أسرائيل تضرب قافلة داخل الحدود المصرية على مشارف مدينة العريش، وتقول ان هذه القافلة كانت تحمل أسلحة لحركة حماس! رئيس الوزراء الأسرائيلي يقول، نحن لا نعتبر هذا القصف خرق لأتفاقية السلام وانما نعاون مصر لتفرض سيطرتها على سيناء!! رئيس الأركان الأسرائيلي يقول، ان أيدينا ستصل لأي مكان يهدد أمن أسرائيل ويشير الى ان سيناء أصبحت وكر للأرهاب وخارج السيطرة المصرية تماما!! وفي شريط فيديو جديد، زعيم الجهادية السلفية المتحالف مع تنظيم القاعدة يقول، ان المجاهدين مستعدين لكل الإحتمالات وسنرد الصاع صاعين. يذكر ان تعداد هذه التنظيمات تضاعف بسبب العائدون من سوريا!!
يا ترى كم من الوقت يفصل هذه الأحداث لتتحول لواقع جديد نعيش فيه؟ ولكي لا يطول بنا المقام في التخيلات، تعالوا نعود لأرض الواقع ونسأل، هل هذا أمر قابل للتحقق؟
الشاهد ان مسرح الأحداث في المنطقة يوحي بأنها فقط مسألة وقت! نفس هذه المكونات كانت يوماً ما على حدود باكستان الدولة الأسلامية السنية النووية. وما ان حدثت هجمات 11 سبتمبر 2001 على أمريكا حتى أصبحت باكستان على صفيح ساخن وأصبح عليها ان تختار بين ان تنال العفو الإمريكي (كانت معاقبة بسبب تطوير أسلحة نووية) او تتحمل مسؤولية القاعدة وبن لادن مثلها مثل أفغانستان طالبان. تخيل!! دولة نووية تخضع بهذه السهولة، فما فائدة سلاح الردع النووي !!
ومن ساعتها تحولت حدود باكستانالغربية المشتركة مع أفغانستان وأيران لمنطقة مستباحة بمعنى الكلمة. الجيش الأمريكي يدك منطقة القبائل ويحصد أرواح الناس ولا يهمه كم من الأبرياء يسقطون في سبيل تصفية تنظيم القاعدة! وجيش باكستان بدوره ينفذ الأوامر وينزل لمنطقة القبائل لا من أجل التنمية ولكن من أجل استباحة المنطقة ضرباً وقهراً لتصفية التنظيمات المسلحة! حتى جأت لحظة اسدال الستار على تلك البقعة الملتهبة من العالم الأسلامي وأنتقل مسرح العمليات للدول العربية الثائرة.
ومع هذا التحول وبمرور وقت قصير للغاية لا يتعدى بضعة أشهر على نجاح ثورتي تونس ومصر واندلاع ثورات اليمن وليبيا وسوريا والهبات الشعبية في البحرين والجزائر والمغرب وسلطنة عمان والسعودية، داهمنا مقتل بن لادن! وقبل ان تصل اليه يد الأمريكان أصدر بن لادن شريط تحدث فيه عن الثورات العربية. أرجوكم راجعوه واسمعوا ما قاله، ومن ضمنه مثلاً، انه يعتبر الثورة المصرية والثورات العربية أمتداد لأعماله وهبّه من الأمة كان يحلم بها منذ زمن بعيد.
لن أتوقف أمام هذا الأدعاء ولكن أمام تداعياته. وكأن خطاب بن لادن اعطى أشارة لمن يفهم عنه بالتحرك من منطقة القبائل بباكستان والعودة للديار في الشرق الوسط! في هذه الأثناء تجمعت بسوريا نفس أجزاء المعادلة المصرية والتى تتلخص في حاكم لا يريد ان يستجيب للشعب فكسره الشعب المصري، هو ومن معه، شرطة كانو ام غير ذلك! لكن في سوريا لم يستطع الشعب ان يفعلها! وأمتدت يد بشار بالأثم وحولت الجيش لضرب الشعب بدلاً من تحرير الجولان فوجد المسلحين ضالتهم! وأصبحت سوريا اكبر مغناطيس يجذب المقاتلين من باكستان والشيشان وأفغانستان وغيرها من البؤر المصدرة للمسلحين وباتت سوريا مسرح عمليات مفتوح. فهل امتدت يد أسرائيل لضرب أهداف داخل سوريا ام ان هذا من وحي الخيال ايضا؟
وفي مصر ظهروا فجاة في رفح، حتى ان أعلام تنظيمات القاعدة والجهاد والجماعة الأسلامية والسلفية الجهادية الخ أصبحت تنافس العلم المصري في سيناء (راجع ما حدث يوم جمعة الغضب في رفح). بل ان علم القاعدة ظهر فوق مبنى امن الدولة الرئيسي بالقاهرة اكثر من مرة، وفوق السفارة الأمريكية، فاعتبروا يا أولى الأبصار! وان كنتم تحسبون ان هذه مجرد اعمال صبيانية فأرجوكم ان تضعوا انفسكم مكان ايمن الظواهري مثلاً وانتم تشاهدون الأخبار من مخبأ ما في باكستان ثم لدى مشاهدته الأخبار يرى علم تنظيمه يرفرف فوق مبنى أمن الدولة بمصر، فهل يا ترى هذه أشارة سلبية له؟ وهل تقرأ أسرائيل هذه الأشارة بطريقة إيجابية؟
ومن ناحية الأرض فان سيناء بها منطقة تصلح لأن تلعب نفس دور تورا بورا ومنطقة القبائل بباكستان. لدينا نفس التكوين القبلي في سيناء بالإضافة لمجتمع مهمش لم تمتد له يد العون بالتنمية في وقتاً ما، ولم يختلط بسكان الوادي مثل أختلاطه بالجانب الأخر من السياج الحدودي (أسالو بدو سيناء هل كانت أيام الأحتلال الأسرائيلي مرّة؟). ولدينا جبال ومناطق وعرة حيث التجارة الرائجة هي المخدرات والسلاح وتهريب الأفارقة لأسرائيل (العبيد بلغة البدو). ولا أتجاوز اذا أشرت لتجارة رائجة للاعضاء، تسرق من الأفارقة تعساء الحظ أجزاء من جسدهم. ولقد "بح" صوت وتقارير العسكريين العامليين بسيناء من أجل الأسراع بتنميتها ولم يستجب احد!
المصيبة ان القائمين على الأمر صغار القامة! فرحوا بإفلات "كام" جندي من الأسر بدون ان تصل إيديهم للجناة. وذهبت الدولة لمطار ألماظة الحربي لتلتقط الصور مع الجنود في صور مبتذلة للإستهلاك المحلي. لكن على الجانب الأخر من الحدود، هناك عدو متربص لا يعرف النوم لأنه يفهم جيداً انه لو غفل مرة فقد تكون نهايته! وهذا العدو لم يتوانى من قبل في قتل العديد من أفراد القوات المسلحة المصرية حتى "بداخل" الحدود المصرية، كان أخرهم "فيما نعلم" الخمسة جنود المقتولين في أغسطس 2011 والتى انتقمت لهم الثورة بأقتحام السفارة الأسرائيلية وطرد السفير في حركة غير مسبوقة بتاريخ أسرائيل! ساعتها لم تستطع أسرائيل الرد على الشعب المصري لكنها سوفت التحقيقات وسكت المجلس العسكري على دماء أبنائه!
أين نحن من عزّة ذلك اليوم! انتبهوا أيه السادة، فعما قريب قد نقرأ تصريح يقول " عاجل: غارة أسرائيلية على العريش!!"