اختلف الوزيران سامح فهمي ورشيد محمد رشيد..والسبب هو الغاز..فوزير الصناعة يرغب في الترخيص بإنشاء عدد 14مصنعاً لإنتاج الأسمنت..لزيادة المعروض وخفض الأسعار..لكن قراره يعني مزيداً من استهلاك الغاز..وهو ما يتحفظ عليه وزير البترول وحجته ندرة الغاز..خاصة أن الأسمنت من الصناعات كثيفة استخدام الطاقة..وتبدو وجهتا نظر الوزيرين سامح ورشيد معقولة..لكنهما تحملان قدراً كبيراً من المفارقات..نبدأ بوجهة نظر وزير التجارة..والتي تري أن إنشاء مصانع جديدة للأسمنت ستزيد المعروض..وعندي هنا أكثر من تساؤل وملاحظة للوزير منها: 1-هل تعمل مصانع الأسمنت الحالية بكامل طاقتها الإنتاجية؟!.وإذا كانت الإجابة نعم وتستطيع تلك المصانع سد احتياجات السوق المحلية.. إذن فما الحكمة من منح تراخيص جديدة..وهي صناعة ملوثة للبيئة؟! 2-غالبية مصانع الأسمنت في مصر مملوكة للأجانب..وهؤلاء لا يستطيعون إقامة مصانعهم في أوروبا..لأن تكلفة إنشائها هناك باهظة بسبب فرض ضريبة بيئة مرتفعة..مع اشتراطات بيئية صعبة.. إضافة إلي ارتفاع أجور العمالة والطاقة..فلماذا نقدم لهم كل تلك التسهيلات دون مقابل من ضرائب أعلي..وبيع الغاز لهم بالسعر العادل؟! 3- ما يجري في سوق الأسمنت يتطلب وقفة..فأصحاب المصانع يستفيدون من الغاز المدعوم الذي تقدمه الحكومة المصرية..وكذا رخص العمالة..ثم يتحمل المواطن تلوث بيئته..مما يتطلب استفادتنا من تلك الصناعة.. إلا أن شركات الأسمنت تفاجئنا بتصدير نسبة كبيرة من إنتاجها إلي الخارج..مع ممارسات احتكارية داخل الأسواق المصرية. 4- دعم الصناعة..سياسة جيدة تستحق التشجيع ونرغب في استمرارها..بشرط تحديد الهدف من وراء الدعم..فالدولة عندما تدعم مدخلات البناء كالأسمنت والحديد والسيراميك.. فإنما تهدف إلي تخفيض أسعار العقارات لتكون متاحة لملايين المصريين..وهو ما لا يحدث في الواقع.. ولا تدعم الدولة تلك السلع لزيادة أرباح الأجانب والمستثمرين..وعندما ندعم صناعة مواد البناء تحديداً فيجب أن يذهب إنتاجها إلي السوق المحلية لتغطية احتياجاتها وهو ما لا يتم. 5- تحول الدعم الحكومي لتلك الصناعات إلي أرباح للأجانب والمستثمرين..عن طريق تصدير إنتاجهم للخارج..وإذا رغب وزير التجارة تحقيق الأهداف الحقيقية للدعم فعليه تحديد حصص إجبارية للسوق المحلية وبأسعار محددة من إنتاج تلك المصانع..مثلما حدث مع منتجي الأرز..أو البحث عن صيغة أخري تضمن عدم خروج الدعم من السوق المحلية..مثل فرض ضريبة صادرات علي ما يتم تصديره من أسمنت للخارج..حتي تستعيد الحكومة الدعم مرة أخري..لأنها غير مطالبة بدعم الأسواق الخارجية..رغم أن تصدير الأسمنت للخارج يعني في حقيقة الأمر التفريط في مواردنا الطبيعية الناضبة بأسعار غير عادلة إطلاقاً. 6-لو كانت هذه المصانع تدفع لعمالنا مثل ما تحصل عليه العمالة بالخارج من أجور..ولو كانت تشتري الغاز بالسعر العادل..فالمؤكد أنها لم تكن لتصدر إنتاجها من الأصل..لأنها في تلك الحالة لم تكن لتصدر بسعر منافس. وإذا انتقلنا إلي وجهة نظر وزير البترول ورفضه منح الغاز لمصانع الأسمنت بحجة أنها صناعة كثيفة استخدام الطاقة..فإن واقع أداء الوزير ينفي حجته لأنه يهدر هذه الثروة فعلياً..من خلال بيعه الغاز لإسبانيا وإسرائيل والأردن بأسعار مدعومة..وبالتالي لا يحق لسامح فهمي الاحتجاج بمحافظته علي هذه الثروة الناضبة لأنه في حقيقة الأمر ليس أميناً عليها. الخلاصة هي تأييد فكرة إنشاء مصانع جديدة للأسمنت بشرط تغطية احتياجات السوق المحلية بالكامل..مع تصدير الفائض من الإنتاج بشرط سداد ضريبة تصدير..وأن تشتري مصانع الأسمنت الغاز بالسعر العادل وليس المدعوم..وقتها سنرفع القبعة لكلا الوزيرين وما دون ذلك نراه يتنافي مع المصلحة العامة.