أسماء مصطفى "إنها حقول شاسعة من القمح تعلوها سماء مضطربة، ولكنني لم أتعمد افتعال تصوير مشاعر الحزن والوحدة، سوف أُحضر لوحتي الأخيرة معي إلى باريس وتستطيع أن ترى بنفسك ما لا استطيع قوله بالكلمات". تلك كانت كلمات الفنان فنست فان جوخ في خطابه إلى أخيه ثيو بتاريخ 10 يوليو 1890 عن لوحته التي أنهى العمل فيها قبل انتحاره ب19 يوما! احتفظ ثيو باللوحة أكثر من 17 عاما، ولم يتم عرضها للبيع إلا في عام 1907، ومنذ ذلك الوقت ظلّت اللوحة ضمن المجموعات الخاصة بعيدة عن صالات المتاحف، ولم تكن حقول القمح والغربان هي اللوحة الأولى التي يتم الاحتفاظ بها ضمن المجموعات الخاصة ولم تُعرض للجمهور. أثارت اللوحة كثيرا من الجدل بين الخبراء الفنيين، فبعضهم يشكك أن تلك هي اللوحة الآخيرة لفان جوخ قبل وفاته، لكن آخرين يؤكدون أن القتامة والكآبة التي تسود اللوحة دليل على كونها آخر لوحة رسمها فان جوخ قبل وفاته، نظرا للحالة النفسية السيئة التى عانى منها وأدت إلى انتحاره. المدهش في لوحة الحقول والغربان هو اختلاط الأمل واليأس، والإحساس بالوحدة رغم الألوان المشعّة بالأمل في القمح الأصفر الذهبي والقتامة في الزرقة الداكنة للسماء، وهو ما يؤكد قدرة فان جوخ على الفصل بين اليأس والحزن داخله عن الأمل البادي في سنابل القمح الصفراء. تنقسم هذه اللوحة الى جزأين: في الأسفل حقل قمح ممتد إلى أبعد مدى، تعلوه سماء مضطربة، وغربان غير واضحة المعالم تحلّق فوق الحقل، والغراب كما هو متعارف عليه في الثقافة المصرية نذير شؤم، هو أيضا رمز للكآبة والشؤم في كل الثقافات تقريبا. كان من الممكن أن تكون لوحة انطباعية عادية جدا لو أن فان جوخ اكتفى برسم حقل القمح الذهبي، لكن إضافة السماء المضطربة لتعكس حالته النفسية لحظة رسمها، وحالة من الاختناق والضيق؛ غيّرت معنى اللوحة 180 درجة، حيث عادة ترمُز حقول القمح للخير والتفاؤل، لكن السماء والغربان وأيضا شكل اللوحة الأفقى (مقاس اللوحة 50 على 100) أكد قتامة اللوحة وعكس حالة الاختناق والضيق التي كان يعيشها فان جوخ وقت رسمها. ظلت لوحة الحقول والغربان تجذب الزوار لها في متحف أمستردام إلى جانب مجموعة أخرى من اللوحات التي تجسد مشاهد من الطبيعة التي رسمها فان جوخ في سنواته الأخيرة، حتى عُرضت في مزاد بلندن ووصل سعرها إلى 35 مليون دولار أمريكي. جدير بالذكر أن فان جوخ عندما أطلق النار على نفسه بعد رسم تلك اللوحة في 29 يوليو 1890 لم يكن أحد يعرف عنه شيئا! نعم، فان جوخ لم ينَل تلك الشهرة الواسعة إلا بعد وفاته. في آخر عامين من حياته، انعزل فان جوخ في مدينة بعيدة عن أهله ومعارفه، حيث تملكت منه حالة من اليأس الشديد أنتج خلالها أكثر اللوحات سوداوية وكآبة، أشهرها لوحة عباد الشمس التى تعدّ أغلى لوحة في العالم حتى الآن! وأنت عزيزي القارئ هل ترى أن لوحات تحمل كل هذه الكآبة تستحق أسعارها الخرافية؟ لوحة حقول القمح والغربان لفان جوخ * دنيا الأدب اضغط على الصورة لمشاهدة الجاليري: