منذ سنوات قليلة كنت في قصر العيني الفرنساوي أجري بعض التحاليل الدورية، ودار حديث بيني وبين الطبيب حول المجتمع والتربية، قلت: نحن شعب في حاجة إلي إعادة التربية مرة ثانية أو علي الأقل بعضنا.. فقال الطبيب: اختلف معك كوننا سنعيد التربية أنها كانت موجودة، فهذا الصنف غير متوافر لدينا الآن، ولم يكن موجودا من قبل، في النهاية اتفقنا بأنه كانت هناك تربية قبل التعليم، لأننا الجيل الذي عاصر أساتذة أفاضل بل علماء أجلاء.. وآباء كانوا أكثر حرصا علي تربية أبنائهم لصالحهم ولصالح أوطانهم، ومازالت البقية موجودة الآن وإن كانت تنحسر فتنحسر فالمشاهدات اليومية تبدو مؤسفة وعلي كل المستويات أو حتي التصريحات فكيف لنا أن نقبل أن تخرج علينا الوزيرة السابقة ميرفت التلاوي لتقص علينا: أن الدكتور يوسف بطرس غالي أراد أن يأخذ 200 مليار جنيه حصيلة مدخرات التأمينات والمعاشات ليضعها في أحد البنوك الأمريكية، ماذا كان يمكن أن يحدث لو أن هذه الأموال قد ضاعت في الأزمة المالية الأمريكية؟ لا شيء... ثم هل هناك من حاسبناه علي ضياع أموالنا أو تعويضاتنا التي دفعناها، مثل قضية سياج في سيناء أو غيرها؟! ولتسمح لي الوزيرة السابقة التلاوي لماذا سكتت طوال عشر سنوات حتي تخرج اليوم لتحكي لنا هذه الحكاية مثل مئات الحكايات التي دفعنا نحن ثمنها؟ وماذا بعد الحكاية؟ هل هذا الوزير سيحاسبه أحد؟ أزعم أن لن يحدث مثل مئات الرزايا التي يدفنها الزمن وتدفع ثمنها الأجيال، ولكن إذا كان هؤلاء هم الوزراء أو من علي شاكلتهم فماذا عن الأجيال الحالية التي تربي في مدارسنا وجامعاتنا الآن وغدا؟ لقد حدث علي مدار أربع وعشرين ساعة ثلاثة أحداث أزعم أنها غاية الخطورة في دلالتها، حيث فوجئت يوم الجمعة عصرا بشاب وفتاة داخل سيارتهما الملاكي يرتكبان عملا مخلا لا ينبغي وصفه فنهرته ولم تكن مفاجأة أن أري التبجح في رد الشاب الذي ادعي أنه ينتمي إلي مؤسسة يفترض أنها منضبطة.. حدثني الشاب وكأن هذه الأفعال من حقه، وليس لأحد الحق في حسابه عليها وحينما أصررت علي طلب النجدة وجدته منتهي الاستهانة بالقانون أو بالأعراف والتقاليد.. قائلا: لأنني مؤدب فلن أرد عليك!! وجدت الفتاة تبدو من أبناء الطبقات الثرية، ويظهر وجهها متسما بالهدوء البالغ!! وتسأل في براءة هو فيه إيه؟ والشاب يحدثك أنت عارف أنت تتكلم مع من؟ تذكرت د. علي الدين هلال في محاضرته للشباب حينما قال لهم الذي يقول لك أنت عارف أنا من وابن من؟ قل له أنت ابن "كلب" طبعا لم أقلها.. فالشاب كما ادعي ينتمي لمؤسسة منضبطة ويقول ببجاحة منقطعة النظير لا يحاسبني أحد وأنا مهذب وابن ناس إذن ماذا عن غير المهذب؟ في ظهر اليوم التالي وأمام إحدي مدارس البنات بشارع رئيسي جدا بمدينة نصر كان هناك بعض الشباب يتحرشون وبشكل فاضح بفتيات المدرسة قمنا بطلب النجدة التي استجابت بعد دقائق غير قليلة وسمعنا منها كلمات تثير الاشمئزاز وأسئلة سخيفة وفي النهاية لم تأت النجدة أو تستجب لأي نداء، وأخذ الشباب يكتبون بوقاحة علي سور المدرسة ما يسيء إلي العملية التربوية وإلي كل قيمنا والناس يشاهدونهم بلا مبالاة. أخيرا الواقعة الثالثة فالجو غير صحو خرجت بعد صلاة العصر إلي حديقة قريبة من منزلي بدلا من النادي لأمارس رياضة المشي.. والحديقة مسماة باسم نجيب محفوظ ومجاورة لمسجد بلال المؤذن وتبعد بمائة متر عن مسجد الشهيد عمرو الشربيني.. وجدت في حديقة نجيب المحفوظ مشاهد مؤسفة واستهتارا بالغا من فتيان وفتيات شابات، والحديقة تطل عليها عمارات قطعا يسكنها أسر وعائلات محترمة، حدثت هؤلاء الشباب بهدوء.. حيث لم يعد هناك بلال المؤذن وشعرت بأنها شهادة لشهيد مثل عمرو الشربيني الذي مات في واجب، ونحن في حديقة نجيب لم نعد محفوظين من استهتار هؤلاء الشباب الذين لم يدعوا مثلما ادعي الشاب صاحب السيارة أنه ابن ناس وفي مؤسسة منضبطة وأنه مؤدب حينما سألته هل تقبل أن تفعل أختك أو أمك هذا الأمر في الشارع؟ لم أشعر أنه خجل مثلما خجل هؤلاء ممن كانوا في الحديقة.. ذهبت إلي فرد الأمن أحثه علي مسئوليته تجاه المنفلتين لأنه كان في الحديقة أيضا صبية يمارسون لعب الكرة في براءة ونشاط أعجب ما سمعت من فرد الأمن أنه يتعرض يوميا لهذه الأمور ويخشي بطش هؤلاء المنفلتين لأنه لا يعينه أحر علي هذه المواقف فبعض الشباب منهم يتعاطي المخدرات جهارا نهارا، والحارس يشاهد مع بعضهم الأسلحة التي يخشي أن يستخدموها ضده وهو وحيد بل شبه أعزل. . وأنه أحيانا يتصل بالنجدة وينتظر لساعات طويلة فلا تستجيب النجدة أو غيرها.. فماذا يفعل المسكين مع المخمور أو المبرشم أو متعاطي البانجو سواء من أبناء الناس أو "أبناء الكلب" يا سادة: افيقوا وانقذوا شبابنا من الضياع.. لقد كتبنا عن الشاب الذي سرقت سيارته، ثم بعد شهور قليلة شاهد الشاب هؤلاء اللصوص يركبون سيارة ويلفون سجائر المخدرات بداخلها، كانوا أربعة والشاب مع قريب له، ذهب الشاب (علي الدين جمعة) ذهب بطل مصر والحاصل علي بطولات العالم في الخماسي إلي ضابط المباحث ليبلغه برقم السيارة التي يركبها اللصوص.. فوجئ بطلنا برد الضابط بعد يومين بأن رقم السيارة المبلغ عنها مسروق أيضا وهي لسيارة أخري ثم أردف قائلا ليتك أيها البطل استطعت أن تمسك لنا بأحد اللصوص أو اثنين من الأربعة بخاصة أنك رياضي وكان معك ابنة خالتك.. شايفين الحلاوة يا سادة أي خجل لم نعد نشعر به وسط هذه المآسي وعدم تحمل المسئولية.. السادة الوزراء والمسئولون جميعا.. إن التربية ليست مسئولية وزارة التعليم وحدها.. لكن التعليم والتربية مسئولية المجتمع كله.. مسئولية الدولة بمؤسساتها مجتمعة وكلنا ندفع الثمن وزراء أو أبناء وطن نحن لا نظلم هذا الجيل كله ففيه نماذج مشرفة وأبناء أسر محترمة تحاول أن تربي أبناءها علي القيم والأخلاق تحافظ علي التربية التي نريد أن نستعيدها بعد أن ضاعت فأضاعت الكثير.. حافظوا علي البقية لأن قدر مصر كبير وتستحق منا الكثير فهل نستمر نؤذن بجوار بلال أو مسجده.. وإلي لقاء.