وقع اتفاق جبهة الإنقاذ مع حزب النور السلفي لتفعيل مبادرة الأخير كالصاعقة على رأس مكتب الإرشاد والإخوان المسلمين، ودفع بالرئيس محمد مرسي للانزلاق إلى فخ من الصعب الخروج منه إلا بطريقين فقط، الأول الخروج على الجماعة وخسارة الأهل والعشيرة وبقية التنظيمات الإسلامية المتطرفة. والثاني، هو الانقلاب على تصريحاته ووعوده للغرب والتمترس خلف الجماعة والتنظيمات المتطرفة بكل أطيافها. وسيعني ذلك سقوطه في الحالتين. لقد صرح مرسي من ألمانيا بأنه لا يريد استخدام أي إجراءات استثنائية، وأن إعلان حالة الطوارئ في ثلاث محافظات جاء كإجراء مؤقت وضروري للحفاظ على أمن المواطنين. وعلى الرغم من أن ميركل والغرب يعرفون أن مرسي لا يقول الحقيقة بالضبط، إلا أنهم يغمضون عيونهم عن ذلك أملا في تحقيق مصالح وخطوات إلى الأمام في ملفات أخرى متعلقة بالمنطقة، ومرتبطة في الوقت نفسه باستقرار ولو هش ومؤقت في مصر. وأكد مرسي أن "مصر ستكون دولة مدنية، لا عسكرية ولا دينية"، مشيرا إلى أن الحوار مع كل فئات المجتمع المصري سيكون ممكنا. أما السيدة ميركل فقد شددت على ضرورة احترام الحكومة المصرية لحقوق الإنسان وإجراء محادثات بين جميع القوى السياسية في مصر وضرورة احترام الحكومة المصرية لحقوق الإنسان. وشددت أيضا على أهمية أن "تمارس الحرية الدينية", ولكن لأن محمد البرادعي سياسي ومفاوض جيد، فقد استقرأ السياق الدولي وتوقع تصريحات مرسي في ألمانيا، مدركا أن الإخوان يعتمدون خطابين مختلفين تماما للداخل والخارج. ولأن البرادعي يعرف أيضا أن الغرب لا ينخدع بسهولة، ولكنه ينخدع عندما يكون الخداع ونتائجه في صالح ولمصالحه.. فقد دعا إلى عقد اجتماع فوري يجمع الرئيس المصري محمد مرسي وحزب "الحرية والعدالة" الإخواني الحاكم ووزيري الدفاع والداخلية وجبهة الانقاذ والتيار السلفي من أجل بدء "حوار جاد" ووقف العنف في البلاد. وشدد البرادعي على ان "وقف العنف هو الأولوية، وبدء حوار جاد يتطلب الإلتزام بالضمانات التي طرحتها جبهة الإنقاذ وفي مقدمتها حكومة انقاذ وطني ولجنة لتعديل الدستور". ولكن البرادعي يعرف جيدا أن الرئاسة المصرية أعلنت وأكدت استبعادها إمكانية تشكيل حكومة إنقاذ وطني، معللة ذلك بضيق الوقت، وأن تشكيل مثل هذه الحكومة يتطلب وقتا طويلا لا يتوفر حاليا. ويعلم أيضا أن الجماعة الإسلامية ترفض كل أشكال الحوار، بما في ذلك مبادرة حزب النور السلفي. بل وهناك تيارات داخل جماعة الإخوان أكثر تطرفا من الجماعة الإسلامية ترفض وتقصي وترغب بالاستئثار بكل شيء من أجل مصالح مالية واقتصادية صرفة.
هكذا وقع محمد مرسي في الفخ. لا يهم كيف خدع الغرب الذي يريد أن ينخدع أصلا. ولا يهم أن مرسي يعتمد خطابا ثالثا داخل الجماعة، ورابعا مع الجماعات المتطرفة التي تدعمه. المهم الآن هو المشهد السياسي لتيارات اليمين الإسلامي المتطرف، وعلى رأسه جماعة الإخوان المسلمين. وقد نتوقع قريبا ردا من زعيم القاعدة أيمن الظواهري على طوات مرسي. من الواضح ن الخطوات السياسية لجبهة الإنقاذ صحيحة وتقرأ المواقف الداخلية والإقليمية والدولية بشكل معقول نسبيا. ولا شك أن الإخوان يقرأون أيضا المواقف الدولية ولديهم دعم غير محدود إقليميا ودوليا. كل ذلك منح الشارع السياسي والميدان فرصةتاريخية الآن، إذ أن الكتلة الأهم هنا أصبحت الشعب المصري والمسيرات والتظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات المتواصلة. ويمكن أن نكرر هنا كلمة "المتواصلة" من أجل الضغط على كل الأطراف، بما في ذلك جبهة الإنقاذ. فجبهة الإنقاذ تمثل تحالف لكل طرف فيه مصالح محددة. وبالتالي فالشعب وشبابه وثواره لهم أيضا مصالح محددة وبيدهم تحديدا الأوراق الرابحة. والميدان في هذه اللحظات،
بعد مناورات مرسي في ألمانيا وتصريحات الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة المطاطة، يدرك أن التخلي عن مصالحه ومكاسبه جريمة تاريخية لا تغتفر. هذا تحديدا ما سيشعل المشهد السياسي في الأيام المقبلة ويدفع إلى رفع سقف المطالب واستمرار الثورة.
ويبدو أن طلب البرادعي إدخل الجيش والشرطة طرفا في المفاوضات يهدف بالدرجة الأولى لمنع استخدام حملات عنف متوقعة ضد المظاهرات والاحتجاجات التي لن تهدأ إلا بإسقاط مرسي وإزاحة حكم الإخوان، وهو ما لا تريد الولاياتالمتحدة إدراكه. وفي حال وقوعه فلن يبقى أمام واشنطن إلا التعامل مع الأمر الواقع وإعادة النظر في وضع المنطقة، وبالأخص سورية وإيران، أو هدم المعبد على رؤوس الجميع وتحويل المنطقة إلى أفغانستان كبيرة. قد يكون الرئيس مرسي كسب بعض الوقت لتمكين الجماعة. وسيكسب وقتا إضافيا خلال فترة المفاوضات مع جبهة الإنقاذ وحزب النور. ها إذا سمح له المرشد العام محمد بديع ونائبه رجل الأعمال خيرت الشاطر وبقية أعضاء مكتب الإرشاد. ولكن جبهة الإنقاذ ستربح أكثر بالتزامها بمسار الشارع والميدان. وهي في كل الأحوال تلقى مصداقية كبيرة في الداخل والخارج ولكن الظروف الإقليمية والدولية، وملفات إيران وسورية والصراع مع روسيا على ملفات الطاقة ومناطق النفوذ، لا تسمح الآن بالتعامل معها كطرف يمكنه إدارة دولة مثل مصر.