كم هو قاسٍ أن يكون الأب نائما فى المستشفى مصابا برصاصات فى جسده، ويعرف أن ابنته أصيبت مثله، وكلما سأل عنها يقول له شقيقه إنها فقط فى الرعاية المركزة، وهو يُصر على أن «الله استرد روحها»، وكم هو صعب على أخيه «بشرى فهمى عازر»، وهو يخفى على أخيه «نبيل» وزوجته هويدا المصابين، خبر وفاة ابنتهما مريم ذات الاثنى عشر ربيعا. «الدستور الأصلي» وجد أمس فى بيت «بشرى فهمى»، فى قرية أوسيم -شمال الجيزة- وفور أن جلسنا جاءه اتصال على هاتفه المحمول يخبره بأن أخاه عرف بوفاة ابنته وهو فى حالة صحية سيئة داخل المستشفى، فقام على الفور بالاتصال بأحد كهنة كنيسته يخبره وهو يجهش بالبكاء، أن يطلب من القس داوود لمعى راعى كنيسة مارمرقس كليوباترا بمصر الجديدة أن يذهب لأخيه نبيل وزوجته ليعزيهم ويخبرهم بوفاة طفلتهم مريم، لأنهم يحبونه كثيرا ووجوده سيعزيهم كثيرا عندما يعرفون هذا الخبر الأليم. بعد انتهاء المكالمة الهاتفية، التفت إلينا بشرى والدموع ما زالت فى عينيه، وبدأ يحكى قائلا «إحنا 7 إخوات، ولنا أخت تعيش فى حلوان، لديها ابنة شافها عريس من أقربائنا فى الكوم الأحمر، وتقدم لها، وكان موعد الفرح يوم الأحد الذى حدث فيه ما حدث». بشرى عاد بذاكرته ليوم الجمعة قبل يومين فقط من «حفل الزفاف»، ليحكى عن علاقته بمريم ابنة أخيه، ليوضح مدى قربها من الله والكنيسة، وكيف كانت ابنة محبوبة من الجميع، مشيرا إلى حالتهم المادية البسيطة التى تشبه حالة أغلب المصريين الذين يعيشون فى قرى ريف مصر ومناطقها العشوائية، وكيف كانت مريم «بنت قنوعة»، ومحبة لأسرته وكنيستها. ثم عاد ليوم الجمعة ليروى كيف أتت «مريم» لتوقظه من النوم، حتى يأخذها هى وكرستينا ويوسف وناردين ومارينا إلى كنيسة القرية التى تبعد عنهم بضعة كيلو مترات لحضور «مدارس الأحد»، ورغم أنه كان ينتوى أن يكمل نومه فإن مريم أصرت أن توقظه ليذهب معهما، موضحا مدى علاقة الصداقة بينه وبين ابنة شقيقه التى يعدها ابنته. بشرى أشار إلى أن مريم تناولت من «الأسرار المقدسة» يومها -وما يجعل كثيرا من المسيحيين أن يصبروا على فراق أحبائهم هو أن يكونوا قد تناولوا من الأسرار المقدسة قبل موتهم سواء يومها أو قبلها بأيام بسيطة- وأكمل بشرى كلامه «أنا حبيت أحكى عن اللى عاشته قبل الفرح عشان أقول إنها ماتت مش سايبه الكنيسة، ربنا والكنيسة فى قلبها». «يوم الفرح صعدنا إلى الأوتوبيس لنذهب لكنيسة العذراء بالوراق، وقالت لى مريم: ماتجيش تقعد جنبى أنا حاجزة المكان لمارينا، ابنة شقيقته الأخرى، هكذا تحدث بشرى عن الساعات التى سبقت الحادثة، مضيفا أن الطريق كان مزدحما وكانوا متأخرين فمر من القومية وجاء من جهة الكيت كات. لم يشر بشرى إلى أن «العناية الإلهية» أنقذت أبناءه من مصير مريم ابنة شقيقه، فقال إنه عندما وصل الأوتوبيس أمام الكنيسة طلبت ابنته، وابنة شقيقته مارينا، الذهاب إلى «دورة المياه»، فذهب أولا لشراء «مناديل» من داخل الكنيسة، ثم بعد دقائق سمع صوت صراخ خارج الكنيسة، فخرج ووجد «مارينا» مصابة فى ذراعها معتقدا أن «موتوسيكلا» صدمها. هنا بدأ «بشرى فى الانفعال»، وهو يحكى عن خروجه مرة أخرى خارج الكنيسة فوجد مريم مصابة ويحملها أحد الشباب، وأضاف «أخذتها من الشاب وحضنتها وقلت: بنتى، ثم ذهبت لباب الكنيسة الخلفى وأوقفت شابا بسيارة ملاكى ونقلنا إلى المستشفى المركزى القريبة من الكنيسة، ففوجئت بأن شقيقتى الكبيرة مصابة هى الأخرة هناك فى قدمها وذراعها، وكنت فى حيرة، أكون مع من فيهما». بشرى أضاف أنهم فى المستشفى بدؤوا فى إزالة طلقات نارية من قدمها و«ارتاحت لهذا، وبالكشف عن بقية جسدها وجدوا رصاصة فى القلب، فكانت صدمتى، ونزلت للبحث عن سيارة الإسعاف لكن كنت أشعر أن هناك تباطؤا، فركبت موتسيكلا مع شاب لا أعرفه وذهبنا لإحضار سيارات الإسعاف». ويضيف «ونقلنا مريم إلى معهد ناصر، وفور وصولنا قالوا لا بد من دخول العمليات، ثم خرج الطبيب فى الخامسة صباح الإثنين»، وقال إنها فى العناية المركزة وهى بخير، ورفضوا أن أراها حتى لا أسبب لها ضررا، وطلبوا منى العودة فى الساعة الثالثة عصرا، إلا أنه فور وصولى للمنزل اتصل بى زوج شقيقتى ليخبرنى باستشهاد مريم». والدة زوجة بشرى كانت موجودة وقالت فى أثناء صمته كيف أن «ناردين» ذات التسع سنوات وهى الشقيقة الصغرى لمريم تسأل عنها لكى تأتى لتنام بجوارها على الفراش، وتضيف «ولا نعلم كيف سنخبرها أن أختها توفيت ولن تعود لها مرة أخرى؟». إنه موقف صعب أن تتحول فرحة عائلة بزواج ابنة لهم إلى جنازة 4 من الأسرة، بينهم طفلتان، واحدة كانت فى الثامنة من عمرها والثانية كانت فى الثانية عشرة. بشرى أراد أن يوضح عبر «الدستور الأصلي»، أنه عندما قال «إحنا بنحبهم وهمّ بيكرهونا»، لم يكن يقصد جيرانه وإخوانه من المسلمين، لكن ما كان فى ضميره حسبما قال هو «الطرف الذى يحمل سلاحا على الكل، وليس المسيحيين فقط»، مضيفا: «بنحب كل الناس، واللى بيرفعوا السلاح هم الذين يكرهوننا»، ويضيف أنهم أسرة مسيحية وحيدة داخل قريتهم فى أوسيم، لكن جيرانهم المسلمين هم من يتولون شؤونهم وطعامهم منذ 3 أيام ولا يتركونهم. وتابع: «ربنا يهديهم، خالتى اللى بتمشى على عكاز كانت عملت لهم إيه؟ أو بنت عندها 12 سنة والأخرى 8 سنوات ماذا فعلوا».