السفير اللبنانية نشرت صحيفة السفير اللبنانية الصادرة، 5سبتمبر، مقالا بعنوان "سوريا تعيش صراع مصطلحات "حرب أهلية" أم "نزاع داخلي مسلح". وذكر كاتب المقال أن في علم السياسة والإيديولوجيا، ثمة خط بالغ الدقة يفصل بين وقوع حرب أهلية وبين التهويل بوقوعها أما في الأزمات الطويلة والمتداخلة إقليمياً ودولياً، فغالباً ما يضيع هذا الفاصل، بين حقيقة حصول اقتتال فعلي، إما على السلطة أو من أجل إلغاء الآخر، وبين استحضار إيديولوجيا الحرب الأهلية والترهيب بها من أجل الحشد السياسي وتسخير دفة الصراع لخدمة المصالح الإستراتيجية. وقال إنه في النزاع الدائر في سوريا حالياً يبدو التقاط هذا الخط أشبه بمهمة مستعصية، فبعدما سارع المحللون إلى الاستعانة بمصطلحات جاهزة لتوصيف الوضع، مثل «اللبننة» و«العرقنة» و«الصربنة» و«االليبنة»، يبدو من الضروري اللجوء إلى فقه القانون الدولي، فالعودة إلى الأخير، بمواثيقه وأعرافه، تأتي كمحاولة لفهم الحيثيات التي تدفع طرفاً معيّناً للإصرار على وجود «حرب أهلية» مقابل رفض صارم من طرف آخر يؤكد اقتصار ما يجري على مسمى «اضطراب». وأوضح كاتب المقال انه لا يختلف الأمر كثيراً في سوريا يصر النظام، ومعه حلفاؤه، على أن ما يجري ليس حرباً أهلية بأي شكل، إذ أن الاعتراف بها يعني تناقضاً مع نظريته حول المؤامرة الدولية على سوريا، بينما تختلف صفوف المعارضة بين من يرفض بدوره توصيف الحرب الأهلية لأنها تنفي حصول الثورة وبين من يقبلها بحجة الدم الذي يراق بين مختلف الأطياف السورية أما المجتمع الدولي فلم يتردد مسؤولوه بالتحذير من وقوع الحرب الأهلية منذ فترة طويلة. وأشار الكاتب أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى أن ما يجري في سوريا اليوم لا يمكن تسميته بالحرب الأهلية لأن هذا المصطلح ليس له أي معنى قانوني وتطلق «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» مسمى «نزاع مسلّح غير دولي»، وهو ما يوصف الوضع الذي وصل فيه القتال إلى حد يستدعي وضع أسس لملاحقات قضائية بموجب القانون الدولي. وقد قيل «ما يجري في سوريا هو نزاع مسلح غير دولي ترافقه أعمال عنف في العديد من المناطق، ولا يقتصر الأمر على المناطق الثلاث التي تشهد معارك، فهناك الكثير من البقع الأخرى المتضررة». وكانت وسائل الإعلام تناقلت منذ عدة أشهر عن لسان مسؤولة في اللجنة قولها إن ما يجري في سوريا هو «حرب أهلية»، قبل أن تخرج وتوضح أن ما قيل هو تحريف لكلامها قام به أحد الصحافيين. وقال الكاتب إن «الصليب الأحمر الدولي يبني حكمه على أسس قانونية وليست سياسية. ولذلك يعتبر أن الحكم يندرج في إطار «القانون الدولي الإنساني». ويشكل هذا القانون جزءاً من مجموعة القواعد القانونية الدولية التي تحكم العلاقات بين الدول، أما الغرض منه فهو الحدّ من آثار النزاعات المسلحة لأسباب إنسانية ويهدف أيضاً إلى حماية الأشخاص الذين لا يشاركون أو كفّوا عن المشاركة في الأعمال العدائية، والمرضى والجرحى والأسرى والمدنيين، وإلى تحديد الحقوق والواجبات التي تقيّد أطراف النزاع في سير الأعمال العدائية. وأشار الخبير في القانون الدولي حسن جوني يحرص على التأكيد على صعوبة التوصل إلى خلاصة بشأن سوريا، ويقول «هناك أربعة أنواع من النزاعات العسكرية: نزاع عسكري دولي، نزاع عسكري داخلي، نزاع داخلي مدوّل (مثل لبنان)، نزاع داخل دولة ضد عصابات إرهابية، والإشكالية تتمثل هنا في تحديد معايير الحكم متى نكون أمام نزاع عسكري داخلي، ومتى ننتقل إلى الدولي». وذكر كاتب المقال أن جوني أشار إلى أن مصطلح «الحرب الأهلية» لم يعد مستخدماً منذ وضع ميثاق الأممالمتحدة الذي منع استعمال القوة في المادة 2 الفقرة الرابعة، وعليه اتخذت لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة قراراً أن لا داعي لقانون الحرب لكون الأخيرة أصبحت ممنوعة. وأضاف أن هناك شبه إجماع على صعوبة إيجاد تعريف موحد ل«الحرب الأهلية» أو ما يسمى ب«النزاع المسلح غير الدولي»، وصعوبة أكبر في الجزم بحصوله على أراضي بلد ما. وفيما يكتفي البعض بتبسيط الحكم على الوضع السوري على قاعدة ما قاله الفيلسوف توماس هوبز «الحرب الأهلية هي حرب الكلّ ضد الكل»، تبقى سوريا غارقة في حروب السياسة والاستراتيجيات والمصالح والمصطلحات.