خلينا نحسبها: ماذا لو أن كل الناس، في كل الدنيا، اتفقوا على رأي واحد؟! كيف ستكون الحياة عندئذ؟! هل سيعتنق الكل دينا واحدا فحسب؟! أم أنهم سيرتدون نفس الزي؟! وبنفس الأسلوب.. وسيقيمون في منازل متشابهة.. باختصار، سيصبحون أشبه بأشخاص آليين، مبرمجين كلهم ببروجرام واحد.. ويا لها من حياة! وحتما عندئذ، ستفسد الأرض.. وستسألني بالطبع لماذا حتما؟! ببساطة.. لأن الله سبحانه وتعالى، قال في كتابه العزيز، أنه لولا دفعه للناس بعضهم ببعض، لفسدت الأرض.. فكيف يدفع الناس بعضهم ببعض؟! بأن يتفقوا على فكر واحد؟! أم بأن يختلفوا؟! احسبها أنت.. المهم أنه ما دام الاختلاف هو سنة الحياة، فهناك حتما من سيختلف مع عقيدتك.. وفكرك.. ورأيك.. وسياستك.. ومنظورك للأمور.. هذا أمر حتمي.. وما دام أمرا حتميا، فلا بد أن نتقبّله.. شئت أم أبيت.. ولا بد أن تتقبل فكرة أن يخالفك أحدهم في الرأي.. وأن تتعلم كيفية مناقشته.. وكيفية محاورته.. وبالحكمة والموعظة الحسنة.. ولكن ما يحدث على أرض الواقع أمر مختلف تماما.. وفخر إلى أقصى حد.. فأنت تعلن رأيك، لأنك حر فيما تؤمن وفيما تعتنق.. ويرفض شخص ما رأيك.. ويغضب منه.. والعجيب أنه يغضب منك أيضا! وهنا يبدأ الرد بانعدام الحكمة، والبعد كل البعد عن الموعظة الحسنة.. فالغضب يدفع من يعارضك إلى أسوأ ما يمكن أن يصدر عن إنسان محترم.. بالسباب.. والإهانة.. والبذاءة.. ولو أنك شخص يؤمن بحرية الرأي، وبحق المعارضة والاختلاف، فسيصدمك هذا بشدة.. ولكنك لو نظرت إلى الأمر من منظور الحكمة والموعظة الحسنة، لأدركت أن هذا لا ينبغي أن يصدمك.. بل أن يسعدك.. وأن يمنحك شعورا بالانتصار أيضا.. فعندما يلجأ معارضك إلى الغضب والسباب والبذاءة، فهذا لا يعني إلا أمرا واحدا.. أن خصمك عاجز عن الرد.. غاضب مما تقول، ولكنه لا يملك ما يمكن أن يثبت لك أنك مخطئ.. وربما يدرك أيضا، على الرغم من غضبك، أنك على حق.. وهذا يزيد من غضبه.. ولأنه لا يملك ردا، يلجأ إلى السباب.. والإهانة.. والتخوين.. والتشهير.. والبذاءة.. كل البذاءة.. فهنا ينبغي أن تشعر بالظفر، عندما يواجهك أحدهم بالبذاءة.. فهذا اعتراف منه بأنك على حق.. امض إذن في سبيلك.. وكلما ازدادت بذاءته، تأكد من أنك على الطريق الصحيح.. الأمر الأهم، أن كل سباب يوجهه شخص ما لك، يخسر من حسناته، ويمنحك حسنات بلا جهد.. هو يسب.. ويخسر.. وأنت تصمت.. وتصبر.. وتربح.. وتمضي في طريقك.. بمنتهى القوة.. ومنتهى الثقة.. الأمر الذي يدهشني حقا، هو أن معظم السباب والبذاءات شديدة التجاوز وشديدة الابتذال، لا تأتيك إلا لو انتقدت جماعة الإخوان، أو الرئيس مرسي! وهذا أمر عجيب! عجيب للغاية! فالذين يؤيدون جماعة الإخوان والرئيس مرسي، هم في معظمهم من التيارات السياسية الدينية.. فكيف يصدر عنهم هذا؟! وكيف يرون أنه أمر حق؟! هل اختل الفكر، وانعدمت الرؤية إلى هذا الحد؟! ألا يطالع واحد منهم تاريخ الإسلام، ولو مرة واحدة، ليسترشد بما كان عليه المسلمون الأوائل، وهم يواجهون كفار الأرض.. وليبحث في التاريخ الإسلامي كله عن مسلم واحد شتّام.. أو لعّان.. أو استخدم لفظا واحدا بذيئا مهما كان ما يتعرض له.. وليذكر أنه كان حينذاك يقاتل كفارا.. ابحث عن شخص واحد، في التاريخ الإسلامي كله.. ثم احسبها.. هل لو كان المسلمون الأوائل عصبيين غاضبين محتدّين، بذيئي اللفظ غليظي القول، مع كل من يخالفهم، أكان الناس سيدخلون في دين الله أفواجا؟! وهل استخدام السباب والتشهير والبذاءات، يتفق أم يختلف مع القول الإلهي، الذي حذرك من أن لو كنت فظا غليظ القول، لانفض الناس من حولك؟! وهل يتفق مع الأمر الإلهي، بالدعوة إلى سبيله عز وجل، بالحكمة والموعظة الحسنة؟! هل؟! احسبها أنت.. ثم سل نفسك سؤالا أخيرا: هل يمكن أن يربح الدين، مع حاكم يغضب منه قطاع هائل من شعبه، ويطالبه بالرحيل، وهو حاكم محسوب على الدعوة الدينية؟! وأيهما يستحق البقاء أكثر.. السلطة أم الدعوة؟! احسبها أنت.. أو انتقل إلى مرحلة تأكيد كل ما كتبته.. إلى البذاءة.