام الانتخاب لن يؤثر على المحافظات الحدودية فى شىء، لأن مهمة المحافظ هى التنمية والمهمة العسكرية تعتمد على القوات المسلحة.