وكأنه اتفاق مكتوب.. الأجهزة الأمنية الكويتية التي عملت فيها سبع رجالة علي مواطنين مصريين أبرياء واعتقلتهم قبل أيام لأنهم أعلنوا تأييدهم لدعوة البرادعي للتغيير مجاملة لنظام مبارك المرتبك والقلق من رغبة الناس في التغيير.. سرعان ما ردت لهم الجميل عندما قامت قوات الأمن بتحويل حي الدقي الذي تقع به السفارة الكويتية لثكنة عسكرية لمنع النشطاء السياسيين من تقديم «مذكرة احتجاج » للسفير الكويتي اعتراضا علي واقعة القبض علي مؤيدي البرادعي وترحيلهم هذه الأنظمة العربية التي رحلت أبرياء وحاصرت سفارة، هي الأنظمة نفسها التي اتفقت منذ زمن علي توحيد جهود أجهزتها الأمنية لتعقب المعارضين لها أينما كانوا وبأبشع الوسائل. فهي الأنظمة نفسها التي صادرت رواية «الزعيم يحلق شعره» من معرض القاهرة الأخير للكتاب لأنها انتقدت الرئيس الليبي معمر القذافي، وهي الأنظمة نفسها التي نسقت فيما بينها لاختطاف المعارض الليبي منصور الكيخيا، وتتحمل مسئولية اختفاء المعارض السعودي ناصر السعيد، واغتيال الصحفيين المعارضين للوجود السوري في لبنان سمير قصير وجبران تويني.. وهذه أمثلة بسيطة، فهناك العشرات بل آلاف الحالات غير المعروفة التي طالت معارضين عرباً تعرضوا للاختطاف والتعذيب والقتل من جانب أمن أنظمة عربية علي أراض عربية مجاملة لشقيقتها في الرضاعة والقمع، وكأن الأمر خيط متصل وموصول أبداً.. اعتمد وزراء الداخلية العرب في مارس الماضي، في ختام اجتماعاتهم بالعاصمة التونسية خطة لتنفيذ الاستراتيجية العربية لمكافحة الاستعمال غير المشروع للمخدرات وخطة لتنفيذ الاستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب، مضيفين عليها تعديلات تشمل تجريم التحريض. وتحمل الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب خديعة كبيرة تتمثل في أنها أدرجت الكثير من الأمور السياسية ضمن الجرائم الإرهابية حيث نزعت الصفة السياسية عن بعض الجرائم بالتحديد مثل التعدي علي «كبار المسئولين والملوك ورؤساء الدول والحكام وزوجاتهم وأصولهم وفروعهم وأولياء العهد ونواب الرؤساء أو رؤساء الحكومات أو الوزراء العرب. والتعدي علي الأشخاص المتمتعين بالحماية الدولية كالسفراء والدبلوماسيين رغم أنها تدخل ضمن الأمور السياسية. وعندما تدقق في نصوص الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، تجد أنها افتقدت لوضع ضوابط محددة في تعريف الجريمة السياسية وتفريقها عن الإرهاب، حيث تصف مظاهرات الجوع التي شهدت أعمال شغب في عدد من الدول العربية مثل مصر وتونس والأردن والمغرب بأنها أعمال إرهابية، نظراً لانطباقها علي مضمون النص الخامس من الفقرة «ب» من المادة الثانية من الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب «التي اعتبرت» أعمال التخريب وإتلاف الممتلكات العامة أو الممتلكات الخاصة المخصصة لخدمة عامة جرائم إرهابية، فيما شملت نفس الاتفاقية العربية تبادل المعلومات الدوري، وإلقاء القبض الاحترازي، ومنع التحريض، وتسليم المجرمين والمتهمين بأعمال إرهابية، وفعلاً قامت عدد من الدول العربية بتسليم متهمين بارتكاب أعمال إرهابية إلي كل من مصر والجماهيرية الليبية ومن بين الدول التي قامت بتسليم المتهمين بالإرهاب إلي دولهم الأصلية الأردن وسورية واليمن والمملكة العربية السعودية والإمارات. والشاهد أن التنسيق الأمني بين الدول العربية لقمع المطالبين بالتغيير والحريات ليس استثناء، عبد الغفار شكر عضو المكتب السياسي بحزب التجميع يؤكد أن واقعة اعتقال وترحيل مصريين من الكويت ليست الأولي من نوعها قائلا: «هناك وقائع كثيرة قامت بها أجهزة أمن عربية لمجاملة أنظمة عربية أخري»، موضحا أن مصر ودول الخليج تحديدا ترتبط معا باتفاقيات أمنية مشتركة إضافة للاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب منذ ما يزيد علي العشرين عاما، حيث تتبادل هذه الأجهزة المعلومات مع الأجهزة الأمنية المصرية بخصوص تحركات المصريين في دول الخليج خطوة بخطوة، مشيرا إلي أن هذه الأنظمة متشابهة في الاستبداد، وتستخدم مجلس وزراء الداخلية العرب لحماية عروشها، وعلي رأس هذه العروش عرش الرئيس مبارك الذي قال شكر إنه لو سقط فسيتبعه تساقط باقي الأنظمة المستبدة في الدول العربية. وبطبيعة الحال، وتنفيذاً لاتفاقات أمنية شديدة الدقة بين الأنظمة العربية، يتوقع شكر أن تشهد الدول العربية أشكالا من القمع والاعتداء علي مصريين آخرين يعتزمون الإعلان عن تأييدهم لدعاوي التغيير والإصلاح التي تتبناها القوي السياسية والدكتور محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية لكن هذا لن يمنع المصريين من الإعلان عن تأييدهم للتغيير طبقا لكلامه. النقطة الأخيرة من كلام عبد الغفار شكر يتفق معها أحمد سيف حمد، الناشط الحقوقي، ومدير مركز هشام مبارك للقانون حيث يقول: «رأيي هو أن ما حدث في الكويت من قمع للمصريين سوف يزيد المصريين في الدول العربية والدول الأوروبية صلابة، وسيعطي قوة أكثر لحركة التغيير داخل مصر، موضحا أن ما حدث في الكويت يكشف عن أن الأنظمة في الدول العربية أدمنت القمع وأن لديها قلقاً من تحركات قوي التغيير المطالبة بالحرية. مجاملات الأنظمة العربية لبعضها البعض في الاستبداد لم تتوقف عند تصفية المعارضين السياسيين وتعذيبهم وقتلهم، لكنها وصلت لحد مصادرة سطور وكتب تتعرض للنقد بشكل مباشر أو غير مباشر لزعيم عربي أو عائلة زعيم عربي، الأمر لم يقف عند حدود المصادرة فحسب وإنما وصل إلي حد الاختفاء الغامض الذي يعتبره كثيرون «اختطاف وقتل» لكن من دون أدلة حاسمة، والأمر يتعلق باختطاف المعارض الليبي الشهير منصور الكيخيا من فندقه في القاهرة بينما كان يحضر اجتماعات المنظمة العربية لحقوق الإنسان بصفته عضوا في مجلس أمنائها، ولم يتم العثور علي الكيخيا منذ عملية الاختطاف، وتتهم اللجنة الليبية لحقوق الإنسان ومعارضون ليبيون مسئولين أمنيين مصريين بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الليبية لاختطاف منصور الكيخيا لإسكات صوت أي معارضة لسياسات الرئيس معمر القذافي. الحكاية تكررت ثانية في شهر ديسمبر لكن قبل واحد وثلاثين عاما، أي في عام 1979، والقصة التي وثقتها كتابات كثيرة فيما لم تعترف بها أي جهة رسمية تقول إن جهات أمنية في الأردن قامت -عن طريق صحفي لبناني وجماعات فلسطينية مسلحة- باختطاف المعارض السعودي ناصر السعيد مؤلف كتاب «تاريخ آل سعود»، قبل أن يتم تسليمه إلي جهات أمنية سعودية ليختفي الرجل بعدها إلي الأبد. وكان ناصر السعيد من المعارضين السياسيين القلائل الذين يطالبون بالتغيير والحريات السياسية والمدنية والمساواة داخل المملكة العربية السعودية، داعيا إلي إطلاق حرية الفكر والرأي وإطلاق سراح السجناء السياسيين، وإقامة برلمان منتخب يمثل المواطنين كافة، وإقرار دستور سياسي للمملكة يراعي العدل والمساواة وأخلاق القرآن والسنة النبوية، ويكفل حرية تكوين الأحزاب السياسية والصحافة وحرية العقيدة والاجتماع والتنظيم، واستصدار قوانين تساوي في المعاملة والحقوق بين العمال السعوديين والأجانب ويراعي قانون العمال مساواة العمال السعوديين في الحكومة بغيرهم من العمال الأمريكيين في شركات البترول والمجالات الاقتصادية الأخري. وقبل خمس سنوات من الآن، كانت لبنان علي موعد مع حادثي اغتيال بارزين لشخصيتين بارزتين في معاداتهما للسياسة السورية في لبنان، وهما الصحفيان سمير قصير وجبران تويني، في انفجارين مروعين ضمن سلسلة تفجيرات بدأت باغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري حيث اتهمت قوي لبنانية معارضة مسئولين أمنيين لبنانيين بالتورط مع المخابرات السورية لاغتيال رموز المعارضة اللبنانية لما يسمي بالهيمنة السورية علي لبنان.