سألني برما: لماذا لم تفكر يوما في احتراف كرة القدم؟، قلت له لأنني ابن الطبقة المتوسطة التي كانت ترفض أن يلعب أبناءها الكرة في الشارع، كانت أصول التربية تحول بيننا وبين هذا الحلم ولكن هناك قلة متربية فلتت من هذا الحصار والمفاجأة أن الرباية جعلت عددا قليلا جدا منهم يعمّر في الملاعب، فسألني هل تعني بذلك أن معظم نجوم الكرة لم يكونوا محل تربية صارمة، فقلت له لا أستطيع أن أجيب عن هذا السؤال يا برما فقال لي لماذا فقلت لأن الدوري لسه في الملعب. قلت لبرما الأمور تغيرت، جميع الطبقات حاليا تستحلف أبناءها أن يذهبوا إلي مدرسة الكرة آملين أن يؤمن ذلك مستقبل أبنائهم لأن القاعدة حاليا أن من يجري لمدة تسعين دقيقة خلف الكرة يكسب مئة ضعف من يجري اليوم كله خلف لقمة العيش، حتي إذا لم يكن الولد موهوبا كرويا يقولون أهو يكبر ويشتغل في أي استوديو تحليلي وخلاص. كنت أنوي أن أسأل برما عما ينوي أن يفعله مع ابنه عندما يكبر لكنني تذكرت سؤالا أهم فقلت له «صحيح.. أنت متجوز يا برما؟»، قال لي «بنسبة كبيرة»، ثم راح في صمت يشبه صمت حقول الألغام، بعدها التفت لي قائلا (الزواج هو ثاني أسوأ قرار اتخذته في حياتي) سألته عن أول قرار فقال «الجوازة الأولانية»، ثم قال «الزواج فكرة قائمة علي الظلم ..»، سألته عمن يقع عليه هذا الظلم فقال «الرجل طبعا... فالمرأة خصها الله بميزة فهي تستطيع أن تتعايش وتمشي أمورها مع رجل نصف دميم نصف متوسط الحال وأكبر منها بعدة سنوات ويدخن البانجو علي فترات متقطعة، ستشكو أحيانا ولكنها تشكو بحكم طبيعتها كامرأة تشعر بأنها ظلمت بيولوجيا فتظل طوال حياتها تسقط هذا الشعور علي كل ما يمر بها، لكنها متعايشة وتجد لنفسها ثغرات تتسلل منها إلي الشعور بالسعادة مثل أن تحب ابنها أو تجمع قطع الجهاز لابنتها منذ طفولتها وهكذا، لكن الرجل يصعب عليه كبني آدم له مشاعر وأحاسيس أن يشعر بالراحة للورم الذي نبت فجأة في قفاه حتي لو تزوج واحدة فائقة الجمال فائقة الثراء وأصغر منه بسنوات وتجيد انتقاء قطع اللانجيري». التفت لي برما قائلا «وأنت متجوز؟»، فقلت له «طبعا»، سألني «وإيه أخبار الورم؟» فقلت له الحمدلله التحاليل أثبتت أنه ورم حميد ومابيتعبنيش غير لما بارجع البيت متأخر . قال لي خد بالك الزواج يؤثر بالسلب في مستوي الذكاء، قلت له أشك في هذه المعلومة وأعتقد أن ما يحدث هو العكس، فالذكاء يكون في أدني مستوياته عندما يتخذ الرجل قرار الزواج، بعدها يبدأ الرجل في تنمية مهاراته الفكرية للتعامل مع الوضع الذي أصبح عليه، ثم طلبت منه أن نغير الموضوع لأنني لا أخفي شيئا عن زوجتي وسأضطر لأن أحكي لها كل ما حدث وربما تزعجها وجهات نظرنا الرجالية في الموضوع.. وقلت له أرجوك عيش وسبني أعيش. سيطر علينا الصمت للحظات، ثم قال لي برما فجأة «بس أنا عايز أتكلم عن الجواز ..ماتتكلمش أنت واسمعني»، فبدأت أتحسس الورم ثم قلت له اتفضل يا برما فسألني عارف أنا اتجوزت أول مرة إزاي ؟، فأجبت بالنفي، فقال لي صلي علي رسول الله ..فصليت وسلمت، ثم قال بصراحة أنا في لحظة يأس قررت أني اتجوزت أول واحدة تتقدم لي، بعدها صمت تماما ثم أظلمت الدنيا وبدأ المشهد بدون مقدمات... «ليل داخلي بيت برما أوضة الضيوف... العروسة وأبوها يجلسان مع برما وأمه.. الأب: والله ياحاجه إحنا جايين علي سيرة ابنك وسمعته اللي زي سمعة الكابتن أحمد مجدي. الأم : أنتوا نورتونا وحضرتك بتشتغلي إيه ؟ البنت: لا أنا مابشتغلش أنا هاتجوز واقعد في البيت ومش هالاقي حد أحسن من ابن حضرتك اقعد معاه. الأم: وإنتي شفتيه فين قبل كده؟ البنت: بصراحة بنات الحلال دلوني عليه وشفته كذا مره وهو بيلعب كوره في الشارع. الأم: بس الولد لسه صغير علي الجواز. الأب: يا ست الكل الجواز بدري ستره للرجاله. البنت: وأنا مش مستعجله يا طنط إحنا نقرا فاتحه ونلبس دبل وبعدين الحاجات تيجي بالراحه. نسمع صوت طرقات علي الباب الأم : ادخل يا برما. برما يدخل حاملا صينية عليها علب كشري وأكياس الشطة خجولا وعينه في الأرض. الأم: قدم الكشري لعروستك. برما يرج العلبة قبل أن يقدمها للبنت ثم يسألها: برما : شطه؟ البنت : شكرا. برما: طيب تحبي أجيب لك بصل زيادة؟ البنت : لا تمام. الأب: ما شاء الله أدب وجمال وذوق. برما للأب: وفيه رز بلبن كمان. الأم: طيب اتفضل يا حاج نشرب القهوة في البلكونة ونسيب الولاد يقعدوا مع بعضهم شوية.. الأب والأم يخرجان ويتركان برما والبنت البنت: إيه الرجولة دي؟ برما : دا من بعض ما عندكم. البنت: وأنت اللي عامل الكشري ده بنفسك. برما: عامل الكشري في نفسي ازاي يعني؟ البنت: لا قصدي أنت اللي طابخه؟ برما: وهو فيه حد بيطبخ كشري؟ البنت: طب إيه رأيك في موضوع الجواز؟ برما: والله أنا اسمع أنه كله مشاكل وأن الستات دايما معكننة علي رجالتها وأن الراجل بعد الجواز بيبقي زي التور المربوط في تك تك وأن لما الواحد بيتجوز بيجوا أصحابه يباركوا له ويقولوا له المغفلين زادوا واحد..بس البنت: يعني أنت مش نفسك في بيت وواحدة تدلعك وتشوف طلباتك. برما: تشوف طلباتي ؟ دا علي أساس أني هاتجوز في قهوة ولا إيه؟ البنت: لا .. قصدي واحدة تخدمك وتريحك. برما: والله أنا مش تعبان من حاجة... وبعدين كل البنات بتقول كده في الأول وبعدين بتفخد في البيت وبتقعد تقول لجوزها عايزة شغالة عايزة شغالة... البنت: طيب وإيه المشكلة في كده؟ برما : مافيش مشكلة بس ما الواحد يتجوز الشغالة علي طول ولا هيه مصاريف وبس؟ البنت : طيب أنا مش عايزالك تشيل هم المصاريف دي خالص. البنت تضع يدها في جيبها وتخرج هدية للبرما برما: إيه ده ؟!البنت: دا هدية بسيطة كارت شحن ب100.. برما: طب شكرا مع أني لسه شاحن والله. البنت: ممكن آخد تليفونك؟ برما : آه بس لازم استأذن ماما الأول. الأب والآم يدخلون الأم : ها يا أولاد إيه الأخبار CUT كانت هناك دموع خفية في عيني برما فقلت له يبدو أن الأمور سارت بشكل مأساوي فيما بعد، ربما أنت مخطئ يا برما لأنك تزوجت صالوناتي، مسح برما دموعه قائلا: الفرق بين جواز الصالونات والجواز عن حب. زي الفرق بين إنك تسافر تشتغل في رواندا وإنك تسافر تشتغل في رواندا بعقد مغر. أعدت علي برما رغبتي في عدم الحديث عن الزواج ونظرياته؛ فقال لي أوكيه ...إليك هذا السؤال ..تعرف بالطبع أن المستحيلات الثلاثة هي الغول والعنقاء والخل الوفي، فقلت له إذا كنت تقصد الغول بتاع مجلس الشعب فهو ليس من المستحيلات الثلاثة، فقال لي أومال إيه؟، فقلت له ده من عجائب الدنيا السبع، فقال ولكن عجائب الدنيا السبع اختفت من علي وجه الأرض ماعدا الهرم، فقلت له ولكن المجلس سيد قراره، فبهت تماما ثم قال لي عموما كنت أود أن أسألك:هل تعرف ماهو المستحيل الرابع، فأجبت بالنفي، فقال المستحيل الرابع هو أن تختبر برودة ماء النهر بكلتا قدميك. قلت له يالك من فيلسوف يا برما بس بصراحة وبما إني هاحكي كل اللي حصل لمراتي وأتوقع أن تسألني «وأنت رديت عليه قلت له إيه» فأنا أحب أقفل معاك كلامي عن الجواز بفكرة التماس عذر ما للنساء، فالفرق شاسع بين تركيبتنا وتركيبتهم وأحيانًا نبدو غير مفهومين، فقال لي برما «مش فاهم» فقلت له هناك حقائق في حياة الرجل يصعب علي المرأة استيعابها بسهولة، فقال لي «زي إيه؟»، فقلت: زي أن الرجل ممكن يقص ضوافره بسكينة المطبخ أو بمقص الشجر. زي أن الراجل مش مضطر يوضب البيت لو فيه حد جاي له وده شيء مزعج للستات اللي بتبقي حريصه توضب البيت لو فيه أي حد جاي حتي لو كان السباك. زي أن الراجل ممكن يقضي حياته كلها بمحفظة واحدة وجزمة واحدة ومن نفس اللون كمان وده شيء مزعج للستات اللي ممكن لو مالقتش حاجة تغيرها تغير لون شعرها مرتين في يومين ورا بعض.زي أن الراجل ممكن مايحضرش فرح صاحبه ويفضلوا أصحاب ودي حاجة غريبة في عرف الستات اللي الواحدة منهم تبقي مقضيه اليوم مع صاحبتها وتروح تكلمها بالتلات ساعات في التليفون. زي أن الراجل زي البقال الغلس دايما يقول ماعندوش..وهو عنده جوه. الرجل كائن معقد وخشن من برة ومن جوه والست -أي ست- تُشكر أنها تتعامل معه وتفلح في استيعابه أحيانا، والثنائيات كلها تختلف مع بعضها، والوقت كفيل بانصهار الاثنين في كيان واحد يستوعب أي خلاف أو اختلاف. ابتسم برما للمرة الأولي منذ التقينا ثم ربت علي كتفي بحنية قائلاً: «أنت لسه صغير».