جلست أمام شاشة التليفزيون مذهولة وأنا أتابع برنامج الحقيقة للإعلامي وائل الإبراشي - حمدت الله أنني مازلت قادرة علي الذهول في ومن هذا البلد. كان موضوع الحلقة هو اعتداءات الأمن علي المتظاهرين والمتظاهرات يوم 6 أبريل، المتظاهرون سلمياً الذين يطالبون بضرورة تعديل الدستور، يطالبون بالحق وبالعدل المفقود للمواطن المصري، يطالبون بمصر أفضل، يطالبون بإصلاح حقيقي، يطالبون بواقع إنساني يتمكنون من معايشته، يعبرون عن أحلامهم بوطن يرون مستقبلهم فيه، شباب لا يحمل سوي رؤية، شباب لا يحمل سوي أفكار يؤمن بها في وقت وفي زمن لا يريد القامعون والقائمون بإفساد وبحكم هذا البلد إلا أن يمارسوا أكبر وأهم حكمة اخترعوها لقيادة هذا الشعب ويذكرونه بها دائماً: «إذا كنت تريد أيها المواطن اللعين اللئيم أن تفكر في عيشتك... فنحن قادرون أن نكفر عيشتك»، إذا كانت تسول لك نفسك المريضة الدنيئة أن تطالب بأن تحيا كمواطن له آدميتة، يخرج إلي الشوارع عندما يفيض به الكيل لتعبر عن رأيك الذي تعرف مسبقاً أنه ربما لن يغير شيئاً جوهرياً سوي أنه سيشعرك بأنك مازلت حياً وربما يؤثر في الآخرين إيجابياً فلا يفقدون الأمل في هذا الوطن الذي مازال يتنفس. في حلقة برنامج الحقيقة كان الكاتب الصحفي وائل الإبراشي يستضيف صحفية شابة تم ضربها والتحرش بها والقبض عليها ثم تركها في صحراء مصر الإسماعيلية ليلاً، وشاب مدون جاء من الفيوم كي يتابع ما يحدث في هذا اليوم ويكتب عنه في مدونته، أي أنه يقوم بعمل صحفي مستقل ، فتم القبض عليه فور خروجه من محطة المترو وتم تجريده من ملابسه تماماً وإهانته وضربه بحثاً عن «كارت الذاكرة الخاصة بالكاميرا» خوفاً من وجود أي صور تثبت ممارسات الأمن الوحشية في ذلك اليوم، ورغم أنه أقسم بأنه لا يحمل شيئاً معه، فإنه تعرض لأبشع درجات الإهانة.. وكان في استضافة البرنامج أيضا الناشطة السياسية جميلة إسماعيل، وكان اللواء نبيل لوقا بباوي أستاذ القانون الجنائي - وهو في الحقيقة أستاذ في الدفاع المستميت عن الأمن والقمع باسم الأمن -، وأكثر ما أدهشني وأصابني بالاستفزاز وهو يجيب عن السؤال الذي وجهته له جميلة إسماعيل عندما قالت له: لماذا يعتدي العسكر والضباط علي فتيات ويتحرشون بهن ويضربونهن ويلقين عليهن أسوأ الألفاظ وأكثر الشتائم بذاءة...ما الجريمة التي ارتكبها هؤلاء الفتيات؟! ثم أظهرت له صور اعتداءات الأمن علي ابنها وصور موثقة أخري لاعتداءات الأمن علي شاب وتجريده من ملابسه هذا بالإضافة إلي شهادتي الشاب المدون والفتاة الصحفية، قالت له جميلة : لم يكن هؤلاء الشباب يحملون «مطاوي أو سنج أو أسلحة»، فقط هم يحملون كلمة في حلقهم يريدون التعبير بها، فما مشكلة الأمن معهم، لماذا لا يتركونهم يعبرون؟، وحينها أضاف وائل موجهاً حديثه للواء بباوي: أنت تسأل طوال الوقت، ما الدليل علي أن الأمن اعتدي علي الشباب، وأعتقد أن الصور التي قدمتها جميلة أكبر دليل ووثيقة إدانة علي ضعف النظام، حينها اعتدل اللواء في جلسته وهو يحاول أن يجد مبرراً فحسب مستخدماً ألفاظ ومفردات مثل أن ينادي جميلة بكلمة «يا ماما»!!!!.. ولا أعلم لماذا هذا النوع من الخطاب «الذي أراه غير لائق مهما كان فارق السن، فهو غير مقبول علي الأقل إعلامياً» - رغم أنها خلال الحلقة لم تكن تناديه إلا بسيادة اللواء!!!، لكنه أراد ربما أن يلعب دور الأب الحازم أو دور السلطة أو دور الناظر.. لا أعلم.. إلا أنه كان دوراً والسلام. واشتد سخف هذا الدور عندما بدأ يقسم : «أعدم ولادي الاتنين إني ما أعرفش الضباط إللي في الصور عشان ياخدوا جزاءهم ويتحاسبوا»!!! العبث... ومنتهي الكوميديا السوداء عندما أجاب اللواء «بباوي» علي ما طرحته جميلة قائلاً: «يا ماما... لو سيبنا الشباب دول في التحرير يعملوا مظاهرة... والشباب دول في العتبة... وآخرون في الجامعة...يبقي إحنا كده بنعتدي علي حرية وحق المواطنين... لازم نعرف إن للمواطن حقوق...إحنا كده بنعطل المرور، حقه إنه يعرف يمشي في الشارع»!!! أكاد لا أصدق نفسي أن هذا الرجل الذي من المفترض أنه أستاذ وباحث وذو علم لأنه صاحب أكثر من رسالة دكتوراه وله العديد من المؤلفات والأبحاث... قلت في نفسي: كيف يقول هذا الرجل الذي يعرف أصول البحث العلمي ومن المفترض أنه دارس لأصول مناهج البحث،كيف يقول هذا الكلام في مثل هذا السياق الذي يغلي فيه البلد من هول مشاكل مواطنيها؟، كيف يتحدث عن حقوق المواطن وكأنه لم يمر ولم يعرف أن هناك شارعاً في هذا البلد اسمه شارع مجلس الشعب.. يبيت علي رصيفه ويقف عليه يومياً العديد من الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات لمواطنين ضاعت حقوقهم ويبيتون علي الرصيف أمام «برلمان الناس والشعب.. أمام ممثلي الشعب والمتحدثين باسمه» للتعبير عن حقوقهم البدهية ولا أحد يسأل عنهم أو فيهم..؟! كيف يقول هذا الكلام وكأنه لا يتابع شاشات الفضائيات التي هو ضيف عليها الآن والتي تنقل يومياً إحباطات وكوارث ضياع حقوق مواطني هذا البلد، والسرقات والفساد الذي يتعرض له هذا المجتمع وناسه؟ ماذا تعرف أنت يا سيادة اللواء عن حقوق المواطنين.....؟! ماذا تعرف عن القهر والظلم الذي يتعرض له ملايين المواطنين الذين تخشي علي حقوقهم من مجرد هتاف بضع مئات أو ألوف الشباب المتحمسين الذين يحيون البلد ويريدون لها مستقبل أفضل، يريدون ألا يكونوا جزءاً من نظام يحترف أن يضرب المواطن علي قفاه»... وأكبر دليل أنك كجزء من هذه المنظومة.. أردت أن تستخدم المواطن تحت شعار أنك خائف وحريص علي حقوقه وأردت أن تضرب المشاهدين المواطنين علي قفاهم....!!! لم تعد المشكلة في تصريحات اللواء بباوي أو غيره. لكن المشكلة هي تلك الثقة وذلك التصديق الذي يتحدثون به...هل هم بالفعل يصدقون أنفسهم وما يقولونه؟...هل هم يتصورون حقاً أنهم يفكرون في عيشتنا..وهم سبب تكفير عيشتنا؟!!! .....وعجبي