خلينا نحسبها: السؤال... (3) الشعب المصري يتكّون في غالبيته من المسلمين، مع أقلية (من الناحية العددية) للإخوة الأقباط، وحرية الإنسان المصري الجنسية هي حرية لا تنقسم، فإما أن يكون الكل أحراراً، أو يكونوا مقيّدين بقيود فكرية، لا تسمح لأي فكر بالانطلاق، والإبداع، والابتكار.. ومن أخطر الأمور، التي تمنع أي شعب من اللحاق بسباق الشعوب، أن يسيطر عليه تيار فكري واحد.. أيا كان.. ولقد عانينا طويلا من سيطرة التيار الواحد، الذي لم يكن يرى سوى منجزاته، أو يسمع سوى صوته، أو يعترف إلا بآرائه... وإذا ما تحدّثنا عن الحرية، فلا بد أن نضيف إليها كلمة "الجميع".. فالجميع أحرار.. أحرار فيما يرون.. وفيما يفكرون.. وحتى فيما يعتنقون.. الله -سبحانه وتعالى- قال في كتابه العزيز: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} صدق الله العظيم.. وسبحانه -عزّ وجلّ- أكد أن الداعية على الناس مذكّر، وليس عليهم بمسيطر.. وقال العلي القدير: {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}. الكلّ إذن حرّ فيما يعتنق.. حرّ في اختيار فكره.. وحرّ في اختيار مذهبه.. وحرّ حتى في اختيار دينه.. وليس من حق مخلوق واحد، مهما رأى في نفسه الإيمان والصلاح والتقوى، أن يُكره الناس على اتباع الدين.. فلا إكراه في الدين.. وقد تبيّن الرشد من الغيّ.. ومحاولة فرض الدين بالقوة تتعارض حتى مع الدين نفسه.. وحتى مع الفطرة البشرية العادية... ومع المنطق السليم أيضا.. فالدين والإيمان موقعهما القلب والعقل.. والحقائق كلها أمام كل الناس.. فليؤمنوا إن شاءوا.. أو لا يؤمنوا...أيضا إن شاءوا.. ومهما فعل أي إنسان، أو اتّخذ من الإجراءات والوسائل، فلن يمكنه أن يُدخل الدين والإيمان في قلب شخص واحد، رجل أو امرأة بالقوة.. ولا حتى بالإرهاب والتخويف.. وحتماً ليس بالعنف... فما هديت إذ هديت، ولكن الله -سبحانه وتعالى- هدى.. والدين لم يُفرض على الناس، في أي زمان ومكان.. حتى في أوروبا العصور الوسطى، عندما حاولوا فرض الدين بالقوة، لم ينجح هذا إلا في إبعاد الناس عن الدين، مع مرور الوقت.. فكل ما يملك أي إنسان، هو الدعوة.. والخالق العلي القدير حدّد وسيلة الدعوة.. وفي أمر صريح مباشر.. أن تدعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة... وليس بالقوة.. أو القهر.. أو العنف... أو السيطرة.. بل إن المنطق وعلم النفس يقولان: إن الخوف والحب لا يجتمعان أبداً.. ولا يمكن أن يجتمعا.. مهما قلت.. ومهما فعلت.. والإيمان هو حب لله وفي الله العزيز الحكيم.. وخوف منه.. وليس من البشر.. ثم إن تأديب وتهذيب وإصلاح شعب ليس مهمة عسكرية.. ولا هي بالمهمة الأمنية.. إنها مهمة روحانية.. فكرية.. وعقائدية.. ومحاولة التأديب والتهذيب والإصلاح، ستشعر الشعب أنه في سجن كبير.. وتحت حصار مخيف.. والسجين وحده، وليس الحر، هو من يبحث دوما عن وسيلة للإفلات.. والفرار.. والتمّرد.. وهذا يقودنا إلى السؤال الذي طرحناه، في نهاية الحديث السابق.. الثورة اندلعت، والنظام سقط؛ لأن الناس قد طالبت بالحرية والديمقراطية والعدالة.. والأحزاب الدينية، التي دخلت معترك السياسة، تتحدّث طول الوقت عن التأديب والتهذيب والإصلاح.. فقط.. فماذا عن السياسة الدولية؟! ماذا عن الاقتصاد؟! وماذا عن المستقبل؟! ثم كيف تدير برنامجاً للإصلاح والتقويم، وتحافظ على الحرية والديمقراطية في الوقت ذاته؟! كيف؟! كيف؟! وألف.. كيف؟! هل ستفرض قوانين إصلاحية؟! وهل ستحاسب ضمائر الناس؟! وهل ستفرض عليهم رؤيتك ومعتقداتك؟! أية حرية في هذا؟! وأية ديمقراطية؟! وأي عدل؟! المفترض، وفقاً للحكمة والموعظة الحسنة، ألا تكون فظاً غليظ القلب، حتى لا ينفضّ الناس من حولك.. وأن يكون لديك برنامج حقيقي للإصلاح.. برنامج واقعي.. وعملي.. وفعّال.. وطويل المدى أيضا.. برنامج يعتمد على التوعية.. والتربية.. ومناهج التعليم.. والإعلام.. وحتى الفن، بكل فروعه.. برنامج يعمل على إنشاء جيل جديد، واعٍ ومثّقف.. جيل قادر على صنع المستقبل.. وصنع التقدّم والتطوّر.. جيل يستطيع أن يعدّ لأعداء الأمة ما استطاع من قوة، ومن رباط الخيل.. فكيف يمكن إعداد مثل هذا الجيل؟؟ هذا هو السؤال الجديد.. والمقال القادم بإذن الله.