فى خطوة من شأنها أن يستمر الجدل الدائر بين الهيئات القضائية بسبب مقترح للجنة نظام الحكم بنزع بعض اختصاصات مجلس الدولة لصالح هيئتى النيابة الإدارية وقضايا الدولة، علمت «الدستور الأصلي» من مصادر داخل لجنة الخمسين أن لجنة نظام الحكم أحالت مواد السلطة القضائية إلى اللجنة العامة من أجل التصويت على المواد الخلافية. المصادر، التى فضلت عدم ذكر اسمها، قالت إنه فى ما يخص النيابة الإدارية أحالت لجنة نظام الحكم إلى اللجنة العامة ثلاثة مقترحات بشأنها الأول يتضمن النص على اختصاصهم بالقضاء التأديبى إلى جانب باقى اختصاصاتهم المنصوص عليها فى دستور 2012، والثانى يتضمن تأكيد اختصاصاتهم التى تم إقرارها فى دستور 2012، وهى أن «النيابة الإدارية هيئة قضائية مستقلة، تتولى التحقيق فى المخالفات المالية والإدارية، وتحريك ومباشرة الدعوى التأديبية أمام محاكم مجلس الدولة، واتخاذ الإجراءات القانونية لمعالجة أوجه القصور فى أداء المرافق العامة، ويحدد القانون اختصاصاتها الأخرى، ويكون لأعضائها الضمانات والحقوق والواجبات المقررة لأعضاء السلطة القضائية». بينما يتضمن الاقتراح الثالث نفس الصلاحيات المنصوص عليها فى المادة السابقة مع بعض الامتيازات لأعضاء النيابة.
المصدر لفت إلى أن لجنة نظام الحكم توافقت كذلك على استمرار الصلاحيات التى أقرها دستور 2012 لهيئة قضايا الدولة، وهى أن «هيئة قضائية مستقلة، تتولى الادعاء العام المدنى والنيابة القانونية عن الدولة فى المنازعات، والرقابة الفنية على إدارات الشؤون القانونية فى الجهاز الإدارى للدولة، وتختص بإعداد العقود، وتسوية المنازعات التى تكون الدولة طرفًا فيها، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون، ويحدد القانون اختصاصاتها الأخرى، ويكون لأعضائها الضمانات والحقوق والواجبات المقررة لأعضاء السلطة القضائية»، مشيرا إلى أن أعضاء اللجنة يستغربون من الجدل الدائر حاليا بين أعضاء الهيئات القضائية الثلاث بسبب اختصاصات كل منها، خصوصا أن المواد التى تضمنها دستور 2012 بشأنهم وضعت بالتوافق ولم يكن عليها أى خلاف.
وشدد المصدر على أن ما تم استحداثه مؤخرا هو فقط مقترح القضاء التأديبى.
الهيئات القضائية من جانبها ما زالت مستمرة فى تبادل الاتهامات فى ما بينها وتنظيم الجمعيات العمومية والمؤتمرات الصحفية لترد كل جهة على اتهامات الجهة الأخرى لها. فهيئة قضايا الدولة من جانبها أكدت أنها لن تقف مكتوفة الأيدى تجاه الاتهامات والإهانات التى يوجهها قضاة مجلس الدولة فى حقها، حيث نظم مجلس إدارة نادى مستشارى الهيئة برئاسة المستشار أحمد خليفة مؤتمرًا صحفيًّا للرد على ما سموه مهاترات مستشارى مجلس الدولة فى حقهم، ووفقًا للمستشار محمد فتحى عضو الهيئة، مستشارو قضايا الدولة لا يطالبون فى الدستور الجديد سوى باستمرار نفس النص الذى سبق وتم إقراراه ضمن دستور 2012 وهو النص الذى سبق وتوافقت عليه كل الهيئات القضائية خلال عمل الجمعية التأسيسية الثانية، لكن ما حدث أن مجلس الدولة تعمد الزج بنا فى أزمته الأخيرة وتعمد الانتقاص من الهيئة، بل وطالب بنزع الصلاحيات التى أقرها الدستور المعطل للهيئة فى إعداد العقود التى تبرمها الدولة وتسوية المنازعات التى تكون الدولة طرفًا فيها قبل مرحلة التقاضى بزعم أنها تمثل انتقاصًا من صلاحياته.
وهو ما يرفضه جميع مستشارى الهيئة، مشددين على أن مجلس الدولة يريد الاستحواذ على كل التخصصات رغم أنه لولا التفكير فى الصالح لما تم إنشاء مجلس الدولة من الأساس، مضيفًا أن غالبية اختصاصات مجلس الدولة كانت هيئة قضايا الدولة تمارسها قبل التفكير فى إنشائه عام 1946، وشدد فتحى على أن مؤتمر اليوم سيشمل الرد على كل المغالطات التى يروجها قضاة مجلس الدولة فى حق هيئة قضايا الدولة. أما مجلس الدولة، فيؤكد المستشار محمود زكى نائب رئيس مجلس الدولة والحاصل على دكتوراه فى القانون الدستورى أن اتجاه لجنة الخمسين إلى إقرار النص الخاص بالقضاء التأديبى يعرض عملهم بالبطلان، مضيفًا أن المادتين 28 و29 من الإعلان الدستورى الأخير تؤكدان اقتصار عمل لجنة الخمسين على تعديل دستور 2012 والتعديل، حسب زكى، يرد على نص قائم ولا يتضمن استحداث نص جديد، ولفت زكى إلى أن الحديث عن نقل الاختصاص القضائى فى توقيع الجزاء فى القضايا التأديبية من مجلس الدولة إلى النيابة الإدارية هو أمر غير دستورى، ويخالف مواد الإعلان الدستورى الأخير، وشدد زكى على أن استحداث القضاء التأديبى يعرض المنتج الذى ستقدمه لجنة الخمسين إلى الطعن أمام القضاء الإدارى والدستورى، وهو ما يضع معه الدستور الجديد فى مهب الريح.
زكى أوضح أن هو من أصدر أحكامًا بإلغاء مئات القرارات لعبد الناصر والسادات، وهو الذى تصدى لقرارات مبارك وألغى تصدير الغاز لإسرائيل، وألغى المحاكمات العسكرية للإخوان، وحل مجلس الشعب فى عهد مبارك، وفى عهد الإخوان وحل تأسيسية الإخوان، وألغى قرارات المجلس العسكرى فى عهد طنطاوى، ومن ثم دوره واضح فى كل العصور، وشدد على أن قضاة مجلس الدولة لن يقبلوا بنقل أى من اختصاصاتهم القضائية إلى غير القضاة، مضيفًا أن مستشارى النيابة الإدارية ليسوا قضاة، إنما هم بنص الدستور هيئة قضائية وليسوا قضاة منصة.
مستشارو النيابة الإدارية من جانبهم اعتبروا أن إصرار مجلس الدولة على عدم انتقال سلطة القضاء التأديبى إليهم هو استمرار للطبقية والعنجهية التى يمارسونها ضدهم، فحسب المستشار محمود اليمانى عضو ائتلاف مستشارى النيابة الإدارية مجلس الدولة لديه ما يزيد على 6 اختصاصات قضائية وعدد مستشاريه لا يكمل الألفين مستشار، وبدلا من أن ينشغل بكيفية الفصل فى اختصاصه الرئيسى يصر على عدم نقل تبعية القضاء التأديبى فى حين أن النيابة الإدارية لديها 4500 مستشار مؤهلين لإنجاز القضايا التأديبية تحقيقًا لمبدأ سرعة التقاضى وإنهاء معاناة صغار الموظفين بالدولة الذين تتعطل الفصل فى قضاياهم إلى فترات قد تصل إلى 10 سنوات فى بعض الأحيان، وشدد اليمانى على أن مستشارى النيابة الإدارية لن يقبلوا سوى بأن يكون الاختصاص بقضاء التأديب تحقيقًا وفصلًا موضوعًا وطعنًا من اختصاص النيابة الإدارية، مضيفا أن كل الخيارات مطروحة أمامهم للوقوف ضد تعنت ونفوذ مجلس الدولة فى التغول على كل الصلاحيات، ولفت إلى أن القضاء التأديبى بشهادة المستشار الدستورى للرئيس حق للنيابة الإدارية.