.. عدتُ للإسكندرية وللقائي الأسبوعي بمقر «الغد» كل جمعة، بعد غياب لعدة أسابيع.. ومن وحي الإسكندرية أكتب هذه السطور: .. هذان العظيمان! .. كل منهما من نبع وثغر الإسكندرية، وسار في واد، كل منهما كان يمثل تحت القبة تياراً معيناً، فاتفاقهما تحالف، وخلافهما رحمة للحكومة، التي كانت تخشي استجوابات البرلماني العظيم الدكتور محمود القاضي، كما كانت ترتعد حتي من صمت البرلماني العظيم المستشار عادل عيد رحمة الله عليهما. .. أما ثالثهما فهو قطعة رائعة من تاريخ مصر، سواء عندما كان في القضاء، أو عندما انتقل للبرلمان، وهو المستشار الراحل ممتاز نصار، أو بالأصح عملاق أسيوط والبداري «الميت الحي»!! .. إذا كان الموت طوي هذا الثالوث «الذهبي» في تاريخ الحياة البرلمانية المصرية فإنهم ما زالوا أحياء في قلوب الناس، وضمائرهم تقديراً لما بذلوه من أجل هذا الوطن. .. إنها ليست لمسة وفاء لهؤلاء العمالقة الثلاثة، لكنها وقفة كي نتعلم، ونعلم أجيالاً مقبلة أن الحياة البرلمانية المصرية التي عرفت - مؤخراً - نواب سميحة، ونواب المخدرات، ونواب القمار والطوارئ، عرفت يوماً عادل عيد، ومحمود القاضي، وممتاز نصار!! .. والحكاية باختصار هي أنه: .. بقصد وبغير قصد، تعمدت السلطة في مصر الإساءة للحياة البرلمانية المصرية، وتقزيم هذه المؤسسة، لحساب المؤسسة الوحيدة في مصر التي لم يطلها الرذاذ ولم يمسها الإعلام يوماً بسوء، بل تعملقت علي فاتورة تقزيم الآخرين وتشويههم بفعل سوء الاختيار أو التخطيط المتعمد. .. ربما كانت البداية بدفع عدد من كبار تجار المخدرات، في برلمان واحد، ثم تفجير القضية حكوميا!!، ثم كانت قضية نواب القروض، بكل ما أحاطها من شكوك تتصل برغبة النظام في النيل من البرلمان وتصفية حسابات داخلية، تصب في النهاية في خانة الخصم من رصيد المؤسسة البرلمانية!! .. منذ سنوات والمطلوب هو أن تتحول صورة النائب للص، أو قاطع طريق، أو ذئب نساء، أو جاهل أو انتهازي منتفع يكسر خزائن الدولة، ويخون أمانة النيابة عن الأمة وربما يسرق حبل غسيل! .. الكلمات المتقاطعة التي يذيعها التليفزيون المصري ويسميها بثاً لوقائع جلسات البرلمان أصبحت هي الأخري إحدي وسائل تشويه صورة الحياة البرلمانية، حيث يشعر المشاهد بأنه يتابع بثاً حياً لجلسة في السرايا الصفراء!! حيث يسمع الوزراء يردون علي كلام لم يسمعه المشاهد من النواب، ويري النواب ينفعلون علي كلام لم يسمعه المشاهد من الوزراء!! .. لقد نجحت السلطة في مخطط غير معلن، وهو أن تهين المؤسسة التشريعية، ولعل الإهانة الأبلغ هي تلك الصورة الشائهة والمشينة التي ظهرت في مجلس الشعب الثلاثاء الماضي لنواب خانوا أمانة النيابة وتحولوا لأصوات لا تمثل الأمة بقدر ما تمثل بها. .. أحزنني وأنا أتابع الجلسة أن أري نواباً يقولون عكس ما يعتقدون بصحته.. أشفقت من بين من أشفقت عليهم علي الدكتور سرور حتي إنني توقعت للأسف ما تعرض له من أزمة صحية طارئة بفعل فضيحة الطوارئ التي أعتقد أن ازدواجية موقف الرجل هي بين ما يعلمه ويعلمه لطلابه وبين موقفه الحزبي والحكومي!! .. الصورة الباهتة التي شهدتها لسرور وبعض رفاقه هي التي أعادت لذاكرتي الصورة البهية لعادل عيد والقاضي وممتاز نصار.. رجال ونواب الزمن الجميل. .. رحم الله رجالاً أحياء بلا موقف، وأمد الله في عمر راحلين مازالوا أحياء في ذاكرتنا!!