"الرئيس محمد مرسي يُطيح بالمشير محمد حسين طنطاوي والفريق سامي عنان، ويُنهي حكم العسكر الذي دام لأكثر من 60 عاما". وكان هذا الإنجاز الأوّل للرئيس المدني الذي اختاره الشعب بيديه، في سباق مع الزمن يمتدّ 4 سنوات شرعية، أقرّها الدستور الجديد، وأقرّتها إرادة الشعب التي تعلو فوق أي دستور دنيوي.
بعيدا عن شخص الرئيس الحالي، كانت أُولى المطالب التي دعت لها الثورة هي ال"عيش" بمفهومه الشامل المتكامل، وكان هذا الإنجاز الثاني للرئيس الحالي؛ فبعد طوابير العيش والاقتتال عليها، أضحى الرغيف بحجم أكبر في متناول الجميع دون شجار أو اشتباك، فضلا عن منظومة السلع التموينية التي شهدت تطوّرا ملحوظا في العديد من المحافظات، ومع زيادة بطاقات التموين أصبح مفهوم ال"عيش" الكريم نسبيا في متناول شريحة كبيرة من المجتمع.
ثمّ بدأت المنظومة من رأسها في التغيّر؛ فبعد أن كان القمح المستورد على طريقة "عقدة الخواجة" له أفضلية التخزين في صوامع الدولة، أضحى القمح المحلي في هذه المكانة، وأصبحت شروطنا تُطبّق على المورّد في سابقة هي الأولى مِن نوعها في تاريخنا الحديث؛ أي منذ نحو 50 عاما.
يوسف والي -وزير الزراعة الأسبق- حينما صرّح محمود أبو زيد -وزير الري- آنذاك بأن مصر تسعى للاكتفاء من القمح تمّ تحييده وإقالته من منصبه، وخرج والي علينا: "إحنا نزرع كانتالوب أو فراولة، ومعانا فلوس لاستيراد القمح"، خاف والي مِن أن تغضب أمريكا منه ومِن رئيسه؛ فمصر أكبر مستورِد للقمح من الولاياتالمتحدة، وهذا يجعلها تخسر أهم زبائنها، وأبى مبارك ورجاله ذلك.
في هذا الموقف الذي اختارت فيه مصر شروطها في استيراد القمح، أعاد الرئيس الحالي مصانع ك"النصر للسيارات" و"الإنتاج الحربي" إلى العمل، في سباق طويل لتصنيع أوّل سيارة مصرية لتلحق بأوّل "تابلت مصري" في عهد الرئيس الذي أحضرته الإرادة الشعبية.
أكّد الرئيس الحالي أن عودة تلك المصانع للعمل هي خطوة في طريق عنوانه "سنصنع سلاحنا ودواءنا وسنزرع غذاءنا بأيدينا"، ألا يكفي تصريح بجانب فعل في هذا السياق وإعطاء القوات المسلحة شرف قيادة مصانع الإنتاج الحربي للتسليح بأن تثور الغضبة الأمريكية المهيمنة؟ ألا يدفع هكذا أمر بالمورد الأكبر للسلاح والغذاء لأن يُحاول فرض هيمنته على النظام المصري الجديد بشتى السبل؟ وما الضير من إنفاق ملايين في سيل الهيمنة؟
مَن يقول إن "الثوار الأنقياء" هم أداة في يد أمريكا تحرّكها الملايين السباقة "جاهل أو واهم"؛ فالثائر الحق لا تحركه إلا الفكرة، والسعي لكسر القيود، لكن أن يقف الثائر الحق يُطالب بحقوق الشهداء من نظام جديد ويده بيد القاتل فهذا مجرّد عبث.
بعيدا عن اسم الرئيس الحالي، لكن 24 تظاهرة في عام بمعدّل تظاهرتين كل شهر وآلاف الوقفات الاحتجاجية وقطع الطرق من أناس غضبى، تُشبه ذلك المتسابق الذي خطّط للفوز في سباق دولي للدراجات، وفي كل متر تضع العصى في دراجته؛ فيقوم ليواصل على أمل أن تبقى الدراجة سليمة ليستلمها غيره في طريق السباق.
ثُر ضد الظلم، لكن لا تجعل يد الظالم بيدك، قفْ ضد الفاسد واحرصْ على ألا يكون الفاسد بقربك، طالبْ بالقصاص من القتلة، واحذرْ فالقاتل يقف جوارك لا تطالبه بل تطالب غيره.
ملخّص ما سبق لا يعني أنني أدعوك للامتناع عن النزول في 30 يونيو، لكني أريدك أن ترى الحق، ومع مَن تسير، وأن تضع عنوان "سنصنع سلاحنا ودواءنا وغذاءنا بأيدينا" نصب عينيك، ثمّ تنظر للخطوات المتّئدة نحو ذلك، ثم سَلْ نفسك: هل سأضع يدي مع الهيمنة في سبيل إسقاط رئيس اختاره شعبه لمجرّد أنه أراد التحرّر من التبعية؟
وإذا قلت في نفسك بأنه رئيس مُتبِع (بضم الميم وكسر الباء)، ويسير خلف الولاياتالمتحدةالأمريكية كما يُشاع؛ فهلا سألت نفسك: لماذا تتهمه في الوقت نفسه أنه يتّبع حماس وروسيا وإيران ألدّ أعداء أمريكا؟
عزيزي الثائر النقي.. إذا أردتُ أن تتأكّد مِن أنك تسير على نهج ثورة يناير المجيدة؛ فانزل يوم 30 يونيو وقل: "يسقط يسقط محمد مرسي مبارك"، أو ارفع لافتة تُدين السفاح مبارك ومرسي كما تحبّ أن تقول، ثم نبّئني هل مرّ الأمر بسلام؟
تابع التصريحات التي ملأت الدنيا صراخا ضد مبارك وتصالح الحكومة مع المخطئين في حقّ الشعب بأموالهم، وانظرْ للمعارضة وهي تؤكّد أن التصالح ضد الثورة، ثم إذا ما توقّفت الحكومة لمراجعة حساباتها تجد ذات المعارض يُطالب بالتصالح "وحضن رجال مبارك"، ومناشدة الثوار بعدم الهتاف ضد مبارك؟ لماذا؟ لأنه يعلم أن الورقة الرابحة ضد رفيق الميدان ومَن حمى الثورة بشهادته هم رجال النظام الذي ضحّينا بأروحانا لإسقاطه.
لا أُطالبك بالاستماع إلى دعوات عدم النزول، لكن اتّبع التعليمات لتصل إلى الحقيقة، لن أتحدّث عن مشروع قناة السويس المعطّل بدعوى "بيعها لقطر"، ولا عن بيع الآثار التي لم تتحرّك من مكانها، ولا عن زواج الفتيات ذوات ال9 سنوات، ولكني سأسأل سؤالا واحدا: لماذا تنفي الرئاسة أسبوعيا نحو 100 خبر كاذب؟
أجل هو إسقاط الدولة لا شك، وأناس أصبحت الثورة مجرّد "سبوبة" بالنسبة لهم، بعيدا عن الاسم الموجود وبعيدا عن إنجازات في العيش والحرية التي انتزعها الثوّار بأرواحهم وخطوات العدالة الاجتماعية المتعثّرة وأداء الرئيس المثير للريبة "في الإنجازات وليس بيع البلد".. يجب أن نعيد تقييم الأمور، ونترك مبدأ "عدو عدوي صديقي" لأنه مبدأ قذر، ولا نحالف الفاسدين.. ساعتها فقط ستُدرك أن الشرعية يجب أن تكون "خط أحمر" حتى لا تنقسم الصفوف كما أرادها المؤلف مدحت العدل في قصيدته "شعبين".