الجماعة تتعمد تضخيم «مصطلح الأزمة» حتى يتلقفه الغرب ويعمل عليه رجالها فى الداخل والخارج ما يحدث فى مصر ليس عنفا أو أزمة وإنما إرهاب يجب على الدولة محاربته الدولة المصرية ووسائل الإعلام -الداعمة لما حدث فى 30 يونيو- كلاهما غارق فى فوضى «مصطلحات» مدمرة، فى ما يتعلق بتوصيف ما يحدث فى مصر بشكل عام، أو تفاصيل يومية متعلقة به.. قد يبدو لك الأمر أننا نتحدث عن كماليات أو أمور من قبيل الرفاهية نبغى من ورائها المثالية، لكن الحقيقة أن فوضوية مصطلحات الدولة فى توصيف المشهد العام وتفاصيله إذا تابعناها ووضعناها فى إطار الأسس النظرية، أو المراقبة الواقعية والتاريخية لما يحدث أو حدث فى العالم تقودنا إلى أن تلك الحالة الفوضوية تحمل أثرا مدمرا على مستقبلنا. «حرب على الإرهاب، أم أزمة سياسية، أم نزاع»، «اعتصام، أم تجمع»، «هجوم لمجموعات مسلحة، أم هجوم إرهابى».. قد يبدو الأمر بسيطا فى نظر الدولة بمؤسساتها المختلفة غير المنضبطة، أو ربما المختلفة فى استخدام المصطلحات، التى قد تستخدم كل المصطلحات بتنوعها والفروق الجوهرية بينها فى أسبوع واحد ربما.. لكن الحقيقة مختلفة تماما، شتان الفرق بين ما سبق «أم» وما تلاها، وبالتالى شتان الفرق فى الإجراءات التى يتحتم أن تتخذها الدولة على المدى القصير أو على المدى البعيد والمتوسط بشكل استراتيجى فى كل حالة «راقب أن للرئيس المصرى الآن مستشارا استراتيجيا»! وشتان الفرق فى قدرة الدولة على التأثير على الجماهير وردود أفعالهم كنتيجة، وشتان الفرق أيضا فى القوة الممنوحة للدولة ومؤسساتها فى التعاطى والتعامل مع الحدث، وشتان الفرق فى مدى الدعم المعنوى الذى ستحوزه الدولة، وقدرتها على مواجهة الخصوم وطوابيرهم الخامسة فى كل حالة على حدة. الدولة التى تستخدم مصطلح الحرب على الإرهاب، وإن نجحت فى توثيق دلائل أن ما يحدث إرهاب أمام شعبها خياراتها مختلفة تماما عن خيارات الدولة التى تتعامل مع أزمة سياسية أو نزاع سياسى «crisis»،«conflict»، وما أقصده بالخيارات هنا تعنى أساليب التعاطى تحديدا على الأصعدة «الأمنية والقانونية والدبلوماسية». الحالة الأولى فى توصيف ما يحدث فى مصر بأنه إرهاب يمارَس من قبل جماعة الإخوان المسلمين وجبهة إسلامية أوسع هى فى قلبها، تعنى أن الدولة تواجه مجموعات من الخارجين عن القانون الذين يهددون أفراد المجتمع وأمنهم وسلامتهم، وبالتالى فللدولة الحق الكامل فى اتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية ضد قادة تلك الجماعات بشكل حازم وصارم وعاجل أيضا، وهنا فإن حصانتهم المعنوية والأخلاقية كسياسيين «إن ادعوا هذا» تسقط على الفور حينما تطبق الدولة القانون عليهم «راجع هنا تاريخ أوروبا فى التعاطى مع حركة إيتا الانفصالية فى إسبانيا، أو الجيش الأيرلندى» والتاريخ الروسى والأمريكى القريب فى التعامل مع تهديدات إرهابية شبيهة. على العكس هنا استخدام مصطلح «الأزمة» أو «النزاع»، وهو مصطلح دلائله تشير إلى تصارع ما بين قوتين بينها شبه تكافؤ فى القوة، غياب التوافق بينهما يعنى أن كل طرف قادر على أن يكبد الطرف الآخر خسائر متوازية ومتكافئة فى حلقة مستمرة ومفرغة.. وهو الوصف العالمى مثلا لما يحدث فى سوريا والذى يعرفه العالم ب«الأزمة السورية» «SYRIAN CRISIS» أو النزاع السابق فى السودان «CONFLIICT» الذى قاد فى النهاية إلى تأسيس دولتين وفق تفاوضات بين طرفين، وضعا اتفاق نيفاشا الذى انتهى بإعلان دولتين فى السودان «شمال السودان وجنوب السودان». إسبانيا وهى تواجه حركة «إيتا» الانفصالية التى وصفتها بأنها إرهابية لم يتحدث الإعلام أو الدولة أو المجتمع الدولى على أنه نزاع أو أزمة، أوروبا وأمريكا حينما اتخذا إجراءات محددة بحق الإرهاب بعد أحداث برجى التجارة العالمى لم يصف أحد ما كان يحدث داخل الغرب بأنه أزمة، بل كانت إجراءات تتخذها الدول لمواجهة الإرهاب، وللتذكرة فإن الولاياتالمتحدة رفعت الطوارئ وخاضت حربا خارج أراضيها وجمدت أصول قيادات إسلامية بقرار من مجلس الأمن، وللتذكرة أيضا كان من بين من جمدت أصولهم «يوسف ندا، القيادى الإخوانى المصرى الشهير الذى يعيش فى سويسرا»، والذى تطالبنا أمريكا والغرب اليوم بالتعامل مع أعضاء جماعته سياسيا كشركاء! لاحظ أن مصطلح الأزمة بات استخدامه يجرى على نطاق واسع من قبل المجتمع الدولى عن عمد، الفاجعة أنه يستخدم أيضا من قبل عناصر فى الدولة المصرية متعمدة أو لا «فى الحقيقة لا أعلم»، وفى الحالتين فهو يتلاقى مع ما أرادته الجماعة وهو تصدير المصطلح، الذى هو توصيف إخوانى صرف، وهو جزء من حرب نفسية إعلامية تمارسها الجماعة المهزومة، التى لم يعد أمامها خيارات ولو لاستعادة نسبة ضئيلة من مكاسبها خلال العامين الماضيين، وتصدر هذا المصطلح وتتعمد تضخيمه حتى يتلقفه من يطلق عليهم «الوسطيون» من الإخوان السابقين والإخوان غير تنظميين والداعمين لها إعلاميا وأصحاب القلوب الضعيفة، وأصحاب نظرية أن حكم الجماعة أفضل من الجيش، أو أن الجيش أداة قمعية دائمة فى مواجهة الطبقات الكادحة فى المجتمعات.. وكى يتلقفه أيضا الغرب الذى وجد فرصة ذهبية لن تعوض لأن يمد أطرافه داخل الوضع السياسى فى مصر بشكل غير مسبوق منذ عقود.. والتاريخ يخبرنا أن الحرب النفسية تلعب دور السلاح الأساسى لأطراف أو دول مهزومة أو غير مهزومة ولكن غير قادرة على دفع تكلفة حرب حقيقية، وبنفس المنطق فالهدف من المصطلح كجزء من حرب نفسية هو تحقيق مكاسب وتعزيز القدرات التفاوضية للجماعة بنشر المصطلح ومبادراته «التى تستهدف الخروج من الأزمة». بالرغم من أن الواقع يؤكد أن القوة غير متكافئة ولا تقارن من الأساس ما بين دولة بأدواتها المتعددة وشعب ينحاز إليها ويدعم المواجهة حال أن استشعر خطرا أمنيا مرعبا وحلفاء سياسيين حزبيين وحركات ثورية، فى مقابل جماعة معزولة شعبيا وسياسيا، وتنظيم فى أضعف حالاته يلفظ أنفاسه ويتعامل بمنطق رد الفعل حركيا، وقوامه فى الشارع بضعة آلاف يتعاملون بمنطق التظاهرات الدوارة، ويراهنون على إرهاب وتأثير عدد من المسلحين المخابيل وحلفائهم الذين يحملون نفس الفكر. وينبغى هنا التأكيد مجددا ضرورة عدم الاستهانة بالمصطلحات المستخدمة لما يترتب عليها من إجراءات ومن ثم نتائج مستقبلية، لاحظ أن أمريكا هزمت الاتحاد السوفييتى بل فتتته فى الحرب الباردة بحرب أساسها نفسى، قائم على الفعل الاستخباراتى وفى قلبه فعل إعلامى، قوامه الكلمة والمصطلح، منذ لحظة أن قرر آيزنهاور أن يخوض حربا لا يطلق فيها رصاصة واحدة، وكان النصر له بعد أن أسس مكتبا للحرب النفسية والإعلامية ألحقه بالبيت الأبيض وبه مباشرة، وكانت الدولة تدفع سنويا 50 مليون دولار كلفة حرب نفسية طويلة الأمد. ولكن هل بعد أن نجحت الجماعة وحلفاؤها فى تصدير هذا الوصف «الأزمة» وإضفاء أكبر مساحة له حتى خضعنا له وصرنا نستخدمه كأكاديميين وإعلاميين وساسة وعاملين فى مجال حقوق الإنسان بل وحتى رجال دولة، ورئيس وزراء ونائب رئيس الدولة! ألا ينبغى أن نسأل مجددا لمن يشكك هل ما تواجهه الدولة المصرية إرهاب أم أزمة سياسية؟ الخط الفاصل هنا هو التعريف النظرى وفقه القانون الدولى، فالإرهاب كمصطلح نظرى يعنى استخدام القوة فى الصراعات السياسية وهو استخدام تمارسه الجماعات السياسية أو الحكومات من أجل التأثير على القرار السياسى لغيرها، وحتى نكون أكثر دقة يجب أن نسأل ما الحد الفاصل بين مفهوم الإرهاب ومفاهيم أخرى مثل العنف؟ قد تبدو الإجابة للوهلة الأولى «لا شىء» فالدولة نفسها تؤكد يوميا الدعوة لوقف العنف، وهى الدولة نفسها التى طلبت تفويضا للحرب على الإرهاب، ما الفرق إذن؟ فى هذا يقول الباحث إبراهيم شعيب فى كتاب أصدره مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية قبل أعوام «يمكن أن نميز فى فقه القانون الدولى بين اتجاهين أو رأيين رئيسيين بصدد المقصود بالإرهاب كصورة من صور العنف، يرى أولهما أن الإرهاب يتحقق باستخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية، بينما يرى الثانى أن غرض الإرهاب يتمثل فى قصد إشاعة الرعب فى المجتمع»، ويضيف الباحث هنا قائلا مستندا إلى مراجعه القانونية والتشريعية الوطنية والدولية التى ذيل بها صفحات كتابه «الاتجاه الأول يعوّل على طبيعة الهدف من عمل العنف هل هو سياسى أم غير سياسى؟ فإذا كان الهدف سياسيا صار العنف إرهابا، أما إذا لم يكن الهدف سياسيا صار العنف عنفا خالصا أو عاديا. ويضيف فى موضع آخر من كتابه «العنف العادى لا يمارَس من خلال تنظيم محكم له عقيدة أو فكر، وإنما غالبا يمارس بشكل فردى أو من خلال عصابات منظمة لكنها محدودة النشاط كالسرقة أو الاتجار فى المخدرات.. إلخ، بينما الإرهاب يمارس من خلال تنظيمات سياسية وحركات عقائدية فكرية». أما الاتجاه الثانى فيعرفه العالم الإنجليزى ويلكتنسون «بأنه استخدام السلاح أو العنف لتهديد أرواح الأبرياء وتخويف الأغلبية وبث الرعب فى قلوبها، وإن كان الإرهابى يتذرع بحجج دينية أو اجتماعية أو سياسية غير حقيقة لا مبرر لها»، فالإرهاب هنا هو استعمال العنف بأى شكل من أشكاله المادية للتأثير على الأفراد والمجموعات أو الحكومات وخلق مناخ من الاضطراب وعدم الأمن بغية تحقيق هدف معين. إذن التعريفات النظرية بتنوعها تجزم أن ما يحدث فى مصر إرهاب كونه ذا هدف سياسى، وتزيح عنه وصف «العنف» العادى حتى، وتؤكد أنه لا فرق بين أن يخطف تنظيم إرهابى طائرة ويهدد بقتل رهائنها من أجل مطلب، وأن تستهدف منشآت فى سيناء وأن تقول من على منصة رابعة لن يتوقف الإرهاب إلا إن عاد مرسى للسلطة، أو أن تنظم تجمعات بها عناصر مسلحة أعلنت تشكيل مجلس حرب تروع الآمنين وتقطع الطرق وتنتهك حقوق وحريات مئات الآلاف من المواطنين فى سبيل ابتزاز الدولة سياسيا. الفرق الجذرى بين ما تحمله المصطلحات يقودنا إلى الآتى: لا يجوز وصف ما يحدث فى مصر بأنه «عنف» أو «أزمة»، وبالتالى خيارات التعامل مع الأزمة وهى التفاوض السياسى أو تقديم تنازلات للخصم يجب أن تختفى من أذهاننا، كذلك إتاحة المساحة للمجتمع الدولى بالتدخل يجب أن تمحى من الأجندة المصرية حتى لا نشاهد مسلسلات المهانة اليومية التى نراها من قبل المجتمع الدولى يوميا ودوله الكبرى، وهنا فيجب أن تمارس الدولة إجراءات حرب على الإرهاب بشكل كامل، وهو ما يعنى تفعيل القوانين الواردة فى التشريعات المصرية فى مواجهة إرهاب الجماعات المتطرفة «فعلا، تحريضا، دعما ماديا ولوجيستيا».