تعوّد الكثير من الغربيين على الانضباط، فلم يعد اتّباع القوانين مجرد احترام أو خوف من العقاب، بل إنهم أصبحوا يتبعون القوانين بحكم العادة، لذلك يبدو لهم ما قام به المصريون مؤخرا هو خرق للقوانين، ومن وجهة نظرهم وبحساباتهم سيؤدي هذا الانقلاب إلى كارثة مستقبلية بالتأكيد. إنهم يرون مصر بأعينهم هم، لا بأعين المصريين، وكما ساندوا مبارك طويلا حتى سقط، فإنهم يساندون الآن مرسي، ويسمي البعض منهم ما يحدث في مصر" بالانقلاب العسكري". وعلى طريقة جون استيوارت الأمريكي الذي اندهش لأصحاب الحضارة الفرعونية العظيمة، ومع ذلك لا يتعاملون في حياتهم اليومية مع إشارات المرور، يجب أن يرى السيد أوباما الذي قد ينتظر الإشارة الخضراء لمدة قد تزيد عن دقيقتين أو ثلاثة في شارع فارغ إلا من سيارته ما فعله المصريون كخطأ شنيع، ولكنه يجب أن يمشي في شوارع المحروسة ليعرف جيدا، أنه لا إشارات هناك ولا سيارات تنتظر من أجل المشاة، ولا قانون من أصله. وإن على المصريين الركض طوال النهار لكي يلحقوا أعمالهم أمام مواكب السيارات التي تقطع طريقهم. ليلتحم الجميع في سيمفونية من الفوضى تشبه مطارادات هوليوود، التي يعتبرونها -يا للهول!- بطولة ومغامرات، ولكنها في مصر عادي.. مجرد روتين يومي، وأسلوب حياة. من الصعب أن يفهموا ما يحدث في مصر أو يتفهموه، لأنه لا يحدث طبقا لقوانينهم أو نظرياتهم السياسية! فالجماعة لا تؤمن بالديمقراطية، ولكنها استخدمتها كحيلة للوصول إلى الصناديق، ديمقراطية مدعومة بالزيت والسكر وحيل الانتخابات، والصفقات المشبوهة، والتهديد بالمعارضة المسلحة. الجماعة تريد مشروعا إسلاميا، وشريعة في الدستور، وصكوكا إسلامية، وطاعة ولي الأمر، وانشغلوا بتعيين رجالهم في مفاصل الدولة، حتى أصيبت الدولة بالتهاب المفاصل. الجماعة تلوح بورقة الديمقراطية التي ندرك جميعا كمصريين أنها لا ديمقراطية ولا يحزنون، فتمثيلية الانتخابات التي دخلها مجموعة من عرائس الماريونت والمأجورين، وصفصفت في النهاية على مرشح الإخوان ومرشح الحزب الوطني، بعد ثورة اهتز لها عرش مصر، هي ليست أكثر من تمثيلية سخيفة أقرب إلى أفلام نادية الجندي، ومعظم المصريين مدركين لهذه الحقيقة! "هي مش ديمقراطية قوي! بس كأنها ديمقراطية.. كده وكده يعني". ستقول لي ولهم، أول رئيس منتخب، أول حاكم مدني، وديمقراطية، وصناديق، وشرعية، والعسكر انقلبوا على النظام، سأقول لك: ومتى خرج العسكر من النظام أصلا؟ ارجع لدستورك وما خطته يداك، وقل لي كيف تعاملت مع المواد الخاصة بالمؤسسة العسكرية وميزانيتها، "وإن كنت ناسي أفكرك! أيام ما كنت بتوزع قلادات". أمريكا لن تستوعب ما يحدث في مصر، ولكنها كالعادة ستصفق للمنتصر وتعلن انحيازها له، فهذا هو قانون البلطجة العالمي. لن يخبرها أحد أن صاحب المحل الذي ينقطع عنه النور عدة ساعات في النهار قد يتحول بعد قليل إلى قنبلة موقوتة، وأن السياحة التي خربت وأغلقت معها الكثير من الأبواب، بجانب تتويج كل هذا الخراب بمحافظ للأقصر من الجماعة الإسلامية قد يثير جنون الناس، ورهبة الشيعة والأقباط والبهائيين من الحياة في مجتمع يصنفهم ويضعهم في درجات دنيا قد يصنع منهم معارضين لنظام يقمعهم ويهلل لسبهم وإهانتهم وأحيانا لسحلهم وقتلهم على مرأى ومسمع الجميع. إن الجلوس لست ساعات في سيارة بهذا الجو الحار من أجل تنك بنزين قد يذهب بعقل البعض ويحوّله إلى بيضة مسلوقة، إن الحياة في مصر غير آدمية وأنتم تزيدون الطين بلة بجعلها أقرب إلى الجحيم، نعم هناك ثورة مضادة، وهناك معارضة، وكان هناك نظام حاكم يتوجب عليه التعامل مع كليهما بطرق إيجابية وأخلاقية وعادلة، ولكنه لم يفعل! فما ذنب النباتات؟! كالعادة يستخدم الشعب المصري فوضاه الخلّاقة في حل مشكلاته فيعقّدها أكثر وأكثر وأكثر، حتى تنفك من تلقاء نفسها.. أو تبقى هكذا للأبد، على طريقة وضع الأحجار للمرور عند كسر ماسورة مياه أو طفح بلاعة مجاري، فلا نفكر في الإصلاح ولكننا نلجأ للردم على المشكلة أو المرور من فوقها حتى تتفاقم وتتعاظم. وعلى طريقة "إيه اللي رماك ع المر.. قال اللي أمرّ منه"، اختارت أغلبية الناس الانحياز للعسكر، ولكن الدول المتقدمة لا تعرف المرار مثلنا، إنهم يعملون مثل النحل ويأكلون الشهد، وإذا قلت لأي "عم سام" في الشارع المثل السابق بتاع المر، سيرد مثلما قالت ماري أنطوانيت يوم قالوا لها: "إن شعبك لا يجد العيش ليأكله" قالت: "طب ما ياكلوا جاتوه". من الصعب أن يفهموا ما يحدث في مصر، أو يتفهموه. فلا تحاولوا أن تفهموهم.. لأنكم هتقولوا: "تور"، وهيقولوا: "احلبوه".