السلام عليكم.. ابنتي عمرها 3 سنوات لم تذهب إلى المدرسة بعدُ، وهي ترتيبها الثاني، أختها أكبر منها ب3 سنوات وأخ أصغر منها بسنتين. لاحظت أنها تسرق أشيائي مثل المال أو أدوات الماكياج من مكانها المخصّص، وتضعها في شنطتها الخاصة بها، وعندما اكتشف تقول لي: "أنا مش عندي زيّها". حاولت أفهمها كتير بأساليب مختلفة، ولمّا أشتري حاجة لأختها علشان المدرسة لازم أشتري لها من غير ما هي تطلب. لا أنكر إني استخدمت الضرب معها مرة، ولأنها عنيدة شوية طبعا مانفعش الضرب معاها، فابتعدت عن هذا الأسلوب، وبدأت أحرمها من أشياء تحبّها كاللعب على الكمبيوتر. وقد لجأت إلى سرقة كل ماكياجي، ولمّا سألتها حاجتي فين؟ قالت لي أخويا الصغير رماها من البلكونة، صدّقتها في الأول، لكني لاحظت اختفاء كل أدوات الماكياج، وصعب إن أخوها هياخدها كلها؛ فواجهتها بهدوء دون انفعال، وقلت لها أنا عارفة إنك أخدتي الحاجة مش أخوكي. وبعد 10 دقائق أحضرت لي الحاجة، وهي مكسوفة طبعا وباباها زعق لها، وأنا قلت لها دي آخر مرة.. وعدتني لكن في نفس اليوم بالليل أخدت حاجات تاني.. أعمل إيه؟ H. a
أهلا وسهلا بك صديقتي الكريمة.. ولتهوّني على نفسك واهدئي؛ لأنك تضخمين بالفعل تصرّفات صغيرتك الجميلة، وأقول تضخيم؛ لأن دراسة النمو النفسي للطفل هي التي قالت هذا، ولأن الآباء يقصّرون في زيادة وعيهم التربوي بعدم التعرّف على خصائص كل مرحلة من مراحل عمر الطفل وطبيعتها ومتطلّباتها؛ فيقعون في أخطاء تربوية تجعلهم هم السبب الرئيسي في وجود مشكلات نفسية بجدارة دون وعي منهم مع الأسف؛ فيلحقون بأنفسهم وأبنائهم الأذى، وهم يتصوّرون أنهم يتصرفون التصرف الصائب! فتعالي معي يا صديقتي الكريمة لتتعرّفي على حقيقة ما يحدث من صغيرتك؛ فالأصل أن كل طفل يولد ولديه غريزة التملّك؛ فغريزة التملك من الغرائز الأصلية لدى الإنسان من الأساس، بل هي غريزة مهمّة وضرورية لكي يتمكّن الإنسان من إدارة شئون حياته وتسييرها، وهي غريزة تمر بمراحل تطوّر عند الأطفال، لذا كما قلت: هذه الغريزة تحتاج أولا من الآباء فهم ووعي لها لتجنّب مشكلات فيما بعد، ثم تتطلّب الرعاية والتهذيب والتدريب من الآباء لأطفالهم حتى تظلّ تلك الغريزة في حجمها الطبيعي المقبول والمتعارف عليه بلا إفراط وبلا تفريط. ودون أن نجعل طفلنا يتحوّل لشخص شحيح، أو شخص مسرف، أو شخص لا يتعامل مع الآخر بخصوصياته، أو شخص يتعدّى على الآخر وعلى خصوصياته فيصبح لصّا بصدق، وحتى يحدث هذا بشكل سليم، من المهم التعرّف على مراحل وطرق التعامل مع قصة الملكية الخاصة في مراحل الطفل المختلفة، لنتعرّف على ما يجب وما لا يجب فعله في كل مرحلة: أولا: مرحلة بداية غريزة التملك و"غياب" مفهوم الملكية الخاصة وفترتها من سن عام وحتى ثلاث سنوات (1 إلى 3). أي أن صغيرتك الجميلة ما زالت أصلا في مرحلة غياب مفهوم الملكية الخاصة؛ حيث يتمركز الطفل في هذا السن حول نفسه تماما، ولا يتفهّم أي معنى مجرد؛ أي لن يفهم مثلا كلمة حرية، كلمة أمل، كلمة أمانة، كلمة لص، كلمة لفظ الجلالة "الله" سبحانه حتى وإن رددها، أو تصوّرنا أنه يفهم جيّدا؛ لأن قدراته العقلية لم تكتمل بعدُ، فهو يفهم ما يمكنه إدراكه فقط في تلك الفترة والتي تتكرّس في الناحية المادية، والتي تتعلّق به هو شخصيا؛ أي بالأشياء وليس المعاني. ففي نهاية العام الأول، تبدأ تلك الغريزة بالتعبير عن نفسها بتلقائية شديدة جدا دون أن تعني أي معنى، فما يعجب الطفل هو ملكه، وما يلفت انتباهه هو ملكه، وما يجده مع آخر هو ملكه، وما يلعب به طفل آخر هو ملكه، فهو يدندن حول ذاته في تلك الفترة دون قدرات إدراكية أكثر من ذلك؛ فالآباء الذين يعرفون تلك الحقيقة يجب ألا يغضبوا غضبا شديدا، وألا يحرجوا مثلا إن تشبّث ابنهم بلعبة ابن عمه، أو أخذ ما يعجبه وهو يتسوّق معهم في أي مكان؛ لأنهم ما زالوا في حالة من ضعف النضج والإدراك لما يعنيه هذا التصرف عند الكبار. فهناك ما يعرف علميا بالفروق الفردية بين الأطفال، فقوة الغريزة تختلف من طفل لآخر، وكذلك التدريب واكتسابه يختلف من طفل لآخر، لذا إذا وجدنا أن الطفل لديه غريزة التملك كبيرة لديه في مرحلة العام وحتى الثالث من عمره؛ فالواجب التربوي والنفسي له هو "الإغداق" حتى يشبع الطفل احتياجاته، بل نحرص أن يتم الإغداق عليه حتى يتم ملء عين الطفل في تلك الفترة، ولا يتطور الحرمان لديه فيما بعد فيتعدّى على ممتلكات الآخرين لتعويض النقص. ولم يقل العلم هذا الكلام وحده، بل سبقنا إليه رسول الله صلوات الله وسلامه عليه حين كانت تأتيه الفاكهة كهدية؛ فيوصينا بأن نبدأ بالأصغر سنا في الدار حتى لا يشعر بالحرمان حين يرى الكبار يأكلونها، وكذلك حين كان يقول لأمنا عائشة -رضي الله عنها وأرضاها- يا عائشة إذا دخل عليكِ صبي جارك فضعي في يده شيئا فإنه يجر مودة، فلا لوم لطفلتك ولا تأنيب، ولا نظرات غضب، أو تخويف، ولا ضرب بالطبع، ولكن تفهّم وحنان ومودة حتى نتمكّن من دخول المرحلة الثانية من تطوّر تلك الغريزة بشكل سليم عن طريق التوجيه، والترفق، والتدرب. والمرحلة الثانية: تبدأ من سن الثالثة وحتى السادسة، والتي تعرف علميا بمرحلة الطفولة المبكرة (3 إلى 6)؛ حيث يبدأ الطفل هنا في إدراك الفرق بين الملكية الخاصة والملكية للآخرين، ويفهم أن أخذ أشياء الآخرين أمر خطأ، وهنا تبدأ مرحلة التدريب الهادئ والحاسم في نفس الوقت على مفهوم "الاستئذان" واحترام ملكية الآخر؛ فتبدئي أولا بتخصيص أشياء لها واحترام ملكيتها الخاصة لها؛ خصوصا أن تلك المرحلة تتميّز بالأساس بعيدا عن غريزة التملك بالفضول والاستكشاف. فطفل الثالثة بالذات يرغب بشدة في البحث عن كل ما هو متخفٍ عنه، فهو لديه فضول لمعرفة الأشياء والتعرّف على طبيعتها حتى إن البعض يسمّيه سن "ليه؟"؛ فالطفل يسأل لماذا كذا؟ فنرد لأن كذا، فيسأل لأن كذا هذا لماذا أيضا؟ حتى وإن كنّا ردّدنا عليه قبل ذلك مرارا؛ فرؤية الماكياج يثير فضولها جدا؛ فهي مساحيق وألوان عجيبة توضع على الوجه، ودائما عند ماما وأراها تضعها على وجهها؛ فيتغيّر شكلها فأرى لون فمها لون آخر!!! هذا عجيب جدا ومثير لفضولها جدا كطفلة في الثالثة من عمرها، ولا تعي أكثر من ذلك، فلماذا لا تدعيها تضع معك وأمامك بعد أن تدريبها على أن تستأذنك أولا حتى توافقي؟ واجعلي لنفسك أنت ماكياج آخر في مكان بعيد لا تراه ولا تصل إليه حتى لا يفسد، وستجديها فقدت بعد فترة بسيطة نهمها للعبث فيه وأخذه! وكلما جاءت تستأذنك وافقي، وإن أخذت دون إذنك قولي لها أعيديه مكانه وتعالي لتستأذنيني لأوافقك، وتتركيها تعيده ثم تأتي لتستأذنك فتوافقي؛ فهكذا ندرّبها ونصحح الخطأ بطريقة سلسة وبسيطة حتى يتراكم عندها مفهوم الاستئذان وتستوعبه؛ سواء في الماكياج أو غيره، ويفضّل أن يكون لكل طفل في العموم دولابه الخاص، أو درجه الخاص، ومكان لألعابه الخاصة، ولتمتنعي عن شراء ألعاب مشتركة بينهم الآن، والأهم من ذلك ومن الآن أن ترى دوما الاستئذان أمرا يحدث فيما بينك وبين والدها في أشيائكما وتسمعكما تستأذنان بعضكما البعض، ولا مانع من أن تتفقا أن أحدكما يرفض مرة استئذان الآخر فلا يأخذه أمامها. فالطفل يتعلّم من القدوة أكثر مما يتعلّم من الكلام والمحاضرات. ثم تأتي المرحلة الثالثة: وهي مرحلة استقرار مفهوم الملكية الخاصة والملكية للآخر؛ لأنه تدرب كثيرا من قبل، ورأى أن كل من حوله يستأذن أولا، وهي فترة من السبع سنوات وحتى البلوغ؛ حيث وعي وإدراك الطفل يكون زاد بشكل كبير وملحوظ، ويتمكّن بسهولة فهم المعاني المجرّدة التي لم يكن إدراكها يستوعبه من قبل؛ فنقوم بتدريبها على معانٍ أعلى من الملكية الخاصة، وملكية الآخر فنتحدّث معها وندربها على "القناعة". نتحدّث معها وندربها على مهارة "تأجيل الإشباع"، نتحدّث معها وندرّبها على "الغنى الحقيقي"، وهكذا، ونركّز في تدريبها على أمور تتعلق بالملكية كالإيثار، الكرم والعطاء، التدبير والادّخار وتشجيعه عليهم جميعا بشكل متوازن؛ فتتوازن لديه تلك الغريزة فتتمكن من إدارتها وتوجيها بنفسها. ثم تأتي أخيرا المرحلة الرابعة: وهي مرحلة "التجريم" و"التأثيم"؛ حيث كانت قبل ذلك طفلة صغيرة ليس لديها النضج الذي يجعلها تتفهم القصور الأخلاقي والديني في تلك المرحلة، لكن الآن أصبحت ذات نضج ووعي للأخلاق والمقبول وغير المقبول، وأصبحت تحاسب أمام الله سبحانه عن أي تقصير؛ لأنها "نضجت" في تلك المساحة.. لذا فقط أذكرك بالآتي: - هي ما زالت في مرحلة غياب وتشويش للتفرقة بين ملكيتها وملكية الآخر، مهما تصوّرت أنها تعي وتفهم. - هناك فروق فردية بين الأطفال تجعل لكل قدرته الاستيعابية وردود فعله وتطوره. - عقابك ولومك وعدم إتاحتك لها لتشبّع فضولها الطبيعي هو ما جعلها تأخذه ليلا حتى تتفادى العقاب واللوم دون فهم حقيقي لماذا تعاقب أصلا؛ خصوصا أن سن الثالثة يتميّز بالفضول والاستكشاف والاستقلال والعند. - لا تقولي لها أبدا كلمة "حرامية"؛ حتى لا ترسخ بداخلها؛ فالطفل يعرف نفسه ويأخذ فكرة عن نفسه مما يقوله عنه أبواه في كل وأي شيء؛ فتكرار تلك الكلمة ستجعلها تكبر وهي تدرك أنها شخص لص فانتبهي جيدا. - لا تنسي القدوة أبدا. - شجّعيها وامدحيها في كل مرة تستأذنك فيها. - كلما استأذنتك وافقي، وبمرور الوقت بين الحين والحين ارفضي. - لا توصلي لها بأي لغة جسدية أو لفظية أو معنوية أنها مشتبه فيها، وأغلقي باب التأنيب والضرب الآن تماما، وحسّني العلاقة بينك وبينها، واجعلي بينكما دائما حوارا دائما وملاطفة وحبا وودا. وفّقكِ الله تعالى.. ولا تخافي،،،