في فن السياسة.. ضع الأشياء الصغيرة بجانب بعضها، لتري الصورة كبيرة مكتملة تماماً مثل لعبة البازل الشهيرة، وفي مصر دوماً، الشيطان يكمن في التفاصيل، في السادس من أبريل الماضي، ظهر وجه النظام الحقيقي القمعي، بمعني أكثر وضوحاً، ما فعله الأمن في أعضاء 6 أبريل ما هو إلا بروفة لما هو قادم، وهذه هي العينة الأولي، في الاعتصام الأول والثاني، لم يتدخل الأمن كما حدث يوم الثلاثاء الماضي، الأمور كانت أكثر هدوءاً، وبلا تجاوزات كما حدث، لكن هذه المرة مختلفة، البلد يدخل علي انتخابات مجلس الشوري، ومن بعدها انتخابات مجلس الشعب، وهما المجلسان اللذان سيسلمان الحكم لما هو قادم، صحة الرئيس أعطاه الله الصحة تقلق الكثيرين، طوال فترة النقاهة سربت الرعب لنفوس المحيطين، وهم وحدهم يعرفون حقيقة صحته، لذلك القلق يسيطر عليهم ولابد من إظهار العين الحمراء للفترة المقبلة، وظهرت مع شباب 6 أبريل في يومهم، النظام يقول بصراحة، اليد الحديدية ستظهر في الأيام المقبلة، مصر لابد أن يكون بلداً هادئاً مستقراً، فرشة البلد لما هو قادم، وقد صنعوا لنا ثلاثة نماذج نختار من بينهم، الدكتور البرادعي والدكتور نظيف والمستر جمال «البانكير»، والأقوي هو من يركب العرش، وللثلاثة قوة مختلفة، الدكتور البرادعي لديه قوة الشعب، الرجل في كل تحركاته يكتسب شعبية جديدة، وكل هجوم الصحف القومية ضده بالأمر كما هو ظاهر لنا تكسبه شعبية أكبر، إذا أردت أن تكسب أي شخص شعبية بالمجان، فسلط كتَّاب النظام عليه، وسيكتسب شعبية لا مثيل لها وفي وقت قياسي، وقوة الدكتور نظيف في الدستور، بمعني لو قدر الله سافر الرئيس مبارك مرة أخري للعلاج، أصبح نظيف رئيساً ومن حقه الدستوري أن يرشح نفسه للرئاسة، خصوصاً أنه في الترتيب الأول في لائحة الحزب الوطني للترشح للرئاسة، ولكي تتأكد من ذلك ادخل علي موقع الحزب الوطني الإلكتروني واقرأ الترتيب، وجمال مبارك قوته في الفلوس، الرجل حوله كل الاقتصاديين الكبار في البلد، رجال الأعمال لايعرفون الهزار في مصلحتهم الخاصة، وعندما يقتربون من شخص ويدعمونه ويحيطونه، فهم يعرفون جيداً أنه الأقوي وأنه القادم، وأنه ينفذ السياسات التي تتيح لهم استقراراً اقتصادياً لا يؤثر في أعمالهم وصناعتهم وتجارتهم وأموالهم، هم عصب البلد الآن وما يقال غير ذلك هراء. كما أنهم ليسوا برجال أغبياء، بل لهم حس عال وشعور متقد تجاه أي خطر يهدد أعمالهم، ولذلك هم الآن بكل قوتهم بجوار جمال مبارك، واختفاء جمال الآن عن الأعين ما هو إلا تحرك تكتيكي مدروس، منافسه يمتلك كاريزما شعبية وتأييداً وعلاقات عالمية لو ظهر أمامه سيخسر كثيراً، الدكتور البرادعي لا يختلف عليه اثنان في نزاهته ونفوذه الدولي ورضا الغرب عنه، والثلاثة السابقون يلقون الترحيب الغربي الأمريكي الإسرائيلي، ومن يفز بالعرش فسيلقي تأييداً كبيراً منهم، لذلك الثلاثة في سباق رهيب نحو تحقيق الهدف الأسمي، عرش مصر الكبير، أما بقية القوي في مصر فهي في موقف حرج بالفعل، فريق يؤيد البرادعي ويدعم ترشيحه ويخطط له كل تحركاته والرجل ينفذ بالحرف الواحد بلا «فذلكة» وفريق آخر لا يمانع من وجود جمال وحده رغم كم الشائعات الكبيرة الذي يطالهم من شائعة رواتب جمال مبارك الرهيبة، هذه هي الصورة التي ستنتهي بتجربة مهمة جداً، وهي تجربة تركيا العلمانية المدنية ومصر تشاهد هذه الأيام دعماً أمريكياً كبيراً، الأموال الأمريكية المتمثلة في الشركات الأمريكية الكبري تتجه إلي اتجاهين مصر وسوريا، ودخول ميردوخ مع الوليد ليس صدفة، بل الرجل يعرف مسبقاً أن هذا البلد سيشهد دعماً وانتعاشة من الأمريكان، لذلك بدأ هو الطريق عقلية مثل ميردوخ وعلاقاته ونفوذه لا تدل علي أنه يتصرف صدفة أو من عندياته مطلقاً وهذا مثل بسيط، إذن مصر ستدخل لمرحلة جديدة، بلد مفتوح ليبرالي علماني، لذلك ابتعد الإخوان عن الساحة تماماً، لأنهم جماعة سياسية محنكة تعرف أن المناخ العام لا يسمح بوجودهم علي السطح الآن، لذلك تراجعوا للوراء حتي تهدأ الأمواج العالية، كل اللامعقول توقع أن يحدث في الأيام المقبلة، وبعد عامين علي الأكثر، ستري مصر جديدة بوجوه جديدة بسياسة جديدة ونحن كشعب كالعادة في الانتظار، قد يطول، قد يقصر، لكننا متفرجون!!