سيف اليزل: استمرار الاحتقان يؤدى لتدخل الجيش جمال عيد : شرعية الاحتجاجات تهزم شرعية الانتخابات أبو حامد: الاحتقان الشعبي بداية الثورة الثانية سويلم: "مرسي" يسدد للجماعة فاتورة وصوله للحكم مصر.. حروف ثلاثة نحتت في عمق الزمن رمزًا للأمن والحضارة والإنسانية.. وطن عاش في التاريخ حاضنًا للإنسان، وللإنسانية كلها لا طارد لها.. تدور حقبات التاريخ دورتها بكل ما فيها وتمضي، لكن مصر تظل أبدًا باقية على شموخها، تنفض غبار ما مر بها من أهوال لتقف من جديد تعلن أنها مصر.. هذه هي مصر التي أضافت إلى صفحاتها صفحة الخامس والعشرين من يناير 2011.. صفحة ثورة سلمية أبهرت كل من عرف لمصر قدرها ومن لم يعرف! مصر الآن تعيش مشهدًا يصطبغ بلون الدم، ويعج بأصوات نشاز تموج نبراتها بالشقاق والعراك السياسي، وبفوضى "المصالح" والأهواء. لعل المشهد الدامي الذي تكرر في الآونة الأخيرة داخل مصر يعد أقسى ما مر بها عبر تاريخها الضارب في أعماق الزمن... مشهد حدث في محمد محمود، وأمام ماسبيرو، وأمام مبنى مجلس الوزراء، وأمام قصر الاتحادية، وداخل استاد رياضي... ورأيناه مؤخرًا في مدن القناة.. في كل "كادر" داخل هذا المشهد كان الوضع يبدو أكثر قسوة وأشد مرارة وألمًا، فمصر لم تشهد إراقة دم أبنائها بأيدي أبنائها من قبل.. فما الذي تغير في مصر؟!! قراءة المشهد الأكثر حداثة وقربًا تمنحنا مساحة كشف نحاول عبرها قراءة ما سبق منذ 25 يناير 2011، ونحاول كذلك استقراء ما قد تحمله الأيام المقبلة من أحداث وتصورات. لقد أثارت القرارات الأخيرة للدكتور محمد مرسي - رئيس الجمهورية، والتي قضى من خلالها بفرض حالة الطوارئ وحظر التجوال على مدن القناة لمدة 30 يومًا، استياء قطاع عريض من الشعب المصري، حيث فرضت حالة الطوارئ بزعم الانفلات الأمني في محافظات القناة علي خلفية الاحتجاجات التي شهدتها محافظة بورسعيد علي وجه التحديد بشأن الحكم على 21 من المتهمين في قضية استاد بورسعيد بإحالة أوراقهم إلى فضيلة المفتي، تزامنا مع احتجاجات قطاع كبير من الشعب المصري على السياسة العامة فى إدارة شئون البلاد. صبت قوى المعارضة والسياسيين بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم ورؤاهم سيلا من الانتقادات على الرئيس مرسي، طالب الكثيرون برحيله، واصفين قراراته بالفاشلة، مؤكدين أن ما يحدث فى الشارع المصرى حاليا هو ثورة جديدة. وهذا التصور هو ما جعل "المشهد" تطرح سؤالا: هل ما تمر به البلاد ثورة حقيقية ستطيح بالنظام الحالي، أم مجرد موجة من الغضب الشعبي سرعان ما تستحيل هدوءًا وتسليمًا بالأمر الواقع؟ من جانبه، قال جمال عيد - مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، إن إعلان الطوارىء وحظر التجوال في بعض المحافظات المصرية يُعطي صورة جلية تشهد بفشل نظام الرئيس مرسي في السيطرة على الأوضاع، مما ينبأ بأن شرعية الاعترضات والاحتجاجات، قد تهزم شرعية الرئيس المنتخب، مشيرًا إلى أن الآمال التي كانت معقودة على انتقال الشرعية من الشارع إلى نظام ديمقراطي ينظر لاحتياجات الشعب قد سقطت عندما عجز الرئيس عن الخروج من جلباب حزب "الإخوان المسلمين"، والعمل بموجب كونه مصريًا يمثل المصريين كلهم، وليس أهله وعشيرته فحسب، "علي حد قوله". ورأى مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان أنه رغم وجود من يحاول ضرب تجربة حكم الإخوان المسلمين بمعول الفشل من أجل وصمهم بهذه الصفة، ويرفض انفرادهم بالسلطة، فإن التجربة فاشلة كونها ترى الوصول إلى الحكم غنيمة لا بد من اقتسامها، حسب وصفه. ويري النائب البرلماني السابق "محمد أبو حامد" أن استمرار الفوضى وعدم التوافق سينحدر بمصر إلى طريق شائك ومظلم، مطالبًا الرئيس بأن يدرك أن فكرة وجود حاكم أوحد في مصر، يسبح بجلاله المصريون غير مطروحة، قائلا: " أسقط الشعب المصري نظامًا دام لأكثر من نصف قرن، ولن يكون عاجزًا عن إسقاط نظام لم يعرف الحكم إلا لبضعة أشهر، لأن إرادة الشعوب غالبة في النهاية. ويشبه "أبو حامد" المشهد الحالي بمشهد ال 18 يوما التي مرت بها البلاد قبيل تنحي الرئيس السابق مبارك، من ناحية الانقسام الذي تشهده البلاد إلى حد الاقتتال، والذي يقترب من حافة الحرب الأهلية، مؤكدًا أن السبب بالدرجة الأولى تلك الطريقة التي تدار بها مصر بعد الثورة، والانفراد بالقرار و"الفوقية" في الممارسة، التي ميزت سلوك الإخوان المسلمين فى الحكم. ووصف اللواء حسن الزيات - الخبير الاستراتيجي، الوضع الحالي ب "النكسة"، حيث يراها نكسة تخوضها مجموعة بلطجية لأغراض خاصة، ويأتي تمويلها من الخارج، مشيرًا إلى أنها ثورة مضادة من صنع إسرائيل. وحمل "الزيات" جماعة الإخوان المسلمين والتيار السلفي وجبهة الإنقاذ الوطني والليبراليين مسئولية الإضرار بالبلاد، مؤكدًا أن الصراع بينهم والتنازع على السلطة يعد السبب الحقيقي وراء عدم الاستقرار، مستبعدًا أن تكون ثورة حقيقية. ورفض الخبير الاستراتيجي عودة الجيش مرة أخرى إلى الحياة السياسية، مؤكدًا أن دوره في الحوار الوطني لا بد أن يقتصر على حماية مؤسسات الدولة ومنشآتها وتأمين الأماكن الحيوية مثلما يفعل الآن في مدن القناة. من جانبه أكد حسام سويلم - المدير السابق لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالقوات المسلحة، أن الثورة ما زالت مستمرة حتي يتم تصحيح الأوضاع، مضيفًا: "الشعب المصري تعرف أكثر علي ممارسات الإخوان، وأصبحت لديه رؤية واضحة عما يحدث حوله". وأضاف الخبير الاستراتيجي أن رئيس الجمهورية يعمل الآن على سداد الفواتير لكل من سانده خلال فترة الانتخابات حتى وصل إلى كرسي الحكم، والفاتورة الأولى من نصيب مكتب الإرشاد والجماعة. ويري أسامة الغزالي حرب - رئيس حزب الجبهة الديمقراطية، أن الدعوة الأخيرة التي أطلقها الرئيس مرسي للحوار مع قيادات المعارضة، هدفها كسر شوكة الثورة الجديدة ضد النظام الإخواني، إيمانا منه بأن ما يحدث في الشارع المصري ينبئ بخلع جديد للنظام، ويؤكد أن مرسي وجماعته على يقين بخطورة الوضع، خاصة بعد مشاركة الإخوان الجزئية في الثورة على مبارك، ويحاولون الدفاع المستميت حتى اللحظة الأخيرة. ويصف "الغزالي حرب" حوار قيادات الإخوان اللين عن ضرورة الاستقرار والبناء بأنه "استجداء" لدعم مرسي المتأرجح في السلطة حاليًا، ويأتي تحت ضغط الاشتباكات الدامية الأخيرة، موضحًا أن الاستمرار في نزع فتيل الغضب الشعبي متوقع في أسلوب أي نظام حاكم. وأضاف أن الشعب كان ينتظر أن تضع الثورة المصرية حدًا للشرخ الذي كان قائمًا في المجتمع بين أنصار الرئيس السابق والمستفيدين من حكمه من جهة، وبين سائر فئات المجتمع القابعة في جهة أخرى، إلا أنه لم يجد سوى انفراد الإخوان بالسلطة، وقطع الطريق على الحوار، واستخدام الدين كغطاء سياسي بهدف تكفير المخالفين، وظلت النظرة إلى مؤسسات الدولة وأجهزتها على ما كانت عليه في السابق، باعتبارها مؤسسات وأجهزة خاضعة لمصالح الحزب الحاكم. وفي السياق نفسه، ربط الخبير العسكري "سامح سيف اليزل" استمرار الاحتقان الشعبي وإمكانية أن تكون ثورة جديدة بشق آخر، هو احتمالية أن يتدخل الجيش مرة أخرى في السياسة، في ظل وجود جهة معارضة حاربت العسكر أثناء إدارتهم شئون البلاد، فما يحدث معادلة ثلاثية الأبعاد، عناصرها تتمثل في الإسلاميين، والمدنيين، والعسكريين، في وجود عامل مهم، وهو أمل المجلس العسكري في العودة إلى الحياة السياسية.. في إشارة إلى سيناريو الانقلاب العسكري على الحكم مرة أخرى، عن طريق الوفاق مع جبهة الإنقاذ التي رفعت شعار "يسقط حكم العسكر" سابقا وصبغتها الثورية، بحيث تمثل العامل الحرج في المعادلة، أو عن طريق التحالف مع جبهة الإخوان. وعن سيناريو قبول المعارضة التفاوض مع المجلس العسكري، خاصة بعد دعوات الحوار الوطني التي أطلقها البرادعي ممثلا لجبهة الإنقاذ، وفي حضور وزير الدفاع "عبد الفتاح السيسي"، رسم "سيف اليزل" خريطة المسافات بين أعضاء الجبهة، وبين التوافق مع العسكريين، حيث يري أن موقف عمرو موسى - المرشح الخاسر في انتخابات الرئاسة - من العسكر بمثابة معادلة دبلوماسية مقبولة، مشيرًا إلى أن الأمر يختلف مع حمدين صباحي - القيادي الناصري، ووصفه بأنه "مرور صعب في عنق زجاجة، فيما رأى الأمر مع البرادعي معادلة نووية مستحيلة، إلا إذا لانت صلابة رجل العلاقات الدولية ورضخت لسطوة المنظومة العسكرية. في السياق نفسه قال الدكتور محمد بسيوني - أستاذ الإعلام وحقوق الإنسان بجامعة الأزهر، إن ترويج بعض أعضاء الإخوان بشأن إعطاء قطر حق امتياز قناة السويس هو السبب الرئيسي في الانقلاب علي الجماعة والنظام الحالى واشتعال الثورة مرة أخرى، بالإضافة إلى أنه بعد مرور عامين على الثورة لم تتحقق أي من مطالب الثورة حتى الآن. وأكد بسيوني أهمية وجود القوات المسلحة في الحياة السياسية في الوقت الحالي، وإجراء حوار وطني بين كل الأطراف السياسية حتى يتم التوافق لصالح المجتمع. وعن منح القوات المسلحة حق الضبطية القضائية، قال بسيوني: من حق الجيش والشرطة الضبط الاجتماعي وحماية المنشأة من المخربين؛ لكن دون الإسراف في الاستخدام والقبض على المواطنين دون وجه حق. الغرب يتوقع عودة العسكر ويصف المحلل السياسي د. حسن نافعة - أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الوضع الحالي في البلاد، ب"المتعفن"، حيث ظهرت أزهار جميلة قامت بثورة 25 يناير، سرعان ما ذبلت بعد أن تراجعوا عن المشهد السياسي وتركوا الساحة لكي يطفح بها الفكر الإخواني المتجمد القائم على الاستحواذ، مؤكدًا أن ما يحدث ثورة جديدة علي هذا الفكر. وعن سيناريو تغيير المسار، وعلاقة العسكر بالمعارضة وجبهة الإنقاذ وإمكانية وجود أمل للخروج من المأزق في ضوء ما أقره مجلس الشوري من قرارات إشراك الجيش في ضبط الحالة الأمنية في البلاد، ومنحه حق الضبطية القضائية، يرى "نافعة" أن كل من "ثلاثي أعضاء الجبهة" عارضوا بشدة "عسكرة السلطة والسياسة" بعد الإطاحة بمبارك، لكن الزخم الشعبي قد يصبر على فترة عسكرية "انتقالية"، أملا في أن يسلم العسكر مفاتيح الرئاسة مرة أخرى إلى رئيس مدني منحاز للشعب، مما قد يحدث بعدًا آخر، وهو مؤشر رضا الشعب عن أداء المعارضة متمثلة في جبهة الإنقاذ، بحيث يفسر هذا المؤشر جدية الاحتجاجات الأخيرة ويصنفها التصنيف الصحيح بأنها إما "ثورة"، أو "موجة غضب". وعن رؤية الغرب لحكم العسكر، يؤكد "نافعة" أنه إذا حل عبد الفتاح السيسي - وزير الدفاع، بديلا لمحمد مرسي، فإن السيسي لن يمانع، حيث ترأس المخابرات العسكرية أثناء ذروة العلاقة الودية بين عسكر المشير طنطاوي وعسكر البنتاجون، مرجحًا أن ذلك هو المعيار الذي اختار من خلاله مرسي السيسي قائدًا للجيش، لمعرفته بثقة البيت الأبيض به. واختتم "نافعة بأن الإخوان خطفوا السلطة من الشباب، والأحزاب، والعسكر، ووصلوا إلى السلطة عبر براعة التنظيم وقداسة الشعار... موضحًا أن الحلول الجاهزة أثبتت عجزها، وأن الواقع أكد عدم قدرة الإخوان على احتكار الحكم والسلطة، وإقصاء المعارضة السياسية والشعبية عن المشاركة وحتمية اندلاع ثورة أخرى. يشار في هذا الصدد إلى التقرير الذي أورده موقع ال''ديلي بيست'' الإخباري الأمريكي الذي توقع عودة العسكر، حيث علق الموقع على المشهد السياسي في مصر بكل أحداثه الدموية وقرارات الرئيس مرسي الذي أعاد استخدام السلطة العسكرية والجيش لتهدئة الأوضاع المضطربة، حيث أوضح الموقع أن لجوء مرسي للاعتماد على الجيش يعني أنه تفهم جيدا عدم قدرته على الثقة في رجال الشرطة لتهدئة الشارع المصري. ولفت الموقع الأمريكي - في تقريره - إلى أن الوضع الحالي أظهر أن الجيش كان يدير مرسي بشكل كامل، وأن القوى الإسلامية الجديدة ساندت الدستور ومنحت المؤسسة العسكرية امتيازات كبيرة في سبيل نقل السلطة بأكملها لمرسي في شهر أغسطس. وعلق الموقع علي إصدار الرئيس أمرا رسميا للجيش بإعادة النظام من خلال فرض حالة الطوارئ، بأن طلب مرسي لم يكن في شكل تعليمات للجيش، لكنه جاء كاستغاثة دعم، متسائلا حول ما إذا كان الجيش لا يزال يحتفظ بمصداقيته في قمع المحتجين أم لا، بعد أن تمركز الجنود في ميناء بورسعيد ولم يتدخلوا لفض الاشتباكات التي اندلعت في الشوارع بعد فرض حظر التجوال. وأورد التقرير - على لسان مصادر عسكرية - أن الضباط مترددون بشأن التدخل لفض الاشتباكات حتى لا يسيئون لسمعتهم عند المصريين، مكتفين بظهورهم في المشهد فقط. وألقى الموقع الضوء على رؤية مدن القناة المشتعلة بشأن ما إذا كان انتقال السلطة للجيش أمرًا مرحبًا به أم لا، بأن أذهان "بواسل القناة" ما زالت مرتبطة معنويا بالجيش المصري، على خلفية العلاقة الوطيدة التي تكونت إبان تصدي شعب القناة للعدوان الثلاثي، وأن الجيش المصري هو الحامي الأساسي للبلاد، وأنهم ما زالوا على ثقتهم في المؤسسة العسكرية لوجود أبنائهم وأخوانهم بين عناصرها، وموقفهم الأخير من الشرطة المصرية على خلفية أحداث استاد بورسعيد والاحتجاجات الأخيرة. من المشهد الاسبوعى.. الان بالأسواق