يحمل شهر ذي الحجة، للمسلمين، فضلا عظيما ورحمة واسعة وفرصا ثمينة للتقرب إلى الله، ففيه يوم النحر وأيام التشريق باعتبارها ذروة موسم الطاعات، حيث تجتمع فيها مناسك الحج، وذكر الله، وذبح الأضاحي، وغيرها. وفي السطور التالية سنتعرف على فضل هذه الأيام وكيفية إحيائها. عظمة يوم النحر يوم النحر هو أول أيام عيد الأضحى، ويأتي مباشرة بعد يوم عرفة الذي يعد أعظم أيام الحج، ووصف النبي محمد صلى الله عليه وسلم هذا اليوم بأنه "أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القرّ" (رواه أحمد وأبو داود)، لما يحتويه من أعمال عظيمة تجمع بين الشعائر الدينية والتعبدية والروحانية الخاصة. أما يوم القر، فهو اليوم الحادي عشر من ذي الحجة، وهو أول أيام التشريق، وسُمي بهذا الاسم لأن الحجاج "يقرون" فيه بمنى، أي يسكنون ويقيمون في المكان خلال أداء مناسك الحج. وفي يوم النحر المبارك، يؤدي المسلمون صلاة العيد جماعة، ثم يذبحون الأضاحي تقربا إلى الله، وتوزع لحومها على الفقراء والمحتاجين، مما يعزز قيمة التكافل الاجتماعي والترابط في المجتمع الإسلامي. وسُمي يوم النحر بهذا الاسم؛ لأن ذبح الأضحية هو أبرز ما يميزه، وهو تذكير عملي بقصة سيدنا إبراهيم عليه السلام، حين امتثل لأمر الله وكاد أن يذبح ابنه إسماعيل، ثم فداه الله بكبش عظيم، لتصبح الأضحية رمزًا للإخلاص والطاعة والتضحية. إحياء يوم النحر لإحياء هذا اليوم العظيم، يستحب أداء صلاة العيد في جماعة، ثم التوجه لذبح الأضحية بنية خالصة مع قول: "بسم الله، والله أكبر، اللهم هذا منك ولك". وينصح المسلمون أيضا بالإكثار من الدعاء والتكبير، وصلة الرحم، ومساعدة المحتاجين، إذ إن الدعاء في هذا اليوم من الأعمال التي تستجاب بإذن الله، فلا ينبغي أن يغفل المسلم عن التضرع والابتهال في هذه الساعات المباركة. أيام التشريق: أيام الذكر والفرح تبدأ أيام التشريق في الحادي عشر من ذي الحجة وتمتد حتى الثالث عشر، وهي الأيام التي يواصل فيها الحجاج رمي الجمرات، ويستحب فيها تكبير الله تعالى وذكره بإكثار. يقول الله تعالى: "واذكروا الله في أيام معدودات" (البقرة: 203). وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن أيام التشريق هي تلك الأيام التي يفرح فيها المسلمون بالأكل والشرب والذكر، قال: "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله" (رواه مسلم). كيفية إحياء أيام التشريق يحيي المسلمون هذه الأيام بالإكثار من التكبير بعد الصلوات الخمس، بالصيغة: "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد". كما يحبذ استمرار الذكر والدعاء، والفرح مع العائلة والأصدقاء، والتوسع في الصدقات وصلة الأرحام. كما ينبغي الامتناع عن الصيام، لأن هذه أيام فرح واحتفال بفضل الله ورحمته. لكل مسلم نصيب من الفضل على الرغم من ارتباط أيام النحر والتشريق بمناسك الحج، إلا أن فضلها لا يقتصر على الحجاج فقط. فالمقيمون في بلادهم يمكنهم اغتنام هذه الأيام عبر أداء صلاة العيد، ذبح الأضاحي، الإكثار من الذكر، التوسعة على الأهل، صلة الرحم، ومساعدة الفقراء، فهو فضل عام يشمل كل مسلم قادر على استثمار هذه الأيام في ما يقربه من الله. فكما يثاب الحاج على مناسكه، يثاب المسلم في بيته على إخلاص النية، وإحياء هذه الأيام بالذكر والدعاء والاحتفال.