تركيا دولة ديمقراطية يسكنها 97 ٪ مسلمون، دستورها علماني ونظامها السياسي جمهوري برلماني، والحزب الحاكم ذو توجه إسلامي (العدالة والتنمية)، وهي دولة نووية عضو في حلف الأطلنطي، وتحتل المرتبة الخامسة عشرة بين دول العالم من حيث قوة الاقتصاد، ما أهلها لتكون الدولة الرائدة في المنطقة كلها. إيران دولة ديمقراطية يسكنها 99،5 ٪ مسلمون، دستورها إسلامي ويحكمها الوليّ الفقيه ويليه رئيس الجمهورية، وهي دولة نووية مكتفية ذاتيا في معظم المجالات، صناعيا وزراعيا وطاقة وسلاحا، وبرغم الحصار الاقتصادي المفروض عليها منذ سنوات؛ فمشكلاتها الاقتصادية لم تعطلها عن فرض إرادتها على المنطقة كلها.
هذه نبذة بسيطة عن دولتين ديمقراطيتين في المنطقة، اعتمدتا على الدين في نظام الحكم، وظفته كل منهما بطريقتها، فارتقت به سلم التقدم العلمي والاقتصادي والعسكري، لتصل إلى ما لم تصل إليه أية دولة عربية، غنية كانت أو نامية، مشرقية أو مغربية، بترولية أو زراعية، ملكية أو جمهورية، مستقرة أو ثورية، تبيّض فيها الأموال أو تسرق منها، فكلها في التأخر والنوم سواء، من الكويت حتى المغرب، ومن الصومال حتى العراق، فما السبب ؟
فيما أرى.. لم تستطع أي من الدول العربية المبتلاة بحكامها، أن توظف الدين لتصلح به الدنيا، مع إن هذه هي الوظيفة الأساسية للإسلام، وجميع الأنظمة الحاكمة في عالم العرب النائم اتخذت من التدين الديناميكي الإيجابي عدوا، وتمسكت بقشوره ومظاهره الاستاتيكية السلبية عقيدة وتراثا وأسلوب حياة، والأمثلة على هذا عديدة.. خذ عندك مثلا.. أي من الدول العربية تطبق نظام الإسلام في التكافل الاجتماعي والتراحم بين المسلمين ؟ والإجابة لا يوجد، فالصومال دولة عربية إسلامية، ترزح تحت الحرب الأهلية منذ عقود، ويموت أهلها من الجوع والفقر والتخلف والملاريا، وعلى الجهة الأخرى من بحر (العرب)، يرفل الخليجيون في النعمة، ويغرقون في السفه، وتُتخِم ملياراتهم وتريليوناتهم خزائن بنوك أعدائهم، ونظام الحكم في الصومال إسلامي، وفي السعودية كذلك ! أي إسلام وأي دين ؟
جميع الدول العربية تستورد أكثر مما تصدر.
جميع الدول العربية تعتمد على غيرها في إطعام شعبها.
جميع الدول العربية لم تتميز في أي من مجالات التكنولوجي أو التصنيع أو الزراعة.
جميع الدول العربية لا تعتمد على نفسها في تسليح جيوشها.
لماذا ؟ ألم تنجح الأنظمة المتدينة في تركيا وإيران ؟ والإجابة بسيطة: لأن المتدينين عندنا لم يستطيعوا إلى الآن أن يبينوا لنا أي دين يسعون إلى تطبيقه، دين الصومال الاستاتيكي أم دين تركيا الديناميكي ؟ دستور تركيا العلماني؛ لم يتوقف عنده القادة المخلصون، العاملون المنجزون، فترقّى الشعب التركي بالحكم المتدين الديناميكي إلى قمة الجبل، وبقي الشعب الصومالي بتدينه الخامل ودستوره الإسلامي يصارع عند السفح !
لو كان حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم تبنى حين خاض الانتخابات أفكارا دينية سطحية، مثل سن زواج البنت أو ختانها، أو إطلاق اللحى أو ما يلبس الرجل والمرأة، أو تحريم التماثيل لما تمثل من ردة إلى الوثنية؛ لما انتخبهم الشعب التركي أصلا ليصل بهم إلى سدة حكم البلاد، ولما أصبحت تركيا المسلمة دولة عظمى تنافس على الصدارة بين الأمم، ولكن ما حدث أن حزب العدالة والتنمية ذا التوجه الإسلامي، توغل في حياة الناس، تنمية وإصلاحا وعدالة، نزاهة وشفافية وصدقا، توظيفا وتشغيلا ورعاية، مصانع ومزارع وسياحة، تصديرا وتعليما وصحة، حرفية في قيادة البلاد نحو الصدارة، دون النظر إلى الأمور الثانوية، التي عطلت المسيرة في بلاد العرب.. أي إن الدين في تركيا وُظِّف لإصلاح أحوال دنيا الناس، تماما كما أراد الله لهذا الدين أن يكون.
أخيرا عزيزي القارئ.. إحدى مشكلاتنا هي أن من المتدينين في بلادنا من اختصروا الدين في مظاهر شكلية، وقشور خارجية استاتيكية، تبدأ بها دائما المناقشات، ويستعر الجدل، وتربى العداوات، ثم تخفت الأصوات لترتفع في جدل آخر، وتربى عداوات أخرى، وهذا النوع من التدين، غير المقترن بالعمل المخلص الدؤوب هو تدين شكلي، يعتمد الشعارات الجوفاء أسلوب حياة، ويفتقر إلى أبسط قواعد العمل السياسي الذكي، ويُفقِد بالتدريج عامة الناس الثقة في الدين والمتدينين، حين تزداد معاناتهم بمعاناة الاقتصاد، وتفاقم مشكلات الحياة اليومية، بينما يرتع العلمانيون والأناركيون في بيئة إعلامية خصّبها لهم المتدينون باستاتيكيتهم، ليهاجموا كل ما له علاقة بالدين، وليبدو إصلاح الدنيا بالدين كأنه ضرب من ضروب الخيال، أو مجرد حلم تحقيقه بعيدُ المنالْ..
الإسلام الديناميكي غيّر تركيا، وغيّر إيران، فهل نعمل به لكي نغير مصر؟ (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) - الحج 40.. إسلمي يا مصر.