في عددها الصادر أمس الأول (الثلاثاء) قدمت صحيفة «الأهرام» لقرائها دليلاً عمليًا مجانيًا يهدي ويرشد كل نابه وكل «صاحي للون» من هؤلاء القراء إلي أسهل وأقرب الطرق لكي ينتقل هو والتعليق أو الرسالة التي قد يبعث بها للجريدة من صفحات الضواحي البعيدة، حيث تقبع عادة زاوية بريد القراء إلي «وش الدنيا» في قلب الصفحة الأولي حيث السكن الدائم لأخطر وأتفه أخبار الحكام وكبار القوم. فأما هذا «الدليل الهادي» فقد كان عبارة عن عنوان بارز زين صدر صفحة غلاف الصحيفة في هذا اليوم، بشرتنا كلماته نصًا بأن هناك (تأييدا واسعا لفكرة «بريد الأهرام» للاحتفال «بيوم الرئيس»)!! غني عن البيان أكيد أن علامتي التعجب الأخيرتين هاتين من عند العبد لله وليستا من عند «الأهرام»، لكن هذه الأخيرة أوضحت لنا في التفاصيل المنشورة أسفل العنوان المذكور (وعلي كامل مساحة زاوية بريد القراء في الصفحة الداخلية) أن فكرة «عيد الرئيس» العبقرية تلك يعود فضل اكتشافها واقتراحها إلي قارئة نابهة صاحية للون أطلقتها عبر الموقع الإلكتروني للصحيفة، مطالبة بأن يكون يوم العيد هذا مناسبة تتعطل فيه «مصالح ومؤسسات البلاد» والعباد (أكثر مما هي عطلانة فعلا) لكي يتفرغ الشعب كما قالت «للتعبير عن مشاعره تجاه الرئيس حسني مبارك (بحيث) نجعل من هذا اليوم عيدا نجدد فيه كل عام ثقتنا برئيسنا ونعلن تمسكنا به زعيمًا وقائدًا، فهذا الرئيس القائد هو والدنا جميعا، والد كل المصريين.. أليس من حق الوالد علي أبنائه أن يحتفلوا به مرة واحدة كل عام؟.. أليس من حق الرئيس علي شعبه أن يحتفي به؟» واضح طبعًا أن قارئة «الأهرام» لا تسأل لتتلقي إجابة وإنما هي تتوسل بصيغة السؤال فقط لتحرجنا وتخرسنا وتلقمنا «طوبة»، غير أنك قد تتساءل أنت في سرك متعجبا (إذا لم تكن من المحظوظين قراء الأهرام) كيف ومن أين أتت حضرتها بهذ الفكرة؟ والحقيقة أن السيدة القارئة جاوبت في رسالتها عن هذا السؤال عندما عرفت نفسها بأنها وكيل وزارة سابق في مجلس الشعب، وأنها تعيش حاليًا في الولاياتالمتحدةالأمريكية واكتشفت هناك أن الأمريكيين لديهم عيد سنوي يسمي «يوم الرئيس». وبسبب السهو غالبًا تجاهلت السيدة الفاضلة وكيلة الوزارة السابقة في مجلس شارع قصر العيني الفروق الجوهرية بين طبيعة المنصب الرئاسي في أمريكا وجنس الرئاسة في مصر، ومنها مثلا أن الرئيس هناك منتخب من الشعب بينما رئيسنا تعينه الأقدار وحدها ثم لا تقوي ولا تجرؤ بعد ذلك علي مجرد الاقتراب من سيادته دون أن تعرض نفسها لخطر الاعتقال بموجب قانون الطوارئ، لهذا فالأمريكيون قد يحتفلون بالرئيس مرة كل عام ولكنهم يحتفلون أيضا بيوم خروجه الأبدي من السلطة كل أربعة أو ثمانية أعوام (أو أقل لو أرادوا)، فضلاً عن أن الرئيس الأمريكي ربما يحتاج يومًا واحدًا في السنة تتعطل فيه المصالح لأجله، أما عندنا فكل أيام العام قابلة للشلل والتعطيل حبًا في الرئيس. ولماذا نذهب بعيدا ونجهد ذاكرتنا التعبانة، مادام الأمس القريب قريبًا جدا وتنطبق عليه العبارة الشهيرة الأثيرة لدي إخوتنا الكتبة، أي تلك القائلة بأنه «لمن سخريات القدر كذا»؟!، هذا «الكذا» خلاصته أن يوم الثلاثاء الماضي الذي بشرتنا فيه «الأهرام» بفكرة «عيد للرئيس» تتعطل فيه الأعمال والمصالح كان هو نفسه يوم تعطيل مصالح وشئون حياة الملايين من خلق الله في العاصمة ومدن أخري عدة بعدما قامت جحافل «بوليس الرئيس» بغزو واحتلال ميادين وشوارع البلد كله قبل أن تقمع بقسوة مرعبة مئات من شباب الوطن (شباب حركة «6 أبريل») وتسحق عظامهم وتسحلهم (دون تفرقة بين بنين وبنات) عقابًا لهم علي محاولة ممارسة حقهم المشروع في التجمع والتظاهر السلمي للمطالبة بحق المصريين في الحرية والديمقراطية وإنهاء احتكار الأقدار السوداء وتفردها بمهمة اختيار الرئيس ووضعه بالعافية فوق قلوب أهالينا إلي ما شاء الله.. ما شاء الله فعلا!!